الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لَوْلاَ التَّشهُّدُ لكَانَتْ لاؤُهُمْ نَعَمُ

عبد الإله بوحمالة

2009 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


رحم الله زمنا كان الزعماء العرب يتسابقون فيه إلى عقد القمم والمؤتمرات العربية العادية والطارئة كلما ألمت بهذه الأمة المنكوبة ملمات، فقد كانوا يتنادون على بعضهم البعض من الصقيع إلى البقيع ويهشون ويبشون لبعضهم البعض داعين ملبين مهرولين..
لم لا، والقمم العربية، ماشاء الله، كانت فسحا واستجمامات وأكلا وشربا وملذات هنيئة مريئة، وتبديلا للجو وترويحا عن النفس من قيظ الصحراء الخانق بالنفط والرمال، وكانت هذه القمم والمؤتمرات بعد كل ذلك "بروزة" إعلامية معتبرة أمام عدسات الصحافة وكاميرات التلفزيون.
أقول رحم الله ذلك الزمن، ويعلم الله أني لست ساخرا ولا متهكما، لأنه كان زمنا، مع ما جمعه من كل الآفات والويلات والخيبات الثقيلة التي يعلمها العادي والبادي، كان، فيه عند زعمائنا الأشاوس سببا وجيها يمكن أن تستنفر من أجله الهمم وتشد في سبيله الرحال وتقطع بسببه الوديان والصحارى، حتى ولو كان هذا السبب تحركه قضايا غريزية وبطنية بعيدة كل البعد عن أن تكون مرتبطة بمصير الأمة ومستقبلها أو ذات علاقة بالأخطار التي تتربص بها. فعلى الأقل كنا حينها نعرف أنهم اجتمعوا وجلسوا جنبا إلى جنب، وأنهم كما اجتمعوا في اليوم الأول سيتفرقون في اليوم الأخير، وفي اختتام القمة سيتفقون على ألا يتفقوا، وسيضربون فيما بينهم قبل الانصراف موعدا عند أول منعطف تاريخي قادم أو عند أي منعرج قومي حاسم ـ وليس أكثر من المنعطفات والمنعرجات في مسيرة هذه الأمة ـ ثم سيذهب كل إلى حال سبيله مرتاح الضمير مجبور الخاطر، ويبقي كلام الزبد المتطاير من أفواههم حبرا أسود على ورق أبيض، لا أقل ولا أكثر.
صحيح لقد كان يحدث في كل مرة أن يختلفوا وأن يتجادلوا. وكان من المتوقع حينما يتجادلون أن يتشاتموا فيما بينهم في اجتماعات مغلقة بعيدا عن أعين الناس والكاميرات بأقدع النعوت وأحط الأوصاف كل حسب القاموس الإيديولوجي الذي يؤمن به ويتكلم بمفرداته.
صحيح كان مثل هذا الأمر يحدث مرارا وتكرارا، لكنهم في الأخير كانوا يخرجون أمام الرعية من سواد العرب خرجة رجل واحد صافي النية سليم الطوية فيطيبون خواطرنا بصورة فوتوغرافية جماعية رائعة، ويهدؤون من روعنا ببيان بارد مبلول يشفي الغليل، يشجبون من خلاله الغطرسة الإسرائيلية ويدينون فيه صمت الأمم المتحدة ولا ينسون أن يعبروا، في تلافيف التلافيف، عن امتعاضهم الكبير من التواطؤ الأمريكي والتخاذل الأوربي.
وحينما أسعفتهم شجاعة الفرسان ذات زمن وذات مؤتمر قمة عربي للتعبير عن موقف حيال القضية الفلسطينية تمكنوا، بقدرة واحد أحد، أن يرفعوا صوتهم عاليا بلاءات ثلاث دفعة واحدة وبدون تردد ولا وجل.
لقد مضى إذن ذلك الزمن الذي كنا نتكبر فيه على السقف المنحني جدا للشجاعة لذى زعمائنا وانصرم ذلك التاريخ الذي كنا نطالبهم فيه بأنفة ونخوة عربية تشبه نخوة المعتصم.. مضى بمهازله ومآسيه المدوية، وتحول الانحناء إلى ركوع والركوع إلى انبطاح، وصرنا من فرط هواننا نتوق إلى قادة وزعماء لا ننتظر منهم لهذه الأمة شيئا بالمرة.. لا ننتظر منهم أن يحاربوا.. ولا أن يحرروا أرضا ولا إنسانا في فلسطين.. ولا أن نطالبهم بأن يرموا إسرائيل في بحر.. ولا يقطعون عن العالم نفطا.. ولا يرغون أو يزبدون بشجاعة لفظية أمام التلفزيون.. ولا يصدرون بيانات طنانة للشجب والإدانة.. ولا حتى أن يرفعوا لاء واحدة من تلك اللاءات الصعبة.
ننتظر منهم فقط شيء واحد ووحيد.. أن يستحيوا على عجزهم وتخاذلهم.. وأن يصمتوا، لأن الواقع المر قد كشف بالبرهان الساطع أنهم قوم، سبحان الله، لولا تشهدهم المنافق لكانت لاؤهم نعم على حد قول الشاعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ