الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيماء عزيز .. بالأسود ترسم أجسادها وبه تخفيها

يوسف ليمود

2009 / 1 / 19
الادب والفن


بإحدى وعشرين لوحة، أجسادُ حبرٍ عارية على ورق مقوى 100 x 70 سم، تَرى الفنانة المصرية الشابة شيماء عزيز بيروت، وتُريها أعمالها للمرة الثانية، بعد أن زارتها ورسمتها أول مرة في سمبوزيوم إهدن 2004. "نساء بالأسود" هو عنوان المعرض. يقام في "زيكو هاوس" من 13 إلى 25 يناير.

في زيارة، قبل عام، لمرسم الفنانة في قلب القاهرة الصاخبة، رأيت معظم هذه الأعمال، وبعضها كان لا يزال مبلولا، أدركت أنني أمام موهبة خاصة تعوم ضد التيارين الفني والاجتماعي. القاهرة التي أصبحت محجّبة قاسية بل وعنيفة، ليس سهلا على فتاة قادمة من الجنوب ترفض الحجاب أن تتحرك فيها بسهولة وهي لا تملك سوى لغة الشكل وحفنة من الأكاسيد وسيلتها في التعبير وخلق عالم بديل. رسامة متشبثة بمواد الرسم الأولية (تصنع ألوانها بنفسها)، أي متشبثة بجسد الرسم، جسد الأشياء، لا بد أن يقودها غياب جسد جنسها من حولها، عبر التحجب، إلى التعامل مع تناقض الواقع هذا بنوع من تناقض فني، بين الفكرة التي تشغلها وبين النتيجة التي تتحقق في عملها:
الفكرة تقول بغياب الجسد الأنثوي تحت خيمة من الهدوم، والناتج الفني أجساد أنثوية عارية يحاول الحبر محو ملامحها فيؤكدها كحضور معتم، ثقيل وخفيف في الوقت ذاته.

الأسود تلويث، أي إثبات وجود، بينما الأبيض محو، أو هو عدم. لذلك وجد رسّام الزن في الحبر مادته الأقرب ليقول "هنا والآن". ليقول العالم. فالحبر، كمادة، لا يمكن تصحيح الخطأ فيه. لهذا يجب على رسام الزن أن يتمرن طوال حياته للتحكم في ريشته، أي التحكم في كل لحظات حياته، بمعنى ما. ليس القصد هنا مقارنة رسومات هذه الفنانة برسومات أهل الزن، لكن يمكن أن نجد في رسومها بعض شعيراتٍ نحسبها منسولة من فرشاة رسام الزن: هي ترسم شخوصها بالحبر المخفف والماء، مباشرة دون تخطيط سابق. هذه الفجائية في التعامل مع السطح، وسرعة التصرف في احتواء المصادفة وإرغامها لتكون جزءا حيويا من العمل، وقبل هذا سيطرتها على النِسب غير الملتزمة الواقع، بتحريفاتها، وخلق توازنات تناسبية بين هذه التحريفات، والحساسية الحاضرة في التعامل مع الخط والمساحة وإيماءة الجسد، هذا كلّه يهب رسمها حسا يمكن أن نسميه "هنا والآن الخاصة بصاحبتها"، وليس "هنا والآن" في مطلقها، والتي هي هدف فنان الزن وتوقه الأخير.

أجساد شيماء عزيز تقف وتتحرك في الهواء، عارية، وحيدة، صامتة، تتكئ على لا شيء، ساكنة، منطوية على ديناميكية داخلية، رغم وقفاتها الإغريقية التي يمكن أن تذكّر بروح الرسم الأكاديمي. ببقايا ملامح هللينية، أي غائرة في مصريتها، كوجوه الفيوم، تعوم في مائها الخاص وحبرِها الذي يعكس صورة الرسامة ذاتها، بحسها الفني المتشبث بكينونته وهدوئه وبساطته، وسط عالم هلامي صاخب ومعقد.

يوسف ليمود
النهار اللبنانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا