الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطفالُ للموت ... بيوتُ للخراب

أماني أبو رحمة

2009 / 1 / 18
الارهاب, الحرب والسلام


غزة صباح اليوم الثاني والعشرين من الرصاص المسكوب.
في غزة يتحكم الموت بالحياة, ويسيطر الماضي على المستقبل.

الأرواح -التي تخلصت من عبء الحياة , من الذُعر والفرح , من الدهشة والرتابة - تحلق فوق رؤوس الأحياء , تجاورهم في الطرقات والأزقة, تتجمع معهم في الساحات ,تتمدد على الأسرة, تتشعبط فوق الخزانات والرفوف ,تنتظر قرب النوافذ, تزيح أكاليل الشوك عن الدروب, تتفقد الأحبة اللذين غادرتهم قبل اكتمال الحلم, تمسح الغبار عن صور أجسادها المعلقة في صدر البيوت .
فلا تعجبن إذاً ؛إذا ما حدثك أهل غزة- بحرارة الواثق- عن أمور من قبيل المعجزات, عن صور شهداء لا يعلوها الغبار, وعن قناني مياه بجوار أسرتهم لم يأسن ماؤها مذ غادروا, وعن أصص أزهار على شرفات نوافذهم لا تذبل .

لا فرق بين الأحياء والأموات في غزة إلا في كثافة الجسد .
يتحدث الناس في غزة عن الموت بأُلفة غريبة. يعالجون تكاليف الحياة اليومية برتابة تخلو من الدهشة والحماسة. لا يذكرون المستقبل إلا نادرا وبتوجس موحش.
ُيشّيدون بيوتا للهدم ,وينجبون أطفالا للموت. يفرحون ليقدموا أفراحهم هدايا للحزن.
يعيشون الماضي في الحاضر. يتحدثون بلا ملل عن أحبتهم اللذين غادروهم شنقاً, أو ذبحاً, أو قصفاً ,أو حرقا,ً أو بالسم .. فنادرا ما يموت الناس في غزة ميتة طبيعية كبقية البشر.

تحدثك أم -وهي تتحسس القلب المثخن بالشوق كي لا يهوي- عن ابنتها الصبية التي كانت تجهزها للعرس فعاجلتها قذيفة مدفعية وهي في طريقها للبيت فقصفت الحلم.
وأم تعتصر ثدييها كل مساء ,وتتذكر الشفتين الورديتين على قبة الحلمة ,حين انتزعت غربان سوداء طفلها البكر.
"لم يكمل شهره السادس" تقول بذهول..
لم تفطمه, لم ترتوي من بحر عينه, ولم يرتوي من نهر صدرها .
كان أجمل من سطح بحيرة غادرها لتوه المطر.
كان أجمل من حلم.
نثر الورد على درج البيت واختفى في غمزة عين.

ويحدثك رجل: عن ابنه الذي أوقف عليه أغنياته, وممتلكات الحنين, فقصفت ارتال من الدبابات عمره, ورحل كضيف خفيف طري .لم يكن مستعداً حين غادره لصفعته الماحقة فنذر حياته للبؤس والذكرى.
فيما تصمت عاشقات خجولات غَادرهُن الحبيب قبل أن ينتهي الخيال من لعبته المحمومة.

الوجوه في غزة سمراء, كالحة باردة.
تغوص ملامحها في ماضٍ سحيق, وتذوي ابتساماتها قبل أن تعتلي الشفاه اليابسة.
عيون منطفئة, تحرس يقظتها دبابيس مدببة ,تحرمها لذة الكرى فلا نوم ولا سلوى.
آهات الضلوع تتفجر في المدى, والحزن المتربص يقضم تفاح القلوب .

اسأله : مُرّة يا صديقي
فيجيب : مُرّة مُرّة.

أماني أبو رحمة
غزة،
17/1/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا تعليق
ابراهيم البهرزي ( 2009 / 1 / 17 - 19:47 )
سيدتي العظيمة
اي تعليق يضيف مقدار ذرة لهذا الصدق المؤلم
اعذري ذلنا
ابراهيم


2 - أماني وعدت بالمزيد
صائب خليل ( 2009 / 1 / 17 - 22:32 )
إنها بحق رائعة...
لقد وعدتنا أماني أن تحاول أن تجمع ما يقوله الأطفال في غزة عن هذه المجزرة، نرجو لها السلامة وأن تتمكن من الوفاء بوعدها. تحياتي


3 - الهمجية
محمد بوغابة ( 2009 / 1 / 17 - 23:29 )
الوجوه في غزة سمراء, كالحة باردة.
تغوص ملامحها في ماضٍ سحيق, وتذوي ابتساماتها قبل أن تعتلي الشفاه اليابسة.
عيون منطفئة, تحرس يقظتها دبابيس مدببة ,تحرمها لذة الكرى فلا نوم ولا سلوى.
آهات الضلوع تتفجر في المدى, والحزن المتربص يقضم تفاح القلوب .
********************
همجية تساوي هم و مجية
ود و تقدير


4 - فرحة يشوبها الخوف
جمال محمد تقي ( 2009 / 1 / 18 - 00:20 )
تحيتي القلبية لاماني وسلام لها وعليها وعلى كل اهل غزة واصلي الكتابة نفرح لفرحكم ونخاف عليكم من الاتي فاحذروه


5 - نحن صغارك
نديم عادل ( 2009 / 1 / 18 - 00:27 )
اكتبي ....عاتبي....عنفي....ازجري.....وبخي.....
لا تضعفي امام دموعنا.......
اكتبي .... ثم اكتبي ......حتى نبلغ الرشد, ونسترجع ادميتنا, نحن صغارك.....


6 - شكرا يا أماني
sara ( 2009 / 1 / 18 - 00:27 )
لأنك كماوقد و صلتلك رسالتي وكتبت باسمك نرجو ان لا نحرم من كتابتك المبدعة اجعليها رصاصة للصهاينة


7 - هدوء ...وليصمت المتفرجون
قاريء ( 2009 / 1 / 18 - 14:41 )
أماني ...حققتي أمنية لي ...
بقراءة لأهل غزة ...
فنحن نعرف كم هو الفرق بين كتابة المتفرج ...
وكتابة من يعايش الواقع ...

شكرا لك ايتها الرائعة ...
وشكرا للأستاذ الكاتب صائب خليل على تقديمه اياك لنا ...


8 - شكرا
سامي البدرواي ( 2009 / 1 / 18 - 16:12 )
شكرا لك ...يا ذكية

اخر الافلام

.. بلينكن مصمم على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسر


.. شبح الحرب يخيم على جبهة لبنان| #الظهيرة




.. ماهي وضعية النوم الخاصة بك؟| #الصباح


.. غارات إسرائيلية تستهدف كفركلا وميس الجبل جنوب لبنان| #الظهير




.. إسرائيل منعت أكثر من 225 ألف عامل فلسطيني من الوصول لأماكن ع