الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حوار في المبادئ-4أخير (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د.كاظم حبيب)
سلامة كيلة
2009 / 1 / 15ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إسرائيل، والأصولية، والصراع في الوطن العربي:
نعود إلى المبتدأ. فما أثار كل هذا الحوار هو الموقف مما يجري في غزة، حيث بدا أن المطلوب هو رفض المقاومة والتمسك بالمفاوضات، وحيث أن إسرائيل أمر واقع لا نقاش فيه. ومن ثم تحميل حركة حماس مسئولية ما يجري لأنها تصرّ على المقاومة، مثل حزب الله، اللذين يخضعان لأجندة إيرانية. وبالتالي تسهم في قتل الأبرياء من الفلسطينيين. وهنا يجري الانطلاق من الموقف المسبق من الأصولية الإسلامية.
النقطة الملفتة هي ما يكرره د. حبيب حول الموقف من الدولة الصهيونية، والذي هو من مكونات "عقل" الحركة الشيوعية العربية. حيث "لم يعد مقبولاً، وفق رأيي، الحديث عن إزالة إسرائيل، فهي دولة قائمة وعضو في الأمم المتحدة، وشعب معترف بوجوده دولياً، وهي حقيقة واقعة بغض النظر عن سياساتها التي يفترض البحث فيها وإدانة الاحتلال والتوسع والعدوان".
هذا موقف "شيوعي" ثابت منذ الاعتراف بقرار التقسيم. ويؤكد د. حبيب بأن الاعتراف بالقرار جاء "في ضوء قرار ستالين بالموافقة على قرار التقسيم"، ويشير إلى تقرير من يوسف سلمان (فهد) بالموافقة عليه، رغم أن رسالة فهد منشورة في أعماله، وهي كما أشرت تصرّ على رفض القرار برغم موافقة ستالين، مع تفهم موقف السوفيت. والنص يقول "أما قضية فلسطين فلم نتوصل إلى أكثر مما توصلتم، عدا شيء واحد هو ذكركم لقومية يهودية في فلسطين، فهذا ربما كان غير صحيح، فكل ما في الأمر أن الاتحاد (السوفيتي) ربما قال بوجوب الأخذ بنظر الاعتبار بضعة مئات الألوف من اليهود الذين سبق وأصبحوا من سكان فلسطين، فهذا لا يعني أنهم قومية ولا يعني عدم الاهتمام بهم. ومع هذا فليست هذه نقطة جوهرية في الموضوع، فموقف الاتحاد جاء نتيجة محتمة للأوضاع والمؤامرات والمشاريع الاستعمارية المنوي تحقيقها في البلاد العربية وفي العالم. فالمهم في الموضوع هو وجوب إلغاء الانتداب وجلاء الجيوش الأجنبية عن فلسطين وتشكيل دولة ديمقراطية مستقلة كحل صحيح للقضية. ومن واجبنا أن نعمل لهذا حتى الأخير، ولكن إذا لا يمكن ذلك بسبب موقف رجال الحكومات العربية ومؤامراتهم مع الجهات الاستعمارية فهذا لا يعني أننا نفضل حلاً آخر على الحل الصحيح" (والنص موجود في بعض طبعات كتابات الرفيق فهد ومشطوب من بعضها، ولقد استندت كذلك إلى النص الذي أورده سالم عبيد النعمان "الحزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد" دار المدى 2007، ص 251).
هنا لا بد من أن نشير إلى أن موقف كل الحركة الشيوعية العربية كان ضد قيام دولة صهيونية، ومع قيام دولة ديمقراطية فلسطينية واحدة، إلى اللحظة التي صدرت فيها موافقة الاتحاد السوفيتي على قرار التقسيم، حيث وافق البعض بسرعة شديدة، ورفض البعض ثم أجبر على الموافقة، لكن كل الحركة الشيوعية أصبحت تنطلق من "بديهية" وجود الدولة الصهيونية، ومن حقها في الوجود. وبات شعار إزالتها "لا يعبّر عن سياسة واقعية وعقلانية، بل يعبّر عن رغبة ووهم لا غير" كما يشير د. حبيب. هل أثبت الواقع أنها بديهية؟ إذن، لماذا كل هذه الثورات التي خاضها الشعب الفلسطيني؟ ولماذا ارتبطت كل التغيرات التي جرت في الوطن العربي بالقضية الفلسطينية؟ ولماذا لازالت هناك قضية اسمها القضية الفلسطينية؟ هل هي اختراع، حيث كان يجب أن نقبل بالنتائج التي نتجت عن "المؤامرات الاستعمارية"، والتي شاركت فيها النظم العربية، وبالتالي أن نتخلى عن جزء مهم من فلسطين، ونقبل بتوطين اللاجئين؟
فيما يطرح د. حبيب مستويات من القضايا، فهل علينا كماركسيين أن نقبل بالواقع الذي رسمته الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى ضوء انتصارها، وحتى لو كان بموافقة الاتحاد السوفيتي؟ أم هل أن وجود الدولة الصهيونية و"الشعب اليهودي" والاعتراف الدولي بهما، وكون الدولة أصبحت عضو في الأمم المتحدة يعطي الشرعية التاريخية لها، وبالتالي يحرّم علينا المطالبة بكل فلسطين؟ أم لأن ميزان القوى لا يسمح؟
سنلمس هنا بأن الإقرار هذا نابع من كل هذه المسائل. فالاتحاد السوفيتي كان ينطلق من حدود اتفاق يالطا حيث أقر للدول الإمبريالية بالسيطرة على المنطقة العربية، وكانت سياسته تنطلق من إعادة بناء ما دمرته الحرب، وبالتالي يمكن القول أنه كان يناور ويكسب الوقت. لكن لماذا يتحول هذا التكتيك إلى سياسة دائمة، وتبحث عن أسس نظرية تشرعنها؟ بعد ستالين انتقل الاتحاد السوفيتي من الصراع إلى "التعايش السلمي"، لكنه كان يدعم الحركات المناهضة للإمبريالية، ويستفيد من التناقضات العالمية، دون أن يتورط في حرب. وكان في كثير من الأحيان يحاول كبح حركات التحرر في إطار المساومات مع الدول الإمبريالية. لكنه في الوطن العربي ظل محافظاً على نتائج اتفاق يالطا، لهذا ظل مصرّاً على وجود الدولة الصهيونية، وعلى عدم استلام الأحزاب الشيوعية السلطة في أيٍّ من البلدان العربية. هذه سياساته، لكن لماذا انساقت الحركة الشيوعية العربية وراء هذه السياسة؟
سأشير أولاً إلى أن "الوعي الماركسي" تراكب مع هذه السياسة، وأصبح مبرراً لها، لهذا لم يكن ماركسياً. وبالتالي بات فن السياسة هو فن التكتيك في إطار ميزان القوى القائم. والماركسية المتداولة هي المحلل الشرعي لهذه السياسة. والتي كانت تنطلق من رفض التغيير و"النضال" من أجل الحصول على مطالب "صغيرة" لم تتحقق أبداً. وهو الأمر الذي توضح في رفض منهجيتها المادية الجدلية واستمرار "التمسك" بالمنطق الصوري. ولكي أكون دقيقاً فقد كانت كذلك منذ بدء الهيمنة الستالينية على الحركة أواسط ثلاثينات القرن العشرين، وبالتالي بدء التحكم في سياسات الأحزاب في مختلف بلدان العالم. لهذا بدا أن مركز القرار هو موسكو وليس أيّ من العواصم العربية، وأن السياسة السوفيتية هي التي يجب أن تردد ويُلتزم بها. الأمر الذي كرّس الوعي بأبدية هذه السياسة، التي باتت هي الممارسة اليومية لهذه الحركة. وكان الواقع الشعبي هو الذي يفرض عليها أن تغيّر قليلاً لتعود إلى سابق عهدها بعد إذ. وهنا أقول بأن ما قاله د. حبيب هو تكرار لموقف "تاريخي" لم تغير الأحداث منه شيئاً، ولم يفضِ تغير العالم إلى تجاوزه. وكذلك لم يفضِ توضح المرامي الصهيونية، وذاك الربط بين الصهيونية والإمبريالية الأميركية، إلى فهم أعمق بالموضوع، وبالتالي إلى سياسة أخرى.
الآن، هل يجب على الماركسي أن يقرّ باحتلال استيطاني مهما كان السبب، خصوصاً أنه تحقق على حساب شعب آخر؟ وخصوصاً كذلك أنه لم يكن يعبّر عن حل لمشكلة "شعب"، وإن جرى القول بذلك؟ وبالتالي خصوصاً أنه أتى في سياق مشروع إمبريالي للسيطرة والنهب والاستغلال؟
هل يجب على الماركسي أن يقرّ بالحق النهائي في الوجود السياسي لهذا التكوين الاستيطاني على حساب شعب آخر، وفي سياق دور إمبريالي؟
لقد فرض ميزان القوى العالمي نهاية الحرب الثانية وجود هذا الكيان بعد أن كان الاستعمار الانجليزي قد مهّد الطريق طيلة ثلاثين عاماً من احتلاله فلسطين. فهل يمكن أن يتحول هذا الوضع إلى حق طبيعي؟
إن النظر إلى الدولة الصهيونية يجب أن ينطلق من مستويين، الأول: هو أن فلسطين هي تاريخياً جزء من الوطن العربي، وبالتالي فإنها أرض لشعب كان يطمح لأن يكون جزءاً من دولة عربية. وهذا الشعب لم يفنَ بعد، ولازال يطالب بأن يتحرر في فلسطين. هل من حقه ذلك؟ نعم، هنا يجب أن ننطلق من وجود الشعب، ومن مطامحه. والثاني: إن المشروع الصهيوني جاء في إطار سياسة استعمارية رأسمالية من أجل السيطرة على الوطن العربي، وبالتالي فهو أداة إمبريالية مهما كانت مبررات وجوده. والماركسية تقود الشعوب من أجل تحقيق حريتها، كما أنها ترفض كل الحلول الرأسمالية من الأساس، وخصوصاً إذا قامت على أنقاض شعب. لهذا فإن تجاهل هذه الأوليات الماركسية بأي حجة كانت يعني النظر من خارجها وليس وفق منطقها وأسسها، وأساسياتها.
هنا، المسألة تتعلق بالوطن، والماركسية تدعو إلى التحرر الوطني، ولقد لعبت دوراً مهماً خلال القرن العشرين في هذا المجال. وتتعلق بالموقف من الرأسمالية كنمط وكسياسات، والماركسية ليس ممكناً لها أن تكون إلا ضد الرأسمالية وسياساتها. إنها تؤسس النقيض للرأسمالية، وتناضل من أجل تحققه على أنقاضها. وكل الميول "الماركسية" التي تكيفت مع الرأسمالية انتهت كجزء منها، مثل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية. إن أي تخل، ولو مؤقت، عن الصراع ضد الرأسمالية يعني التكيف معها، والتحول إلى صفوفها. هذه هي الخبرة التاريخية على الأقل.
وإذا كان الاتحاد السوفيتي قد قبل بالمعادلة التي نتجت عن الحرب الثانية، ودخل الحرب الباردة على أساسها، فإن الشعوب غير ملزمة بأن تقبل بها، وأن تكرسها كحل "تاريخي" ونهائي. لقد فُرضت على الشعوب نتيجة ضعفها، لكن بعضها قاوم وانتصر، وبعضها عجز عن ذلك، ولازال عاجزاً. وهنا يمكن العودة إلى لمس الفارق، حيث انتصرت الشعوب التي قرر شيوعيوها أن يخوضوا معركة الاستقلال والتحرر، وفشلت الشعوب التي قرر شيوعيوها أن عليهم القبول بتلك المعادلة التي رسمت للعالم. سوى بعض الشعوب التي انتصرت فيها حركات تحرر وطني.
من هذا المنطلق يجب ألا نكرس ما فرضه الاستعمار ورعته الإمبريالية، وبالتالي نسعى لتغيير موازين القوى التي سمحت بتحقيق ذلك. وهنا عادة ما يطرح الموقف من اليهود، لأن القول بإنهاء الدولة الصهيونية يستجرّ بعض اللغط حول الموقف من المستوطنين، وخصوصاً الذين ولدوا في فلسطين. الماركسية هنا تقدم حلاً ديمقراطياً ولا تميل إلى التعامل بالمثل، رغم كل المآسي التي ولّدها الوجود الصهيوني للشعب الفلسطيني، ولمجمل المنطقة. وبالتالي تقرر الانطلاق من حقهم في البقاء في إطار دولة عربية، وانطلاقاً من إعادة الحقوق للشعب الأصلي. أكثر من ذلك يجب أن تطرح إشراكهم في النضال من أجل إنهاء هذه الدولة، وهناك عناصر كثيرة تساعد على ذلك (النظرة الطبقية، والأساس القومي، والأفق الإنساني). وبالتالي فإن المسألة تتعلق بإنهاء دولة هي أداة للرأسمال الإمبريالي، وليس إنهاء البشر الذين يمكن التعايش معهم في إطار صيغة جديدة كما أشرت.
لكن هروباً من هذا النقاش يجري القفز إلى ميزان القوى. هذا ما أشرنا إليه قبلاً، لأن تقرير مبدأ الصراع انطلاقاً من رفض الواقع القائم يفضي ، أو يجب أن يفضي لدى الماركسيين إلى تطوير القوى بما يسمح بتغيير ميزان القوى، والانتصار. وبالتالي يجب النظر ليس لما هو قائم الآن فقط، بل لما يجب أن يكون في المستقبل. وهذا كما أشرت لا يلغي الرؤية الأساسية، ولا يفرض القبول بالواقع القائم. إن اختلال ميزان القوى لا يفرض التنازل عن حقوق، ولا يجعل الخوف من "جبروت" الإمبريالية الضحية يقبل بمصيره.
لقد أوجدت الرأسمالية الدولة الصهيونية في سياق رؤيتها لتحقيق مصالحها في الوطن العربي، وبات علينا أن ننظر لهذه الدولة من منظور صراعنا مع الرأسمالية. لهذا لماذا لم يعد مقبولاً الحديث عن إزالة الدولة الصهيونية؟ إن الصراع مع الإمبريالية يفترض الصراع مع أداتها، وليس من الممكن تحقيق التطور العربي العام دون ذلك. هل تشكلت في أمة خلال هذا الزمن القصير من وجودها؟ لا تتشكل الأمم بهذه الطريقة المصنعة، وليس من الممكن تجاهل أن الأمم تشكلت وفق صيرورة تاريخية طويلة، وفي وضع طبيعي، وليس عبر السيطرة على أرض شعب آخر، وفي الصراع المستمر معه. هذه المسألة تدفعنا إلى القول بأن النظرة التي سادت، ولازالت، لدى الحركة الشيوعية من مسألة الأمة ومن المسألة القومية تحتاج إلى نقد جدي، لأن النزعة الكوزموبوليتية هي التي حكمت هؤلاء تحت مسمى الأممية. وكان سهلاً عليها الإقرار بوجود الأمة وبنفيها وفق التعريف ذاته الذي قال به ستالين. وحين يتشكل تجمع سكاني استيطاني ليس من السهل أن يتحول إلى أمة، خصوصاً أن وجوده قام على نفي شعب آخر، وهو الأمر الذي يفرض استمرار الصراع. وهذه المسألة هي التي تجعل القيادات الصهيونية، والنخبة الحاكمة، تعمل من أجل استمرار التوتر والصراع لكي تضمن اللحمة الضرورية لاستمرار الكيان، حيث دون ذلك يمكن أن يتفكك، ويذوب في المحيط العربي، خصوصاً وأن جزء كبير من هؤلاء هم عرب يدينون بالديانة اليهودية.
في المقابل لا يجوز أن نتجاهل الشعب الأصلي، الذي طرد جزء مهم منه، وبقي الجزء الآخر تحت الاحتلال بشكليه: في الأرض المحتلة سنة 1948 والأرض المحتلة سنة 1967. لقد كان واضحاً رفض هذا الشعب للمصير الذي تعرض له، لهذا دعم الأحزاب القومية التي كانت تطرح مسألة تحرير فلسطين، ولم يدعم مواقف الحزب الشيوعي الذي حوّل اسمه من عصبة التحرر الوطني إلى الحزب الشيوعي الأردني. ثم وقف مع المقاومة الفلسطينية وهمّش الحزب الشيوعي. لم يفعل ذلك نتيجة هوس قومي، أو تعصب وطني، بل من أجل الاستقلال والعودة. وكانت التحولات في الوطن العربي كفيلة بأن تغيّر ميزان القوى، حيث وجدت من الدعم الشعبي الكثير، لكن هنا يجب النظر إلى القوى التي قادت هذه التحولات. والتي مثلت فئات وسطى ريفية في الغالب (ولهذا التحديد معنى فيما يتعلق بالرؤية و"العقل" والمصالح)، التي اتسمت بنزق البرجوازية الصغيرة وميلها إلى قطف الثمار سريعاً. وهو الأمر الذي جعل موجة المد التحرري تنتكس بعد وصول هذه القوى إلى السلطة، وبعد أن امتلكت المقاومة الفلسطينية بعض القوة والدعم.
في هذه الوضعية يمكن أن ندقق، حيث كان يمكن تغيير ميزان القوى. وسبب أن هذه الفئات هي التي تصدرت هو موقف الحركة الشيوعية ذاتها، التي عاندت رؤية الواقع فأصرت على موقفها من الوجود الصهيوني. حيث كان الوحيد الذي يمكنه أن يحقق تغييراً في موازين القوى وفي مجمل الوضع هو دور الشيوعيين (كما في الصين والفيتنام و...ألخ). ونشير هنا إلى أن موقف الشيوعيين كان مشككاً في النظم الجديدة، لكنه سرعان ما التحق بها من موقع ذيلي. وكان رافضاً للمقاومة الفلسطينية، وكان يغدق عليها شتى التهم كما يفعل اليوم مع حماس.
بمعنى أن الأساس الذي يجب التفكير فيه هو لماذا قادت هذه القوى وليس الشيوعيين؟ أشرت إلى الفكرة العامة التي حكمتهم، ولهذا لم يفكروا في تغيير موازين القوى عبر الصراع مع النظم التابعة، كما مع الدولة الصهيونية. رغم أن الوضع الجماهيري كان يسمح بذلك.
عن حماس:
لست معنياً هنا بتكرار موقفي الذي كتبته بعد نجاح حماس في الانتخابات بدعم شعبي كبير. وأشير إلى أنني أدافع عن المقاومة ضد الدولة الصهيونية إنى قام بها، رغم موقفي الواضح من هذه القوى. فالمقاومة هي الرد الطبيعي على الوجود الصهيوني، والوجود الإمبريالي الأميركي كما في العراق، ولا خيار غير ذلك لمن يريد أن يتواشج مع الطبقات الشعبية، ويسعى إلى تحقيق مصالحها. حيث أن الوجود الصهيوني هو السبب الذي يفرض في الواقع نشوء المقاومة، بغض النظر عن مدى نضجها، والسياسات التي تحكم القوى التي تقودها.
لكن أن تصبح هي السبب في المجازر الصهيونية فهذا أمر يحتاج إلى دقة فهم. وهو يشير إلى العجز عن لحظ السبب، وبالتالي تجاهل أبسط مبادئ المنطق. لأن المقاومة هي النتاج الطبيعي لوجود الاحتلال، ليس في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط بل في كل فلسطين. إلا إذا بات المنطق يفرض أن تقبل الضحية بإملاءات جلادها، وهذا وضع يمكن أن يقبله "مثقف" لكن أن يقبله شعب بأكمله فهذا ما لم نلمس أنه تحقق في كل مجرى التاريخ. لقد التزمت حماس بوقف إطلاق النار ستة أشهر لكن الجيش الصهيوني قتل منها العشرات. ولقد حاولت التفاوض من أجل هدنة طويلة رفضتها القيادة الصهيونية. وبالتالي فإن المشكلة ليست في تعنت حماس بل فيما تريد الدولة الصهيونية. حماس تريد التفاوض، وقبلت بدولة على الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن ليس في وارد الدولة الصهيونية قبول ذلك الآن، لأنه ليس من دولة في الضفة وغزة وفق التصور الصهيوني. وهذا ما توضحه تنازلات أبو مازن، واستمراره في مفاوضات يقول هو أنها لن تفضي إلى شيء، وأنها عبثية. وهو ما يوضح بأن كل السياسة التي اتبعتها منظمة التحرير الفلسطينية وكل الفصائل فيها طيلة أكثر من ثلاثين سنة كان تقوم على خطأ كبير، يتعلق بفهم وضع الدولة الصهيونية وطبيعتها وموقعها في المشروع الإمبريالي.
ونتيجة فشل هذه السياسة، التي ظلت تحكم كل المنظمات الفلسطينية تحولت حماس من هامش منبوذ إلى قوة أولى. حيث لعبت بالشعارات فأكدت على المقاومة المسلحة (التي كانت من مناج حركة فتح وباقي المنظمات قبل ذلك)، وعلى "غزالة دولة إسرائيل"، طبعاً وفق تحليلي لخدمة هدف "عقائدي أصولي". لكن هذين الشعارين هما ما يحس بهما الشعب الفلسطيني، ويعبرا عن مطامحه. وهو الأمر الذي جعله ينتخب حماس في انتخابات ديمقراطية (يرفض نتائجها كل الذين يدعون الدفاع عن الديمقراطية). وبالتالي فإن كشف سياسات حماس لا تكون في كيل التهم لها، وتوهم تبعيتها لإيران (رغم أن أصوليتها تمنعها من ذلك، لأنها تمتلك وعياً وهابياً كذلك). بل تكون عبر موقف صحيح من الصراع ضد الدولة الصهيونية يتلمس واقع الشعب الفلسطيني. حينها سوف تتهمش حماس وتضمحل. وهنا يجب أن يكون واضحاً بأن المقاومة هي شكل النضال الذي لا يرى الشعب غيره في الوضع الذي هو فيه. وإذا كانت القوى التي تمارسه أصولية أو لا تتبع سياسة صحيحة فإن الأولى ليس رفض المقاومة بل إتباع طريق المقاومة من قبل اليسار الماركسي، ووفق سياسات أكثر صحة. إن المقاومة هي النتاج الطبيعي لوجود الدولة الصهيونية، هذا أساس يضل من لا يتمسك به، كما حدث مع كل منظمة التحرير الفلسطينية، ومع منظماتها فرادى.
وبالتالي فبدل كيل كل هذه التهم، وكل سيل الهجوم على حماس والمقاومة، يجب أن نعبّر نحن الشيوعيين عن واقع الشعب، وعن مطامحه. حينها لن نحتاج إلى كل هذا السيل من المقالات ضد حماس. المسألة تتحدد إذن، في الموقف من القضية الفلسطينية، بعد ذلك يمكن أن يتقبل الشعب كل النقد والهجوم على حماس وفتح والحركة القومية. أما ونحن نكرر ما يعمم في سياق أيديولوجيا الليبرالية الجديدة، وفي أفق سياساتها، فلسوف نتهمش أكثر، ونبعد إلى منافٍ أبعد.
الصديق د. كاظم حبيب، آسف على طول الرد، وآسف على النقد، كما على ربط موقفك من قضية مباشرة بتاريخ طويل يتعلق بسياسات الحركة الشيوعية في الوطن العربي، لكن أظن أن "الظروف الواقعية، و"العقلانية" تفترضان التوقف ملياً أمام تجربة الحركة الشيوعية لمناقشة أسباب فشلها، وتحولها إلى ذيل لقوى باتت تصب جام غضبها عليها لأنها طردتها. وميل الطبقات الشعبية إلى الالتفاف وراء قوى تقول عنها أنها أصولية وقومية يمينية متطرفة. ويكر آخرون أنها شوفينية ومتعصبة. الأولى السؤال لماذا هذه هي التي تتصدر، ولماذا لم يفكر الشيوعيون في أزماتهم، وتناقضهم مع مصالح العمال والفلاحين الفقراء، هذه الطبقات التي هي مرتكزهم كما يجري الافتراض؟
لقد أوضحت سوء فهم الماركسية، كما سوء تحديد الدور والمراهنة على تطور مستحيل لأنه لا يمتلك الطبقة التي تحمله. وأيضاً المواقف الخاطئة من فلسطين إلى الموقف من التطور في الوطن العربي. هذه كلها هي سبب تصدر تلك القوى، وفي الوقت ذاته فشل مشاريعها.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد
.. Socialism 2024 rally
.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة
.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا
.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط