الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوباما وشعب التحولات

محمد القاهري

2009 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


يصدق القول على شعب الولايات المتحدة انه شعب التحولات الكبرى في القرنين الاخيرين من الرأسمالية. فماعدا الثورة الصناعية الاولى التي ظهرت في انجلترا في النصف الثاني من القرن الـ18، بادر الامريكيون الى/او شاركوا في الثورات الصناعية-التكنولوجية اللاحقة، من سكك الحديد، والاتصال (الراديو والهاتف)، والطاقة (الكهرباء وتطوير صناعة النفط) في النصف الثاني من القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، الى ثورة النقل (السيارات والطائرات) ثم السلع المنزلية المعمرة في منتصف القرن العشرين وريادة الفضاء وثورة الحاسوب، وانتهاءً بثورة المعلومات والاتصال والـ"جيني جينيتيك" التي نعيشها الآن.
ولم تقتصر التحولات علي الميدانين التكنولوجي والاقتصادي بل امتدت الى ميادين تنظيم المجتمع في الولايات المتحدة، ومن ذلك مبادرة تحرير العبيد في النصف الثاني من القرن الـ19، وسياسة الـ New Deal التي اخرجت الوضع من كساد نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن الـ20.
لا ترجع هذه التحولات الى ان شعب الولايات المتحدة اكثر ذكاء او اكثر حظاً من غيره من الشعوب، وانما الى ان نظامه الاقتصادي والسياسي يوفر حوافز تعطي في نهاية المطاف لكل مجتهد نصيب وهي التي تدفع الناس الى تفجير طاقات التطور الكامنة. فعملية التطور ترتكز فعلاً وبالدرجة الاولى على تفجير الطاقات الكامنة للمجتمع وليس الطاقات الظاهرة التي قد تبدو شحيحة. وبصورة عملية يتيح نظام USA مجالا من الحرية والحماية والقدرة هو الذي يدفع الافراد والشركات الى التجريب والمجازفة للخروج باختراعات وتجديدات تكنولوجية وتنظيمية تغدو العمود الفقرى للتحولات الكبرى علي صعد الاقتصاد والمجتمع وحتى العلاقات الدولية.
وهناك مايفترض حدوث تحول كبير مع وصول باراك اوباما الى السلطة. اذ تجدر الاشارة الى ان التحولات في المجالين الاقتصادي والتكنولوجي تنجح كقاعدة عامة ولكنها تصل من حين لآخر الى طريق مسدود. والنظرية الاقتصادية تفسر ذلك بان فعالية نظام السوق مسألة نسبية وليست مطلقة وعندما يفشل السوق يحتاج الى الدولة وقوى المجتمع الاخرى كي تنقذه، ونعيش هذه الحالة الآن مع انفجار الازمة المالية التي استدعت تدخل الدولة لانقاذ الوضع.
اما لماذا نربط التحول باوباما وليس ببوش او مكاين فيرجع الى اختلاف النظر الى تفجير الطاقات الكامنة، وهي نظرة ايديولوجية في الاساس. فاليمين الذي مثله بوش لم ينفك يردد ان الطاقات تتفجر من تلقاء نفسها طالما وتوفر للافراد والموسسات شرط الحرية والحماية. وهذا موقف صحيح في جانب وينطوي على مغالطة في اكثر الجوانب المتبقية. ذلك ان الاقوياء فقط في المجتمع هم من يستغلون ميزة الحرية لتفجير الطاقات، وهاؤلاء قلة، بينما الكثرة بحاجة الى تمكين ما لتفجيرطاقاتهم. من هنا أتت نبوءة اوباما: Yes we can. وسيرتكز التمكين الذي قد يوفره اوباما للغالبية الضعيفة على دور للدولة، وبالضبط على سياسات انفاق تعطي الأولوية للجوانب لاجتماعية وحماية البيئة.
قد ينجح اوباما وان جزئياً. ووصوله الى السلطة بحد ذاته قد مثل نجاحاً. ونجاحه الاضافي سيعتمد علي جودة المستشارين الذين سيحيطون به وعلى درجة مقاومة اليمين التقليدي للتحول، اذا كانت تلك المقاومة ضعيفة. وترتبط شروط النجاح الباقية بشخصية اوباما نفسه. فهو يكشف عن مخزون كبير من التصورات سيستطيع بموجبه اقتراح وادارة سياسات عديدة ومتشابكة لتلقى تأييداً كافياً من الغالبية التى انتخبته.
وقد بدا بموجب ذلك المخزون مثقفاِ تقدمياِ مندمجا بالجماهير، ومتحدثاً آسراً يرتجل خطابات طويله ويقول فيها اشياء مفيدة ومشوقه، وبلغة مفصلة وسلسة منطقياً بل وبايقاع موسيقي بديع، حتى ليود المستمع ان لا ينهي خطبه. وان مايثير حسرة الواحد منا ان لايفرق رئيس بلاده بعد بين لم ولن رغم تعتقه في السلطة وكثر المستشارين المحيطين به.
خلاصته، اوباما هدية من الله تكافئ الافارقة من بناة امريكا الاوائل. وبالنسبة للعرب، فقد يودون الاستفادة المباشرة من اوباما مثل وقف الاجتياح العسكري لغزة وذلك امر مستبعد فحتى قيادات العرب انفسهم لم تقم به الا في التلفزيون. لكن بوسع العرب الاستفادة بصورة غي مباشرة من التحولات التي يصنعها النظام الامريكي مثل استخدامهم الآن لانترنت وللاختراعات المختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا