الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدوته امريكيه

حاتم جعفر

2009 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بسبب من اقتراب باراك اوباما من موعد استلام دست الحكم في البيت الابيض بأعتباره الرئيس الرابع والاربعين للولايات المتحدة الاميركية, فلا بأس من الاقتراب قدر المستطاع من العقلية الامريكية ومحاولة القاء نظرة على آلته الاعلامية وبالتالي كيفية أدائها, وذلك على هامش العملية الانتخابية الرئاسية التي جرت مؤخرا, وصولا الى استشهادات ونماذج أخرى, لاتبتعد كثيرا عن جوهر الموضوع . فعلى سبيل المثال ولمعرفة اتجاهات الرأي ولقياس المنحى العام في قضية ما, قامت الدوائر الغربية ومنذ سنوات ليست بالقليلة بانشاء مراكز متخصصة لذلك الهدف, فكان من بينها معهد غالوب, وعلى ما اعتقد هو الابرز في هذا المجال. ومن اجل استبيان موقف الجمهور في قضية ما, تقوم الجهة المنظمة لهذا الاستطلاع بصياغة جملة من الاسئلة, يتم طرحها بشكل مباشر اوغير مباشر, من خلال وسائل الاعلام او أجهزة الاتصال كشبكة الانترنيت وما الى ذلك, لذا نسمع ونرى بين فترة واخرى عن آخر استطلاعات الرأي في موضوع معين, خاصة المتعلق منها بأمور هامة او مصيرية او تشكل كذلك منعطفا سياسيا في حياة بلد من البلدان.
وقد تأتي عملية الاستطلاع والاستبيان بالنسبة للبعض, بنتائج طبيعية ومنطقية لأعتمادها كما بدا لها وكما اعتقدت, على اسس علمية وغير قابلة للتزوير او التزييف او اللعب بطريقة ما على ما تفرزه, وهذا صحيح. غير ان ما ينبغي الالتفات اليه والانتباه له في تلك العملية هو امكانية التوصل وان بنسبة معينة الى بعض المعطيات المخطط لها سلفا وذلك من خلال نوع الاسئلة الموضوعة وكذلك في اختيار الفئة التي ستجري عليها عملية الاستفتاء, كالعمر والتحصيل الدراسي والمستوى الاجتماعي.
والمتتبع لوسائل الاعلام التي رافقت وغطت الحملات الانتخابية الرئاسية الامريكية بين المرشح الجمهوري جون ماكين والديمقراطي باراك اوباما, اظهرت مراكز الاستطلاع التي أجريت في حينها تفوق اوباما على منافسه بفارق بسيط, وفي بعض الاحيان ومع اقتراب موعد السباق من نهايته حرصت هذه المراكز على ان تصور الامر وكأن هناك تطابقا في حظوظ الفوز وان المنافسة بينهما بلغت اشدها, في حين وبعد ان تم الفرز النهائي للأصوات, كان الفارق بينهما كبيرا جدا. ومن الجدير بالذكر فأن تجربة الانتخابات التي جرت قبل حوالي ثماني سنوات من الآن بين آل غور وجورج بوش الابن, اعلنت عن فوز الاخير بفارق بسيط لايتعدى البضعة الآف صوت في دولة كبيرة كالولايات المتحدة الامريكية, حتى اتهمت وقتذاك جهات متنفذة بالتلاعب بنتائج الانتخابات لصالح بوش والذي ادى بدوره الى ان يشغل منصب الرئاسة في اهم دولة في العالم, بصرف النظر عن مدى جدارته لأشغال هذا المنصب ولتحل الكارثة, ليس بالشعب الامريكي فحسب بل بكل شعوب العالم.
وبالعودة الى موضوعة التحكم بنتائج الانتخابات عبر مختلف الوسائل والاساليب, فلا يمكن استبعادها ولا يمكن ان تستثنى عنها اكثر الدول تحضرا او اعرق التجارب ديمقراطية. واذا عدنا بالتأريخ الى بضعة قرون وبجردة سريعة لكيفية قيام ونشأة الدولة الامريكية لخلصنا الى ان بناء هذه الدولة قام اساسا على استبعاد وازاحة الشعوب الاصلية واصحاب الارض الشرعيين, ولكن من يتحكم بالسياسة الامريكية وبقراراتها الهامة وفاصل الدولة وتوجهاتها الرئيسية هم اولئك القادمون من خارج الحدود, لذا ففكرة المواطنة لدى الامريكيين الجدد تكاد تكون ضعيفة او منعدمة اصلا, لذا فشكل العلاقة الذي يجمع بين الطرفين, الارض من جهة والانسان من جهة اخرى لم تبن الا على اسس مصلحية وانانية صرفه, وبانتفاءها تنتفي اسباب التواصل بينهما, وبذا يمكننا القول ان طبيعة الارتباط بالدولة الامريكية, اخذ شكل استيطان اكثر مما هو علاقة وطن بمواطن.
ومفهوم الوطن في الادبيات الحديثة لم يبتعد كثيرا عن مفهومه الكلاسيكي, والحديث هنا عن الارض والمصالح المشتركة والدين واللغة والمصير المشترك والمشاعر, وغير ذلك من المشتركات التي تتظافر بمجموعها لتشكل فكرة الوطن ودلالته وتعريفه. ولو اسقطنا هذا التعريف على النموذج الذي نعنيه وهو الولايات المتحدة الامريكية لوجدنا صعوبة بالغة في نعتها بهذه الصفة( الوطن), على الرغم من امتلاك مكونات الدولة القوية كالتطور العلمي الهائل الذي حققته وتمتعها باقتصاد متين, اذا ماتجاوزنا بعض الازمات التي تعاني منها في هذا الجانب بين فترة واخرى, اضافة الى عوامل عديدة أخرى تسجل لصالحها في هذا المجال.
غير انها تفتقر لأهم العوامل التي تجمع مواطني البلد الواحد, والحديث هنا عن الجوانب الروحية ومشاعر الانتماء والاحساس العميق بالعلاقة بالارض التي ولد وترعرع فيها والتي جعلت منهما صنوان لايفترقان مهما كانت المصاعب, بل ان لحمة الارتباط والتداخل بينهما تزداد قوة وصلابة كلما اشتدت المحن على الوطن الام. وربما العقل الغربي والامريكي تحديدا, لايدرك هذه العلاقة ولايستطيع احيانا تفسيرها وقد يرى فيها نوعا من المبالغة غير المبررة وغير القابلة للتفسير المقنع من قبل الطرف الآخر, ولعل فيها من الاسرار التي لايعرف كنهها الا من عاشها, وقد يكون هذا احد عوامل الاختلاف التي تميز الانسان الشرقي عن اخيه الغربي.
ودعما لموضوعة طبيعة فهم العقل الامريكي للارض التي يعيش عليها, يمكننا التذكير بما اطلق عليها آنذاك بمفاوضات الحل النهائي بين الرئيس الراحل ياسر عرفات وبين ايهود باراك وبأشراف الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون, حيث طرح الأخير حلا مفاده ان تكون احدى الضواحي المحيطة بالقدس الشريف عاصمة أبدية للفلسطينيين, معتبرا ذلك مخرجا معقولا ومنطقيا, يمكن ان يفتح الباب عريضا حسب تصوره امام التسوية الشاملة, غير مدرك أو تغافل عن سوء او حسن نية, القيمة التأريخية والروحية التي تشغلها المدينة المقدسة في ضمير المسلمين والمسيحيين, مصورا الامر وكأنه تبديل أرض بأرض ليس ألا.
وفي الحرب الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية ضد العراق, رأى العالم كله وبأم عينيه, كيف سحقت دبابات الاحتلال آثار بابل وأور وغيرها, وكيف جعلت منها مستقرا لمعسكراتها وعبث جنودها واستهتارهم بأقدم الحضارات الي عرفتها البشرية, وكيف فتحت وعلى مصراعيها ابواب المتاحف العراقية التي تضم اثمن وانفس المقتنيات, امام عبث العابثين وحقد الحاقدين, غير عابئة بصرخات الاستنجاد التي كانت تصلها من قبل المؤسسات والمراكز العالمية المختصة وحماة الآثار. وسنوات حكم حركة طلبان في افغانستان ليست بالبعيدة و كلنا يتذكر جيدا حينما اقدمت السلطات الحاكمة على تحطيم تمثالين كبيرين يعود نصبهما الى مئات السنين وكيف اهتزت فرائص من ادعى غيرته على تلك الفعلة الشنيعة, وكيف احتجت الجهات المعنية بهذا الشأن ومنها اصوات الامم المتحدة ومؤسساتها. غير انها وللتذكير للمرة الألف, لم تحرك ساكنا حين تعرضت الآثار العراقية لحملة اعدام منظمة, قادها اليانكي الامريكي.
وبمراجعة سريعة لتجربة (انتخابات) مجالس المحافظات والتي اجريت قبل نحو اربع سنوات لرأينا حجم التجاوزات والخروقات التي رافقتها وعلى علم ومسمع ومرأى الحاكم الفعلي في العراق, حيث سمحت القوات الامريكية المحتلة بصعود احزاب وقوى سياسية بأن تتربع على عرش السلطة وجلها لاتمت بصلة للشارع العراقي ولا تعبر عن مكوناته الحقيقية, بل انها كانت مدركة تماما وبشكل لالبس او اجتهاد او خلاف عليه, بأن مصير الامور وجنوحها نحو الكارثة أمر لا مفر منه, اما التبريرات والذرائع والحجج التي ساقتها عقب وقوع ما لاتحمد عقباه, فلا جدوى منها, بل هو تأتي متطابقة مع ما خططت له أمريكا وحلفاؤها في الداخل وفي الخارج, ومن بنى دولته وامبراطوريته على انقاض شعوب أخرى, فليس غريبا عليه ولا فتحا جديدا ان يمنح العراق واهله الى قاتليه. وبمناسبة الانتخابات المزمع اجراءها نهاية الشهر الحالي, فليس مستبعدا ان تجري على نفس الاسس السابقة, طالما تأتي بالانسجام ومصالحها ان لم يستطع الشعب العراقي بقواه الوطنية الحية من كسر المعادلة المشبوهة وقلب الطاولة على رؤوس الخونة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة