الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كثير من الظلم... قليل من العدل

مصطفى الكمري

2009 / 1 / 21
حقوق الانسان


بعيد الحرب العالمية الثانية، اجتمع الساسة الإنكليز بمهندس السياسة البريطانية ونستون تشرشل، في وقت عصيب جدا من حياة الامبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس: ملايين القتلى واقتصاد منهك وبنية تحتية مدمرة ومآس اجتماعية وإنسانية أدت لشلل في مفاصل الحياة المدنية. كانوا خائفين من المستقبل، و كانوا يرجون نصح القائد، الذي ألهمهم خلال الحرب حتى حققوا النصر الذي كان يراه بعضهم بعيدا. سألهم بهدوئه المعتاد عن حال قطاع العدل و القضاء في البلاد، فكان أن اتفقوا أنه الشيء الوحيد الذي ما زال صالحا في وطنهم و أن القضاة الانجليز مشهود لهم من العدو قبل الصديق بالكفاءة و النزاهة و نظافة اليد، و أن قضاء بلادهم جهاز مستقل بذاته عن السلطة التنفيذية و أنه سلطة فوق كل السلط. ابتسم تشرشل و نفث دخان سيجاره في الهواء، و قال لهم بيقين: اذا لا تخافوا، فانجلترا بخير.

وصدق تشرشل، فها هي انجلترا اليوم واقفة بشموخ، بعد أن نفضت عن نفسها بسرعة قياسية غبار الدمار و مآسي الحرب. و لم تتخلف عن ركب الدول المتقدمة قيد أنملة. بل ما زالت تمتلك من أسباب الحضارة و الرقي و التقدم الانساني، ما يجعلنا ندرك بكل يقين أنه متى ما ساد القانون، و تساوى الناس فعليا في الحقوق كما الواجبات، و تمتع القضاء بالاستقلال الذي يجعله سلطة قائمة الذات بعيدة عن تأثيرات السياسة و المال و النفوذ، فان كل المشاكل يهون حلها و يصير التقدم و رقي الدول تحصيل حاصل و مسألة بضع سنين فقط.

في المغرب و بعد مرور أزيد 50 سنة على استقلال البلاد، هناك من لا يزال يضع العصا في عجلة عدالة الوطن، حيث يعترف كل الفاعلين سياسيين كانوا ام اقتصاديين ام جمعويين ام مثقفين تزكيهم في ذلك جل الدراسات و التقارير الوطنية و الدولية التي همت قطاع القضاء المغربي، انه قضاء مريض يفتقد للمصداقية و النزاهة، و تنخر مفاصله الرشوة، و انه بعيد كل البعد عن الاستقلالية.

إن تناسل الفضائح في قطاع هو بمثابة القلب بالنسبة لجسد الدولة، و تداول الناس فيما بينهم لحكايات من قبيل القاتل الذي اشترى براءته بضيعة فلاحية، أو الأب الذي اشترى براءة ابنه من تهمة الاغتصاب ببعض الملايين، أو ذاك الذي استولى على ميراث اليتامى برشوة قذرة، أو قصة حسن اليعقوبي، زوج عمة الملك محمد السادس، و الذي أطلق النار على شرطي المرور هشام محب دون أن تحرك في حقه المساطر القانونية اللازم اتباعها في هكذا ظروف، أو قصة ابن والي كلميم الذي كان قتل مواطنا بريئا و فر من عناصر الشرطة و هو يقود سيارته سكرانا، ليخرج في الأخير من القضية كالشعرة من العجين، بعد أن قدم محاموه شواهد تتثبت مرضه النفسي... تجعل الحديث عن دولة الحق و القانون مجرد ضحك على الذقون.

لقد حرم الله الظلم على نفسه و أمر الناس أن لا يتظالموا، و أوصى الحاكمين بينهم أن يحكموا بالعدل، لعلمه الذي يحيط كل شيء، أنه أساس الملك. فلا تقوم قائمة الدولة، ولا يعم الرخاء أبناءها ولا تنعم جهاتها و أقاليمها بالأمن و الأمان في وقت يسود فيه الظلم و يصبح فيه القانون سلعة معروضة للبيع في المزاد العلني لا يستطيع شراءها إلا الأغنياء و النافذون.

كثير من المستثمرين يمتنعون عن المغامرة بأموالهم في بلدنا لمعرفتهم المسبقة بعدم نزاهة قضاءنا، و كثير من المغاربة من أطر و مثقفين و شباب يهاجرون لعدم إحساسهم بالطمأنينة ويبحثون في الخارج عن العدالة التي يفتقدونها في وطنهم، و كثير من المجرمين و الإرهابيين ما كانوا لينحرفوا عن الطريق لولا ظلم أو حكم جائر لحقهم أو طال أحد أحبائهم... فليس كل من فقد عدل الدولة ينتظر عدل السماء، بل هناك من يبحث عنه بنفسه، و عندها فصفوف الارهابيين تستقبله بالأحضان، و النتيجة: انفجار يتبعه انفجار يتبعه انفجار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية