الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة -المعصوبة العينين-

سعيدي المولودي

2009 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


غزة ( المعصوبة العينين)


غربة جديدة تبدأ طوافها ويدخل جحيمها الإنسان الفلسطيني محمولا على تاريخه وحيدا أعزل في وضح نهار هذه الأزمنة الرديئة التي لا تنبت غير الأراذل من الرجال والأنظمة وأشباه الرجال والأنظمة. يهبط الجرح إلى قاماته المفتوحة على اليباب والحطام القادم من كل الجهات، كأن الأمر معد سلفا: ينام أطفال العالم باكرا، ليجد الرصاص الإسرائيلي فرصته لإبادة أطفال فلسطين المشرعين لريح الرغبات المجنونة لسفك الدماء، واستباحةوداعتهم من ساعات الفجر لا متداد النهار. تنام شعوب العالم المحاصرة بإرادة القهر كي يكون شعب فلسطين الطريق للموت، وتنام الأنظمة تكريما لصاعقة العدوان، ينام الجميع ليتقدم الإعصار وتسرح الطائرات الخرقاء في مرمى غزة النسيان وتغلق أبوابها على الموت الحزين، وحين يشرق الصباح من هول العاصفة يشارك الجميع إسرائيل البريئة متعة الدم الفلسطيني الذي يشق لون الظهيرة ويبدأ في الاحتراق.
لا شيء غير الموت، وغزة تزداد اتساعا، والمرايا الصدئة تتحطم الواحدة تلو الأخرى، والأنظمة ترتب أمر العيش بمفردها، والقتل يغوص في تجاعيد شتاء المدينة، ويأخذ يدها لوخز النهايات، حيث المعابر مغلقة على ذاتها، تغادرها الحقائب لحيث تذبل الأعالي وتمضي القسوة أبعد من السماء، ويبقى الفلسطيني في الغابة وحيدا يصرخ في وجه الدمار.لتمت كل ظلال الأشجار، وحشود النساء العائدات من تعب الجنازات، والوجوه الشريدة، أكداسا أكداسا، فلن يذرف الدمعة أحد.
ها هي شهوة الدم تنهض من رمادها لتكتب سيرة الرعب في تلال غزة العارية، وهي تسند رأسها للغبار، وتسلم جسدها للموت والألم النازف. غزة اليوم وغدا شبيهة الدماء مثخنة بالجراح وسيول الآهات التي تتصاعد من لهفتها ومن أمواج البراءة التي تقطر من عيون أطفالها المكتوفي الأحلام المهددين بنزيف الشوارع المفتوحة على منتهى الدمار.. كل الدم يلتف بالدم، وكل الوطن يفترش الرصاص الوابل ويتوغل في هوادة المحرقة، وكل فلسطين تكتب أشجارها كي لا تتعثر في مرعاها، ورايات الرعب ترفرف بعيدا أو قريبا من مقبض اليد، تزرع نشوة القتل الصماء، وتقود الأشلاء لظلمة العالم. العالم الذي يخبئ وجهه في جوقة الخذلان.
ما بال هذا العالم يمشي في طوق صمته، يقف جامدا على صارية النبع، لا أحد فيه يوقظ الشمس، ولا يد تستعطف لوعة الماء، ولا صوت يعلو طوال المدينة، ليقول لجفوة الأحجار: أنا أكره الحرب. من يكون هذا العالم، الحائط المخمور المخيط بأهواء الصمت ولا يهرب من خوائه المزين بأرواح العابرين لطريق الموت الدافق والحداد الدائم، وكيف تغويه رعشة الدماء لهذه الرجة من الكبرياء. أليس بمقدوره مرة أن ينهر المتاهة دفاعا عن نقطة عبور إلى غيمة حزينة تتراقص فوق سماء من فلسطين تحترق وحدها عارية ويتناثر دمها الرقراق في أودية الخراب المدبر ويقول: (أنا لكم قبل أن أكون لنفسي).
كبر القتل،وظل الطريق واحدا، الصمت هو الملجأ الوحيد، الموت هو المفر الوحيد، الصمت هو القرار الوحيد. والأرض تشبه الدم، والدم شبيه الأرض، والموت يغطي كل شيء بأسمائه، ووصل الكيل والسيل الزبى الآتي، وعم كل هذه القمامات العربية المطردة المصطفة على يسار النفط ويمينه، أمامه وخلفه، النفط الرصيف الأجوف المجبول على رعاية الهزائم الملفوفة بعناية الدمار،يستدير الغرباء وتبسط الرياح يديها في العواصم الغائصة في الوحل، ولا أحد يتروى أن يرى بوضوح ما يحدث على أبواب غزة "المعصوبة العينين"، يقول لها الطغاة: قاومي على هواك، حتى ينجلي الظلام، أما نحن فليس لدينا ماء نطفيء به قسوة الحروب.
كأن التاريخ يعيد نفسه، ففي العهد القديم قال شمشون: "لتمت نفسي مع الفلسطينيين"،فأغرقهم في وطأة الدماء، واليوم يجلس "بوش" في مزرعته محدقا في فراغ الرهبة يسخر من الدماء، ويستعيد الفضائل القديمة، ويقول: ليمت كل الفلسطينيين وعلى هذه الأرض جنازة السلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |