الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدُّ الأطفال

سعدون محسن ضمد

2009 / 1 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


في تموز 2002 كنت ومجموعة من الأصدقاء نجمع الفتاوى التي تبيح اشتراك النساء في العمليات الانتحارية التي تستهدف المدنيين اليهود. كنّا قد شكلنا، يومها، جماعة عراقية تسعى لنصرة الانتفاضة الفلسطينية؛ حيث كانت عمليات قتل المدنيين (المسلمين) تجري بشكل مسعور. ومع وحشية المجازر وما رافقها من زخم إعلامي وما قابلها من عمليات كيل بمكيالين يقوم بها المجتمع الدولي..
تحول الحق الفلسطيني بالنسبة لي إلى حقيقة ناصعة، وصارت القضية الفلسطينية مكوَّنة من كل متماسك لا يمكن أن يرقى الشك لصدق أي جزء من أجزائها، حتى ذلك المتعلق بقتل المدنيين اليهود، كسبيل وحيد لحماية المدنيين المسلمين.
أما بعد نيسان 2003 فقد أخذ الشك يتسرب لأول جزء من أجزاء تلك (القضية/ الحقيقة). وذلك عندما توجه لابسو الأحزمة الناسفة إلى العراق، إلى الكاظمية وكربلاء والنجف والحلة. وعند سقوط أول ضحية عراقية مسلمة من جراء حزام ناسف يحمله مسلم بدافع حماية المسلمين، سقطت أول خرزة من عقد تلك الحقيقة داخل وعيي. ثم وما أن فتح العراقيون ملف صدام حسين، بدءاً من اعتقاله ومروراً بمقتل ولديه وانتهاء باعدامه، حتى تناقضت تلك الحقيقة مع نفسها وانفرط عقدها وضاعت جميع الخرز، ليس بالنسبة لي فقط بل بالنسبة بل بالنسبة للكثير من العراقيين.
بعد ذلك وفي خضم الاشتعال العراقي ما عادت انفجارات غزة تحرك ساكن مشاعري، أنا الذي كنت أنام على انفجار وأصحو على آخر واعيش بين الانفجارين مخاوف الذبح أو الخطف او التهجير، وأحصي صباح كل يوم تقريباً وبحكم عملي ما يقرب من ثمانين مدنياً عراقياً يذهبون ضحية لتناقضات الحقيقة الفلسطينية، أقصد حقيقة حماية مدنيي هذا الطرف باستهداف مدنيي ذاك الطرف، بينما ينام أبطال الطرفين بسلام تام.
لكن في هذه الأيام، وعندما بدأ القصف الإسرائيلي الأخير لغزة، عادت ذكريات فتاوى إباحة الدم البريء من جديد. تذكرتها وتساءلت عن جدواها بخوف شديد. هذه الفتاوى التي آمنت بها سنة 2002 ثم كفرت بها بعد 2003، وها هي تصرخ بوجهي من جديد سنة 2009 وتتهمني بالخيانة، خيانة الأطفال على الأقل. خاصَّة بعد أن وصل عدد الضحايا من بينهم لأكثر من 200 طفل.
نعم فعند حد الأطفال تتزعزع أكبر اليقينيات وتستيقظ أتفه الشكوك.. لكن ولأن عموداً مكتوباً في صحيفة عراقية لا يمكنه أن يساعد طفلاً جريحاً أو مقتولاً أو مشرداً في غزة، عليه أنا لا أكتب بدافع مساعدتهم، لكنني وجدت ومن جديد أن دماء الأطفال تشكل محكاً محرجاً للحقيقة. الحقيقة التي كشفت دماءهم عن مقدار عهرها.
نعم الحقيقة عاهر لدرجة تمكنها من مضاجعة الف رجل في يوم واحد وتدعي، مع ذلك، بأنهم كلهم أزواجا شرعيون لها. وإذا لم تصدِّق ذلك، فاقرأ أعمدة الصحف العربية والعالمية، وشاهد الفضائيات، وستجد عندها بأن الحقيقة ليست فلسطينية فقط، بل يهودية ومسلمة وسياسية وحقوقية... وهي من جهة أخرى (حماسية وفتحاوية) و(سعودية/ مصرية) و(إيرانية/ سورية) بل وحتى تركية. لكن هناك بالتأكيد حقيقة أخيرة ضائعة بين كم الحقائق هذا؛ هي الحقيقة الطفولية.. تلك التي لا يصطبغ باحمرارها أي من شياطين باقي الحقائق، لكن يشوى داخلها الأطفال فقط، الأطفال الذين ألقت بهم الصدفة وحدها في مكان هو أقرب إلى الجحيم منه إلى المدرسة أو الروضة أو حتى البيت الآمن.
القضية عندي باختصار تقول: لو لم تكن الحقيقة عاهرة لهذه الدرجة لاستطاعت أن تكون ناصعة ومحددة لدرجة تتمكن معها من حماية الأطفال في العراق أو فلسطين أو في أي جحيم آخر يستعر بسبب ألوانها الكثيرة والزائفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو