الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مآزق المعتدلين العرب

محمد سيد رصاص

2009 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تشكَلت حالة الاعتدال عند العرب،منذ هزيمة 5حزيران1967،من خلال معبر اسمه الموضوع الإسرائيلي،وعملياً فقد كان القبول ب(القرار242) 22تشرين الثاني1967ثم ب(مبادرة روجرز)التي وافق عليها أيضاً الرئيس عبد الناصر بخطابه يوم23تموز1970ماأوقف حرب الاستنزاف يوم2آب التالي،مؤدياً إلى الفرز والاصطفاف،على أساس الموقف منهما،بين معتدلين ومتشددينأو متطرفين،ليشمل معسكر الأخيرين كل قوى المقاومة الفلسطينية وسلطتا البعث في بغداد ودمشق،كما أن الإصطفافات في دوائر بعض الأنظمة قد كان على أساس الموقف من (القرار242)،كما حصل في حزب البعث الحاكم بدمشق حتى جاءت حركة 16تشرين الثاني1970،بقيادة الفريق حافظ الأسد،لتبعد اللواء صلاح جديد الذي وجد نفسه،في شهري آب وأيلول1970، في خصام مع عبد الناصر والسوفييت والأميركان والسعودية والأردن وخاصة لما حاول التدخل العسكري في الأردن لصالح المقاومة الفلسطينية الداخلة في صدام مسلح عنيف مع الملك حسين.
هنا،كان اعتدال الرئيس عبد الناصر في موضوع الحل السلمي،وفقاً للقرار242،لا يتشابه مع ما فعله الرئيس السادات بعد حرب1973انطلاقاً من مقولتيه بأن"هذه الحرب هي آخر الحروب مع إسرائيل" وأن "99% من أوراق الحل بيد أمريكا"،بل كان يؤمن بأن"السلم"و"التسوية"يمران عبر طريق السلاح والتوازنات الفعلية على الأرض،لا عبر العواطف والمبادرات الرامية إلى"كسر الحاجز النفسي"كما تصوَر الرئيس السادات عبر زيارته لإسرائيل يوم19تشرين الثاني1977،ليُصدم في أيلول العام التالي أثناء مفاوضات كامب دافيد بذهنية سياسية إسرائيلية (لما حاول تذكير محاوره رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن بأنه قدَم عبر مبادرته"ما لم تحلم به إسرائيل طوال ثلاثين عاماً")لا تعترف إلابتوازنات الوقائع الفعلية على الأرض من خلال رد بيغن عليه بأنه في السياسة"الورقة تفقد قيمتها بعد وضعها على الطاولة".
تكرر هذا مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في يوم توقيع اتفاقية أوسلو13أيلول1993بحديقة البيت الأبيض لما مدَ ابن القدس يده مبادراً( بعد التوقيع ) لمصافحة إسحق رابين ابن المهاجرين اليهود من بولندا إلى فلسطين وأحجم هذا الأخير أمام عدسات الكاميرات،في مشهد رمزي يشي عملياً بما تم في المفاوضات التي جرت بمنزل منعزل من ضواحي أوسلو،لما قدَم الفلسطيني الكثير مقابل وعود بمفاوضات حول"مواضيع الحل النهائي" ،ما يشبه شراء السمك وهو في البحر،حتى قام شارونالذي ردَ في اليوم التالي على مبادرة قمة بيروت العربية للسلام عام2002 باجتياح الضفة الغربيةبعد عقد من الزمان من ذلك بتدمير كل نتائج (أوسلو)بما فيها كل مؤسسات"السلطة الفلسطينية"بعد أن فكَر عرفات،عبر( الانتفاضة الثانية )الآتية إثر شهرين من فشل مفاوضات كامب دافيد الثلاثية بين كلينتون وباراك وعرفات بتموز2000،بالمزاوجة بين ( العنف ) و( السياسة )،كما كان يفعل بن غوريون بالأربعينيات قبل 15أيار1948ضد العرب،مستخدماً منظمة( الهاجانا )بشكل مباشر،ومنظمتي( الإرغون ) و ( شترن ) ضد العرب والبريطانيين بطريقة غير مباشرة.
ربما كانت تلك الثنائية بين السلاح وغصن الزيتون، والتي أشار إليها عرفات بخطابه في الأمم المتحدة عام 1974،هي طريق كل حركة سياسية تسعى إلى بناء دولة أو استعادة كيان أو أرض ،كما حصل في فيتنام والجزائر،إلا أن( أوسلو )لا تقود إلى ذلك،وإن تمَ هذا تحت خيمتها فهو محكوم عليه بالفشل والخسران،كما كان مصير( الانتفاضة الثانية )،لينقسم العمل الفلسطيني،بعد وفاة الزعيم ياسر عرفات،إلى ثنائية لا تلتقي تعبِر عن انفصال هذين الحدَين،بين ذهنية سياسية تشبه تلك التي كانت عند الرئيس السادات لدى "السلطة الفلسطينية"،وبين قوة عنفية عند(حماس)لا تملك ذهناً سياسياً موازناً أو قادراً على تثمير العنف أو السلاح.
في هذا الإطار ،دخل (الموضوع الأميركي)كعامل محدِد ل ( الاعتدال) و( التطرف ) منذ سقوط بغداد في يوم9نيسان2003،وتداخل مع(الموضوع الإسرائيلي)،وخاصة بعد مرحلة انتقالية كان فيها التحالف الأميركي- الإيراني قائماً في مرحلتي غزو واحتلال العراق حتى انفكَ تحالفهما في شهر آب2005 مع استئناف طهران لبرنامج التخصيب النووي،ليصبح المشهد مكتملاً،وخاصة منذ حرب تموز2006 ، باصطفافاته واستقطاباته، التي شملت عموم المنطقة من طهران إلى القاهرة ، بين( معتدلين ) يؤيدون أو يتلاقون أو يقبلون الوجود الأميركي بالعراق وأجندات تعلنها واشنطن للمنطقة أو سياسات ترسمها ضد أنظمة إقليمية معينة وأحزاب وقوى مسلحة متحالفة مع تلك الأنظمة،وبين (متطرفين) يمكن تسميتهم ( مقاومين ) أو ( ممانعين ) يرون أنفسهم في اصطفافات تمتد على مساحة إقليم الشرق الأوسط ضد الأميركي في العراق(ولوظل بعضهم يرعى حلفاء له في بغداد هم حلفاء ومتعاونين مع الأميركي في الآن نفسه،مثل إيران في علاقتها مع آل الحكيم وحزب الدعوة )وضد أنظمة عربية متحالفة مع واشنطن وضد منظمات أو تحالفات ببلدان عربية عديدة ترى نفسها في الطرف الآخر تجاه(المقاومين)و(الممانعين).
تأتي مآزق هذا الاعتدال العربي ،الذي يشمل أنظمة وقوى واتجاهات سياسية عربية هي خارج السلطات الرسمية،من واقع التحالف العضوي بين واشنطن وتل أبيب،وخاصة بعد تعثرات المشروع الأميركي بالمنطقة بالسنوات الثلاث الماضية بدءاً من العراق،وهو مادفع واشنطن لتأييد حرب اسرائيل على لبنان في صيف2006 بوصفها"آلام مخاض ضرورية لولادة شرق أوسط جديد"،على حد تعبير الوزيرة رايس بالأسبوع الأول من تلك الحرب، بعد أن تعثرت ولادته في أرض الرافدين واستعصت(في مشهد هو بخلاف مشهد حرب عام1991لما كان تأييد ثالوث الرياض- القاهرة- دمشق للتحالف الدولي بعد الغزو العراقي للكويت مؤدياً إلى فاتورة قدمتها واشنطن تمثلت في ضغط أميركي شديد على إسرائيل لكي تذهب إلى مؤتمر مدريد) ،الشيء الذي يتكرر في هذه الأيام مع حرب إسرائيل على قطاع غزة بتأييد أميركي صريح،في محاولة أخيرة من الإدارة الأميركية الراحلة في فترة الانتقال لاستخدام العامل الإسرائيلي ، الساعي إلى ردِ اعتباره بعد فشله في حرب2006،من أجل قلب الطاولة على التحالف الرباعي = طهران- دمشق- حزب الله- حماس عبر ضربه في حلقته الضعيفة،كنوع من المدخل إلى إنشاء مشهد شرق أوسطي جديد يعاكس الذي نشأ في عموم المنطقة،وفي هذا الموضع أو ذاك ،على إثر نتائج حرب تموز.
هذا التحالف بين ( الأميركي ) و( الإسرائيلي ) يقود منذ سنوات عدة إلى انفلات الموضوع الفلسطيني من أيدي المعتدلين العرب،وسط تغوُل إسرائيلي بتأييد أميركي على الفلسطيني، ما يضع" السلطة الفلسطينية " في موقع ضعيف ومعزول فلسطينياً و عربيأً و اسلامياً على الصعيد الشعبي،وهو شيء يصيب بآثاره كل مؤيد أو راغب في "التسوية"مع إسرائيل من العرب سواء كان في الأنظمة الرسمية أو خارجها،فيما استطاع ( التحالف الرباعي ) أن يماهي ( المقاومة ) و( الممانعة ) ضد إسرائيل به و أن يخرج المعتدلين العرب من دائرتهما على الأقل اعلامياً ومعنوياً ،وهناك الكثير من المؤشرات على أن هذا حاصل في عيون الكثيرين بالشارع العربي بين الرباط والبحرين.أيضاً،فإن هذا التحالف العضوي بين أميركا و إسرائيل يجعل المعتدلين العرب في حالة انفصال مع غالبية واضحة في الشارع العربي ترى نفسها في حالة كره شديد للسياسة الأميركية،يعادل الذي تحمله ضد إسرائيل،ما يجعل بعضهم في حالة قريبة من حالة نوري السعيد بالخمسينيات في فترة ما بعد حرب السويس تشرين أول- تشرين ثاني1956التي شاركت فيها حليفته بريطانيا بالتحالف مع إسرائيل ضد مصر،والتي أدت هزيمة بريطانيا فيها إلى نتائج لم تقتصر على رئيس الوزراء أنطوني إيدن في(10داونينغ ستريت) وإنما أيضاً إلى انعكاسات كان أحد مسارحها في بغداد يوم14تموز1958.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤالين حول عنفية حماس ومأزق الإعتدال العربي
صائب خليل ( 2009 / 1 / 18 - 20:13 )
مقالة جميلة جداً استاذ محمد سيد رصاص،
ارجو ان توضح لي مايلي: لقد قسمت العمل الفلسطيني -بين ذهنية سياسية تشبه تلك التي كانت عند الرئيس السادات لدى -السلطة الفلسطينية-،وبين قوة عنفية عند(حماس)لا تملك ذهناً سياسياً موازناً أو قادراً على تثمير العنف أو السلاح.-
وفي الوقت الذي يبدوا الجزء الأول واضحاً بالنسبة لي، لا أحد وصف حماس بنفس الوضوح. لقد لام العديدين حماس على عنفيتها وتطرفها، لكني لم اقرأ لأية جهة أي شيء محدد في الموضوع، اقصد ما هي البدائل -المعتدلة- او ألمعقولة التي كانت ستنقذ حماس من هذا التطرف او العنفية التي اتهمت بها. أرجو ان تلاحظ ان اقتراحها للهدنة لعشرة سنوات تعبير ممتاز عن رفض وضع الأوراق على الطاولة قبل أوانها، كما أشرت في المقالة. كذلك مبادرتها إلى دعوة الجانب الآخر الى المشاركة في الحكومة رغم انها تعلم انها كانت تتعامل مع عصابة خطرة جداً، كما أثبت الواقع فيما بعد. سؤالي: ما كان على حماس ان تفعله لكي تنقذ نفسها من صفة التطرف والعنفية في رأيك؟

لدي سؤال آخر لو سمحت: تقول أن مآزق الإعتدال العربي -تأتي من واقع التحالف العضوي بين واشنطن وتل أبيب-
وباعتبار أن هذا التحالف كان ومازال وسيبقى في المدى المنظور، فهل يعني ذلك أن هذا الإعتدال كان في مأزق منذ ولادته،


2 - مقال ممتاز
محمد خليل عبد اللطيف ( 2009 / 1 / 19 - 00:42 )
تحليل عقلاني متوازن

تحياتي وتقديري


3 - تحليل رائع
سانفريان ( 2009 / 1 / 19 - 13:17 )
شكراً للأستاذ محمد سيد رصاص الذي يقدم دائما ما فيه عمق التحليل . بل
ويثبت كل مرة أنه محلل ومفكر وقارئ رائع للتاريخ
وعلاوة على ذلك فإن وسع اطلاع الأستاذ محمد يبهر القارئ حقا
تحياتي للأستاذ محمد وتقديري له ويشاركني في ذلك الكثير

اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي