الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديقي يعيش في العراق وأنا لا

ماجد فيادي

2009 / 1 / 17
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


منذ بدأت الهجرة السياسية من العراق, بسبب قمع السلطة, أصبح العراقيون يعيشون ازدواجية في الحياة, بين تواجد على ارض غريبة كحالة فسيولوجية وتواجد على ارض الوطن كحالة وجدانية إنسانية وطنية. في ظل الدكتاتورية كان العراق محتجزاًَ عن العالم, منقطعاًَ عن التكنولوجيا, ممنوعاًَ من وسائل التواصل والاتصال, كانت المعارضة العراقية تعاني سبل تواصل أفكارها وطموحاتها وأعمالها مع العراقيين. بعد السقوط وانفتاح العراق على العالم إعلاميا وتكنولوجيا, من فضائيات متنوعة وارتباط بشبكة الانترنيت واستخدام الموبايل, صار ظاهراًَ للعيان أن التواصل بين العراق والعالم أفضل وأكثر تأثيرا, هذا الاعتقاد انتشر بين العراقيين المهجرين والمهاجرين, لأنهم يعون جيدا مدى الاستفادة من هذه الوسائل, لما لها من تأثير كبير على المجتمعات المقيمين فيها, لكن الحقيقة تختلف كثيرا عن هذا الاعتقاد, والأسباب كثيرة منها انقطاع التيار الكهربائي المستمر, ضعف إمكانية اغلب العراقيين على اقتناء وسائل التواصل لارتفاع تكاليفها, عدم وجود قاعدة تعليمية تنشر الوعي في استخدام التقدم العلمي, تفشي ألامية, تدمير البنى التحتية, غياب الخدمات لمناطق واسعة في العراق.
في اتصال هاتفي مع صديق من بغداد, كنا قد افترقنا منذ عشرة سنوات, صديقي متدين في تصرفاته, محب للحياة, يسعى للرفاهية, يحاول التفكير, ومهندس زراعي, لكنه منكفي فقط عندما تسنح له الفرصة على قراءة الكتب الدينية ذات الطابع تحليلي معين, في حقيقة الحال لست معترضا على ما يقرأ فهي حرية شخصية, أحببت في صديقي كرهه للدكتاتورية, بالرغم من موقفه السلبي وعائلته في اتخاذ أي موقف نضالي تجاهها, غير رفض الانجراف في ركابها, وهذا يحسب له. دار الحديث بيننا على انتخابات المجالس المحلية, وقد بدأت من كونه إنسان يحب الحصول على خدمة جيدة من قبل الدولة أو أي مكان يتواجد فيه, فقلت له هل ستستمر في انتخاب الاحزاب الدينية؟؟؟ بعد كل ما رافقها من تعطيل للدولة بسبب التناحر الطائفي والحزبي وتصدر إدارات غير كفوءة لمهام الوزارات, مستعرضا له الواقع الإنساني في البصرة والناصرية والديوانية والعمارة والحلة والنجف وكربلاء, هنا تلقف الحديث مني مجيباًَ, أنت لا تعيش في العراق وتجهل ما يدور هنا, فالبناء في كربلاء والنجف لا يصدق والاهتمام بالمراقد الدينية لا يقارن بقصف الدكتاتورية لها أيام الانتفاضة الشعبانية, وان تعطل تقديم الخدمات سببه الدور المعرقل للبعثيين والقاعدة في تخريب البنى التحتية, وما يشاع من أخبار إنما هو دعاية صدامية وعربية لتشويه الحقيقة, فالأحزاب الحاكمة لم تحصل على الفرصة لتقديم ما عندها من خدمات, قاطعته وأنا اعلم أنه لا ينتمي لأي حزب, فقلت له, أن البناء ليس تعمير المراقد الدينية أو بناء مطار في النجف ومد الشوارع الى كربلاء وربط الحياة كلها بالتفكير الديني, فهذه الأمور موسمية ولا تقدم فرص العمل لكل العراقيين, العراق ليس كربلاء والنجف, انظر واقع البصرة والديوانية والناصرية وبغداد والرمادي وديالى وباقي المدن العراقية, يقاطعني أن ديالى والرمادي والموصل قد خربتها القاعدة والبعثيين, قلت وماذا عن الكهرباء والماء الصافي, يقول الكهرباء جيد بمساعدة المولدات الخاصة, كما أن الكهرباء تعرضت للتدمير بسبب الارهابيين, قلت ولماذا وزير الكهرباء يتهم ووزارة النفط في عدم تخصيص ما يكفي لها من وقود, والبرلمان لم يوافق على عقود مع شركات لبناء محطات جديدة لأيام قريبة, يقول أن الأمريكان يريدون هذه العقود لهم دون غيرهم, وهم من يعرقل العقود, سألته عن وزارة التربية والتعليم لماذا أعادة ميزانيتها ولم تبني المدارس الجديدة أو تعمر القديمة, يقول أن وزير التربية والتعليم أعاد الأموال لأنه لم يرغب في إعطائها الى كوادر فاسدة فتسرق أموال الشعب, سألته لماذا قتال المليشيات الحزبية على مكاسب سياسية واقتصادية ضيقة, يقول أطراف بعثية تسللت داخل الاحزاب الإسلامية أدت الى هذه المعارك.
بقينا في حلقة مفرغة من النقاش العقيم, وفي النهاية سألته كيف تقضي يومك, قال أنه يذهب الى العمل ويعود للبيت ولا يخرج, مستخدما الانترنيت للتواصل مع أخيه في المانيا وعدد من الأصدقاء في دول أخرى, سألته هل تقرأ مواقع عراقية وتتابع فضائيات مثل الفيحاء وما تقدمه من تقارير لمحافظات العراق وواقع الفقر؟؟؟ يجيب أن من يدعي قلة العمل فهو لا يريد العمل, ولو أخذنا حال الحمالين في عكد النصارى في بغداد (حيث يمتلك محل لبيع الأجهزة الكهربائية) تجدهم يتوقفون عن العمل الساعة الثانية عشر ظهرا لأنهم يكتفون بأربعين أو خمسين ألف دينار يوميا, فهل تسمي هذا قلة في فرص العمل؟؟؟
هنا علمت أن صديقي لا يعيش في العراق, فهو غير معني بأمراض السرطانات والكوليرا والنقص الشديد للكهرباء وشحت الماء الصافي وأزمات توفير الوقود وقلة فرص العمل وكل الفساد الاداري في الوزارات وضعف أداء العديد من وزراء الحكومة العراقية وكل مشاكل البرلمان وخدمات تعليم متخلفة عن العالم والتزوير في نتائج الانتخابات, فقلت له لماذا تنتقد المستفيدين من نظام البعث عندما يدافعون عنه؟؟؟ أنت اليوم متضرر من المحاصصة الحزبية والقومية وتحصل على خدمات دون المستوى, في نفس الوقت تدافع بطريقة عمياء عن أحزاب صوت لها, وتطالب الاحزاب التي عارضت الدكتاتور في السابق أن تتفق ضد البعثيين, لكن الحقيقة أن هذه الاحزاب لها من الأخطاء ما يجعل الناس ذوي المستوى الثقافي المحدود يعيدون النظر في التصويت لهم, ولعل انسحاب المرجعية الدينية عن دعم طرف دون آخر دليل كافي لتعيد مواقفك الانتخابية.

يقول صديقي أنني لا أعيش في العراق.

الحقيقة ابعد من هذا, فهي تكمن عندما تتواجد في مكان لا تعيش فيه.

فقط المتضررين من سياسة الاحزاب المتنفذة في مجالس المحافظات العراقية, سيصوتون هذه المرة لمصالحهم, دون النظر الى أفكار لا تخدم بل تضر مثل الطائفية, ويجب أن يظهر مفهوم جديد إن لم يكن اليوم فغدا, عندما يرتفع المستوى المعرفي والثقافي فيفضل البرنامج الانتخابي على كل الأفكار المخادعة والمضللة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون