الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد أحداث غزة: في الحاجة إلى استلهام روح فكر التحرر الوطني الفلسطيني

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 23
القضية الفلسطينية


ارتبطت القضية الفلسطينية؛ منذ ظهور الكيان الصهيوني بفكر التحرر؛ الذي ساد العالم خلال مرحلة خاضت خلالها الشعوب المستعمرة نضالا مستميتا في استرجاع حقوقها المسلوبة. و قد استفاد العالم العربي من هذه الحركة و حصلت الكثير من الدول العربية التي كانت خاضعة للاستعمار الغربي على استقلالها.
و في نفس السياق التاريخي استفادت القضية الفلسطينية كذلك من هذه الحركية ؛ بحيث حصل النضال ضد الكيان الصهيوني على مشروعيته في استعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها ؛ و هكذا ترسخت فكرة الدولة الفلسطينية ككيان مستقل يناضل لاسترجاع حقوق شعب ؛ تم طرده من أرضه .
و قد كانت منظمة التحرير الفلسطينية من أهم نتائج هذه الحركية ؛ فهي التي قادت منذ تأسيسها نضالا سياسيا مستميتا من أجل ترسيخ فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة ؛ و لا أحد اليوم يمكنه أن يشكك في المجهودات التي بذلت من طرف ياسر عرفات و من رافقه في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة .
قد يستنقص البعض من الإنجازات التي تحققت عبر النضال السياسي ؛ و لعل من أهمها فرض القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي كقضية تحرر وطني ؛ لكن مسار النضال ضد الكيان الصهيوني يؤكد اليوم و أكثر من أي وقت مضى أن المسار الذي سارت عليه منظمة التحرير هو المسار الوحيد القادر على استرجاع حقوق الفلسطينيين المسلوبة .
و ذلك يمر عبر محاولة فرض القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي؛ كحركة تحرر وطني؛ تسعى إلى استعادة حقوق شعب مهضومة من طرف الكيان الصهيوني الغاصب.
و هذا وحده هو السبيل الذي قاد القضية الفلسطينية في بداياتها إلى فرض نفسها كقضية مركزية استقطبت اهتمام الرأي العام الدولي بقوة؛ و فرضت على الكيان الصهيوني أن يجلس إلى طاولة المفاوضات في أوسلو ؛ حيث نجح ياسر عرفات بحنكته السياسية في فرض فكرة الدولة الفلسطينية بقوة على اهتمامات المجتمع الدولي .
لقد كان الكيان الصهيوني يدرك منذ البداية بأن النضال الفلسطيني يفرض عليه تنازلات مستمرة ؛ تضرب في جوهر مشروعه الاستعماري ؛ و لذلك كان منشغلا بالبحث عن الوسائل الممكنة لتغيير استراتيجية التعامل مع الفلسطينيين .
و قد جلبت له المرحلة الجديدة التي يعيشها الفكر العربي و العالم أجمع - حيث صيغ مفهوم الإرهاب - الحل المنتظر؛ الذي يمكنه من القضاء على إرث نضالي عظيم صاغه فكر التحرر الوطني؛ و تحولت مقاربة القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى قضية إرهاب ؛ حيث أصبح الإجرام الصهيوني يمارس على الفلسطينيين باسم محاربة الإرهاب ؛ الذي تقوده حماس و الفصائل الجهادية ؛ و أصبح الإعلام الصهيوني يسوق لفكرة التهديد الإرهابي الذي تمثله الحركات الجهادية عبر العالم .
هكذا نجحت الآلة السياسية و الإعلامية الصهيونية في تصفية الإرث النضالي للحركة الوطنية الفلسطينية؛ و هو إرث ارتبط منذ البداية بفكر التحرر؛ و بتصفيته تمت تصفية مرحلة كاملة من النضال من أجل تأسيس الدولة الفلسطينية ؛ و دخل الفلسطينيون في مرحلة متاه يقودها فكر أصولي لا يتقن طاكتيك المعركة ؛ و لا يمتلك إستراتيجية واضحة تمكنه من مواجهة عدو متمرس ؛ يمتلك دعما لا محدودا من طرف القوى الكبرى في العالم ؛ و الذي يرتبط بها عبر مصالح مشتركة ؛ تحفظ له استمرارية الدعم .
و لنؤكد بشكل صريح أن القضية الفلسطينية اليوم في أمس الحاجة ؛ ليس لمن يطلق (صواريخ) بدائية و يعرض شعبا بأكمله لدمار شامل ؛ كما أن القضية الفلسطينية اليوم لا تحتاج فكرا جهاديا يقود المعركة بثقافة الاستشهاد و الجهاد ؛ بل تحتاج إلى استعادة إرث الحركة الوطنية الفلسطينية المرتبط بفكر التحرر و التنوير الحديث ؛ الذي يمكنه لوحده رد الاعتبار إلى قضية العرب الأولى في المحافل الدولية ؛ باعتبارها قضية تصفية استعمار ؛ تفرض على إسرائيل تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي طيلة عقود ؛ و كلها قرارات تنتصر للحق الفلسطيني في الاستقلال و بناء الدولة .
و هذا ما لا يمكنه أن يتحقق في ظل هيمنة الفكر الأصولي على العالم العربي ؛ و هو الآن الوحيد الذي يهيج الجماهير ضد اليهود باعتبارهم كفارا يجب الجهاد ضدهم ؛ و ليس باعتبارهم كيانا استعماريا ؛ يجب أن يواجه بحس استراتيجي لاستعادة الحقوق المسلوبة . و لعل هذا الفكر هو الذي يمزق أوصال القضية الفلسطينية ؛ و يحولها إلى حركات تطرف ديني ؛ مما يسهل الأمر على الكيان الصهيوني ليستفيد من الدعم اللامحدود من ضرائب الشعب الأمريكي ؛ باعتباره شريكا في محاربة الإرهاب ؛ قضية أمريكا الأولى خلال هذا العقد .
و في جلبة هذه الضوضاء و الفوضى العارمة التي تسود المشهد العربي و منه الفلسطيني؛ لا يجد العقلاء فرصة لقول كلمتهم ؛ و إذا قالوها فإنها تجلب لهم جميع التهم الجاهزة ؛ لعل أقلها خيانة قضايا الأمة و مساندة العدو الصهيوني – الأمريكي للتنكيل بها ؛ و يبقى البديل أمام الجماهير الهائجة هو العويل و الاستنكار؛ و الدعاء على إسرائيل و أمريكا بالويل و الثبور ؛ و تهديدهما بعودة جيش محمد ؛ و كأن الزمان و المكان جامدان ؛ و إسرائيل هي خيبر الماضي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ارتفاع الأصوات الداعية لانسحاب بايدن من الانتخابات | #أميركا


.. الإمارات والسعودية..مرحلة ما بعد النفط| #الظهيرة




.. تأجيل النطق بالحكم ضد ترامب في قضية -أموال الصمت- | #أميركا_


.. تقسم المملكة المتحدة إلى أربعة أقاليم.. تعرف على نظام الحكم




.. اللواء فايز الدويري: ضراوة قتال المقاومة في هذه الأيام أقوى