الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يصبح الموت هدية من السماء

نادر قريط

2009 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



11سبتمبر جديدة متى وأين؟

في نهاية سبتمبر 2000 كان الطفل محمد جمال الدرّة يسير مع والده في شارع صلاح الدين بين نتساريم وغزة وفجأة إندلع الرصاص. وشاءت لعبة الأقدار أن تكون كاميرا المصوّر الفلسطيني طلال أبو رحمة، الذي عمل لمحطة فرانس2 مصوبة بإتجاههما. فكان ما كان
كانت صورة ذات شحنة بلاغية أسطورية هزّت وجدان العالم: رصاص دوّى فإنتفض الجسد الصغير وإلتصق بكومة أبيه، الذي رفع يده مستغيثا وحرك رأسه بإيماءات من الهذيان والجنون. في تلك اللحظة تحوّلت مأساة فردية إلى أيقونة إلى هستيرية جماعية إلى بركان يغلي بحمم الثأر والرغبة بالقصاص والإنتقام .لا شك أن الصورة نُسيت اليوم وعلاها غبار الزمن (وغبار برجيّ سبتمبر 2001). لكن القليل تنبّه إلى أبعادها الميثو ـ سيكولوجية، التي إختصرت صراعا دفينا بين عالم إسلامي قروسطي طوباوي متقهقر عاثر، وحضارة غربية غنية قوية وذات مخالب عدوانية كولونيالية فظة (إسرائيل)آنذاك تمنيّت لو أحصى علماء المجتمع عدد الشباب المتأهب للإنخراط في الثورة العدمية التي قادها إبن لادن وثلته من نيام أهل الكهف. وكم من الآلاف تمنت حينها لو تصبح "محمد عطا" ؟

إن كاتب السطور يمتلك بعض الشجاعة والحماقة ليقول أنه يوم 11سبتمبر أخرج لسانه شماتة بأمريكا، وشرب كأسا من النبيذ الأحمر مع بعض رفاقه من المهرطقين، الذين لم تخف عيونهم لمعات السرور والحبور، برغم تعاطفهم الوجداني مع ضحايا تلك الحادثة الفظيعة، مع أن الحقيقة العارية تقول أن هؤلاء الضحايا الأبرياء ليسوا أكثر قيمة من نصف مليون طفل عراقي حصدهم الحصار الفتاك، هؤلاء الذين وصفتهم مادلين أولبريت بأعراض جانبية تافهة لتحقيق قيّم الحصار العظيم؟ما أردت قوله أن برجي مانهاتن سقطا بواسطة قوة مخيّلة ميثولوجية وضمير جريح معذب قبل أن يسقطا بطائرات إختطفها عطا والجرّة.

لهذا لن أفاجأ ب11سبتمبر جديدة؟ هذا الأمر ليس رجما بالغيب، أو تنجيما بل رؤية واقعية لما تفعله صور غزة بملايين الناس.. فلا حاجة أن يأتي فدائيو المستقبل من كهوف أفغانستان محزمين بفتاوي ملا عمر وغبار وجلابيب قندهار فقد يأتون من أقرب ديسكو تيك في إستنبول، أو ملهى ليلي في بيروت أو لندن أو برلين أو القاهرة، أو أطلس المغرب، ولا حاجة أن يكونوا سنة أو شيعة أو مسيحين أو صابئة أو علمانيين أو قرود، فهذه الصورالترويعية وحدت الوعي الجمعي أمام ذروة تحتقر وجودهم على هذه البسيطة، إنها ببساطة وقود لحرائق قادمة.

محاولة لفهم انتربولوجي؟!
ربما يكون مصطلح عمليات"شمشونية" أفضل مما يتداوله القاموس السياسي من أوصاف (إرهاب إنتحار إستشهاد) فهذه العبارات تعاني من فاقة دلالية، وإسقاط أيديولوجي ـ دوغمائي قسري أنتجته ثقافة القوة، خصوصا في غياب تعريف كوني للإرهاب (درج إستخدامه لوصف جماعات بائسة ويائسة تسعى للإنتقام العشوائي). لذا أجد أن "الشمشونية" هي توصيف حقيقي لفكرة الفداء (عليّ وعلى أعدائي يارب)، وهي تعكس أدب توراتي لقانون الدم القديم الذي لا يزال يحكم مجتمعات الشرق، ولتوضيح هذه الفكرة أعيد ردا كنت كتبته للمفكر هاشم صالح في إطار ملف فتحه موقع "الأوان" بمناسبة الذكرى السابعة لحادثة 11سبتمبر 2001:
الحقيقة الغائبة هي البحث في الجذور الأنتربولوجية لهذه الظاهرة، وهي بتقديري، لاترتبط عميقا بمنظومة إيمانية (حور عين، وولدان مخلدين) بقدر ما تعبّر عن طبيعة مجتمعات " قانون الدم" القبلية وهي مجتمعات ( مجازية) لازالت تقوم على مبادئ حق الدم والثأر، وحماية شرف القبيلة (في هذا البناء ينتفي وجود الفرد ويذوب داخل الجماعة وتصبح مفاهيم الفداء والموت في سبيل الجماعة، قيمة عليا، وشرفا وضربا من الإيثار. وهذا ما تلقفه الدولة الوطنية الحداثية، عبر إسقاط فكرة الوطن(بدل القبيلة) وجعله قيمة مقدسة، يقف الناس إجلالا لعلمه وتقشعر أبدانهم لسماع نشيده الوطني، ويُحوّل البعض إلى كاميكازي، إذا ما انتهك عدوُّ حرمته.. أي أن التفسير العميق لظاهرة الإرهاب لاترتبط حتميا بتصوّرات دينية محضة وحسب، بل إنها حوصلة لمركبات دينية وإجتماعية وجيوسياسية..إلخ أما من الناحية التاريخية، فأعتقد أن الدولة الإسلامية منذ نشأتها، وحتى إنتهاء الخلافة العثمانية كانت دولة (علمانية) براغماتية، ونلاحظ ذلك في العناوين التي نشأت عليها [ دخول الأعراب الإسلام أفواجا، مع ضعف إيمانهم (لتبرير التمدد العسكري) إنشاء (لاهوت) وعلوم كلام تبريرية، تقوم على مساحة ضيقة من التأمل الميتافيزيقي أو الروحي، مع فتح أبواب الشريعة لسد الذرائع وإتاحة وتبرير المتع المادية للنظام الأبوي ( كالغزو ـ العبيدـ والجواري والإماء والخيل المسوّمة والمال والتجارة) حتى الجنة نفسها فقد تم علمنتها لتصبح ملاذا لشتى أنواع اللذائذ الحسّية. إضافة إلى الطقوس، التي تعد المسلم دائما بغفران ذنوبه ومضاعفة ثوابه، إي أنها تترك له باب المعصية مفتوحا على مصراعيه ( ليمارس متع الدنيا ومباهجها وإقتناص لذاتها) وجميع هذه العناوين العريضة المذكورة آنفا تؤكد بأن دوغما "الجهاد والموت" ليست أصيلة في التراث الأرثودوكسي الإسلامي بل طارئة وظرفية.
لقد دأبت الميديا وبروباغندا القوة على تصوير تلك العمليات الشمشونية بلغة هابطة إحتقارية وقصر أسبابها على قيّم وتصورات دينية ( جنة، حور عين، عشاء مع النبي) وهذا إسفاف كبير، وهروب من فهم دوافعها الحقيقية. التي تعود إلى مركبات "قانون الدم" الذي يضرب جذوره عميقا في الوعي الشرقي ويتماهى مع جذور فكرة الخلاص المسيحي على الصليب ورموزه التي مازالت تتجلى بصورة "خروف، ذبيحة، رمح" إلخ وهي تعبيرات ميثولوجية قربانية، تم طمسها في دوغما الدولة الكبيرة.
وبرغم عدم إطلاعي ومعرفتي الكافية بالدراسات التي تناولت هذه الظاهرة (العلم بالجهل خير من الجهل بالعلم) فإني أكتفي ببعض الإشارات حيث وقعت بالصدفة على دراسة ميدانية لأحد الشباب الألمان (من أصل فلسطيني) إستطلع فيها قصص بعض الشمشونيين، ودوافع تفجير أنفسهم، إضافة إلى شهادات معارفهم وأقربائهم التي توضح للقارئ أهمية حضور الجماعة (وذوي القربى والرحم والذات الجمعية) ودفعهم الفرد للإيثار وصياغة موته على صليب الفداء. إضافة إلى دوافع نفسية وشخصية تدعنا نفهم عنوان الكتاب: (الموت هدية) Der Tod ist ein Geschenk
إن مايجري في غزة 2009 ليس حربا على حركة حماس الإسلامية وصواريخها البائسة، إنما ترويع للأبرياء والنساء والأطفال، وممارسة لعنصرية إسرائيلية بغيضة، تهدد قواعد السلم والتعايش وسلوك عدواني لدولة فوق القانون. دولة تستمرئ دماء البشر وتستهتر بحياة الآخر وتقتل مئات الأطفال بذريعة حماية طفل إسرائيلي واحد. وفق معادلة عنصرية غير أخلاقية، تصبّ زيتها على نار الأحقاد وتجعل: الموت هدية من السماء.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة