الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة.. إلى من لا يهمهم الأمر

عبد الإله بوحمالة

2009 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


عمتم صباحا أيها.. "الشرفاء"(!)..
كيف حالكم؟.. وكيف حال الضمير معكم هذا الصباح؟.. هل هو مرتاح ونائم تمام التمام؟..
الحمد لله.. اللهم أدمها نعمة واحفظها يا رب من الزوال..
اسمحوا لي أولا إن أرفع الكلفة بيننا في هذه التحية الصباحية ونتكلم بود وصراحة، ولا تؤاخذوني، إن ناديتكم بالاسم الحركي فقط وبلا ألقاب فللضرورة أحكام..
هه.. كيف حال البقرة الحلوب معكم هذه الأيام؟.. ألازالت تدر حليبا.. ألا زالت حنونة ورحيمة وتعطي بلا حساب؟.. أم أن تهافت الحلابين وكثرة الحلب نشفت الضرع وأصابته بالشح والجفاف؟.. وكيف حالكم أنتم معها؟.. ألا زلتم تحلبونها بتلك الطرق القديمة، أم ظهرت في الحلب طرق حديثة وعصرية مسايرة للتطور؟.
وما أخبار الأعمال والمشاريع والصفقات والبورصات؟ هل لازالت مؤشراتها في تصاعد وازدهار مستمر؟.. أم قل حجم المعاملات فيها وتضاءل مردودها وبدأ يصيبها الكساد والبوار؟..
وأرصدتكم تلك "الحلال الزلال"، التي تعبتم في خطفها وتهريبها تحت جنح الظلام لتكتنزونها عند "الأشقاء الأمناء" في سويسرا؟.. هل مازالت تضيف أصفارها الجميلة الصغيرة إلى مؤخرة أرقامها على رأس كل سنة؟.. أم أن الأزمة الاقتصادية العالمية اللعينة باتت تتربص بحصاد السنين وتتهدده بالخسارة والنقصان؟..
كم يا ترى من الأطيان والفدادين والعمارات يكون، بالتقريب، قد انضاف إلى أملاككم وإنجازاتكم العظيمة الأخرى التي تخدمون بها الشعب في هذا الوطن العزيز؟.. هل ترك أسلافكم بعضا مما يمكن الاستحواذ عليه بجرة قلم؟.. أم تراهم شطبوها تشطيبا.
وجباة الضرائب ثقيلو الظل أولئك، هل لازالت أعينهم مطرفة عنكم وعن ملاييركم تطريفا إلى قروش المكدودين والمسحوقين الذين اعوجت ظهورهم بالديون وأضناهم غلاء الأسعار؟.. أم تراهم باتوا يراودونكم بين الفينة والأخرى عن حساب الربح ويساومونكم عن صمتهم المتواطئ.
وماذا عن تلك الأشياء التي تسمى ميزانيات وأغلفة مالية ومساعدات دولية؟.. هل لا تزال تجود بسخاء بخيرها الوفير كما في الماضي أم أن كثرة الأيادي المتسللة جعلتها قاعا صفصفا جدباء وتفرقت دراهمها بين القبائل؟..
هل لا زال بالفعل اختلاسها يحتاج إلى تلك العتمة وذلك الحذر الشديد الذي كان؟.. أم أن الغفلة العامة واللامبالاة السائدة سهلت الأمر أكثر وبات في مقدور أي هاو مبتدئ القيام بهذه الرياضة "الخفيفة" جهارا نهارا وعلى رؤوس الأشهاد؟
ما أخبار أعدائكم وحسادكم من الحاقدين المغرضين؟.. ألا زال هناك من تدفعه "صلافة" أفكاره السياسية والإيديولوجية القديمة للتشكيك والتساؤل عن مصدر ثروتكم "المباركة"؟.. أم أن الجميع تاب، بحمد الله، وأناب ورجع عن غيه وضلاله إلى الرشد والحكمة؟..
هل لازال هناك يا ترى مثاليون بهاليل يطرحون تلك الأسئلة الغبية مثل "من أين لك هذا"... أو "من أين سرقت كل هذا؟".. أم أن هذا الصنف من البشر "المتخلف" انقرض من على سطح البسيطة منذ زمن بعيد.
ثم أخبروني بربكم، وأستحلفكم بالله تَصْدُقُوني الخبر.. هل تمشون هذه الأيام على الأرض؟.. هل تتجولون مشيا على الأقدام في الشوارع والدروب؟.. هل حدث في الأيام الأخيرة أن خالطتم العامة في الأسواق؟.. أم أن تنقلاتكم ورحلاتكم المكوكية الميمونة كلها تجري بين الماء والسماء؟
وإن كنتم تتجولون ولو قليلا.. قليلا، على سبيل الرياضة، ألم يحدث أن لاحظتم بالصدفة مثلا أن الأغلبية الساحقة من عموم الناس باتت تمشي هذه الأيام مهزومة مقوسة الظهر برؤوس مطأطأة أثقلها الهم والغم؟..
ألم يثر فضول المعرفة فيكم حرقة السؤال عن السبب الكامن وراء كل هذا البؤس والشقاء؟.. ألم تلاحظوا أن نظرات هؤلاء الناس خبت وانطفأت وأن أبصارهم انكفأت إلى الدواخل حزنا ويأسا وقنوطا؟.. ألم يثر انتباهكم أن بعضهم صار يحدث نفسه في الشارع بصوت مسموع ويلتفت ويلوح بيديه في الفراغ؟..
ألم تصادفوا من على ظهر يخوتكم وبواخركم السياحية الخاصة ذات رحلة حمراء أجسادا بشرية بسمرة أجسادكم تتقاذفها أمواج البحار العالية ويتناهشها الحوت الضاري؟.. وهل أطمع أن تُصَدِّقوني لو قلت لكم أن تلك الأجساد اضطرت للهروب الكبير من وطن أفرغتموه أنتم من كل رحمة وتراحم واحتكرتم فيه السلطة ومن خلالها الثروة ومن خلالهما معا قيمة الإحساس العادي بالمواطنة والكرامة وحب الحياة.
هل حدث أن لاح لكم في يوم من الأيام شريط من كتل قصديرية من بعيد في ضواحي المدينة؟.. هل تعرفون أن تلك الكتل والغيتوهات يسكنها أناس أحياء يتنفسون ولهم حقوق وحاجيات يحاولون انتزاعها كل يوم بالأظافر؟.. هل يخطر ببالكم مثلا أن مساحة آخر مرحاض من مراحيضكم الباذخة المكيفة قد تكون أكبر من المساحة التي تعيش فيها أسر كاملة من مثل هؤلاء الناس؟..
وهل تتصورون على سبيل المثال أن ثمن سيجار كوبي واحد مما تحرقونه في جلسة صباحية واحدة وأنتم تطالعون الجريدة الأجنبية جدا، أو ثمن كأس صغيرة من نبيذكم الفاخر يمكن أن يعيل لأسابيع أسرة بأكملها لا تعرف في قوتها شيئا آخر غير الخبز والشاي؟..
ألا يخزيكم ويوخز ضميركم، مثلا.. مثلا، أن يتمدد كلب حرمكم المصون وقطة كريمتكم المدللة ويناما قريري العين قرب المدفأة كل ليلة بعد حمامهما الدافئ، فيما يفقد أطفال بؤساء أرواحهم بسبب البرد والصقيع هذه الأيام؟.
وأخيرا دعوني أختم رسالتي هاته لأتوجه إليكم بسؤال بريء.. هل فعلا تستطيعون أن تناموا بالليل بعمق مرتاحي البال والضمير؟.. هل فعلا تنامون وتحلمون باطمئنان؟.. ألا تحسون بالأرق ألا تتذوقون طعم المرارة ورائحة العرق في اللقمة المسروقة التي تأكلون؟..
ألا تفكرون بينكم وبين أنفسكم ليلا في حتمية النهاية والفناء؟..
أليست لديكم قناعة مثلما لدينا بأن هادم اللذات قادم مهما تأخر، وبأن الرحيل حاصل مهما تأجل، وأن المآل النهائي للجميع، أغنياء وفقراء لصوص وشرفاء، هو قبر ضيق مظلم وعيون في التراب وتراب في العيون ورأسمال حقير.. حقير جدا لا يتجاوز خرقة كفن أبيض؟..
أجيبوني لو سمحتم.. وإن لم يسعفكم الوقت أجيبوني على هذا السؤال الأخير فقط..
لا بل أجيبوا أنفسكم.. ربما يكون ذلك أفضل..
وصباحكم ككل يوم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جميل ورائع
salim ( 2009 / 1 / 21 - 07:18 )
لك التحية اخى عبد الاله مقالك رائع وجميل افكار مترابطة اسلوب سلس لا يخلو من سخرية محببة الى النفس ليتك تخصنى بما تكتب من مقالات لاحقة على ايميلى مع جزيل الشكر

اخر الافلام

.. هل كان حزب الله يخطط لتكرار -السابع من أكتوبر- على الحدود ال


.. اللبنانيون يهرعون إلى المستشفيات للتبرع بالدم بعد القصف الإس




.. عاجل| حزب الله: ننعى القائد الجهادي الكبير إبراهيم عقيل


.. حرائق في الجولان المحتل بعد إطلاق صواريخ من لبنان




.. تحقيقات جارية فى 4 دول والكل يتبرأ من تورطه في -هجوم البيجر-