الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الحرب على غزة

أحمد الخمسي

2009 / 1 / 21
القضية الفلسطينية


أفرزت الحرب على غزة اليقظة تجاه نتائج الحرب على لبنان في صيف 2006. وتقلصت شمولية الرومنسية تجاه إرادة الشعوب، لتبرز خريطة المواقع الخلفية المحيطة بكل من حزب الله في السابق وحماس اليوم. وبقدر ما اكتشفت اسرائيل حقيقة الإعداد الجيد لحزب الله وحلفائه عبر التكامل الثلاثي بين حزم الحلفاء والتربية التنظيمية الجهادية لدى أفراد الحزب والعقلانية الصارمة لدى قادته بالأمس، نكتشف اليوم أن حماس لها حلفاء في مصر، يساعدونها على تعويض الحصار الفوقي بغض الطرف عن "التهريب" التحتي للأسلحة، ضمنه صواريخ اغراد، وكل المعدات الحربية التي تساعدها على الصمود في وجه الاجتياح البري، بل على مواصلة إطلاق الصواريخ و إعادة "بناء الصمود تحت نيران العدو".
وفي اليوم الأول الذي ستتوصل فيه الأطراف إلى وقف إطلاق النار، سيكون كل طرف قد أعد عدة الخطاب الانتصاري. ليعلم العالم الخارجي أن مسلسل التقدم نحو الحلول الإنسانية لفائدة الشعوب قد تقهقر نحو نقطة الكراهية المطلقة المتبادلة.
فيكون التحالف الحاكم في اسرائيل قد خرج من دائرة الانكشاف تحت أضواء محاكمة أولمرت والعجز عن انتزاع مصير الجندي شاليط من يد حماس، نحو هالة القدرة على التدمير وصناعة الرأي العام الحربي مقدمة للبرنامج الانتخابي. وتكون حماس قد حافظت على الإمساك بالأسرار المحيطة بقيادتها وبالمصير المجهول لشاليط، مؤشرات على تحولها إلى عنصر تاريخي بنيوي في القضية الفلسطينية. ويعيد الشعب الفلسطيني كرة الحفاظ على حقه في الوجود السياسي عبر اشتعال نضالي في الضفة لما دعى إليه خالد مشعل تحت عنوان الانتفاضة الثالثة.
أما تحول الإرادة السياسية للشعب الفلسطيني وتمركز التدمير الذاتي والقتل الفلسطيني والقمع للرأي السياسي المخالف المتبادل، فقد نقل دور العوامل الخارجية من الدعم كاتجاه عام مستقر، إلى اصطفاف متناقض حاد يخترق المأساة الفلسطينية نفسها فيتبادل فدائيو الأمس مهام الفتك ببعضهم البعض بدل اقتصار ذلك الدور الرهيب على قوات الاحتلال. وهو ما ينقل مكروب "الكراهية المطلقة" التدميري، من خارج الشعب الفلسطيني إلى صلب إرادته السياسية. وهو ما دمر نواة المساندة اللامشروطة من طرف كل محبي السلم والإنسانية عبر العالم تجاه قضيته العادلة. لتنعكس في السلبية المتلبسة في سلوك الأمم المتحدة، حد تناقض تصريحات الأمين العام ومجلس الأمن مع الإستنكارات المدوية للأونروا ضد الهمجية الإسرائيلية.
II
لكن الرأي العام العربي وهو يتأمل العناصر الجديدة في الصراع حول فلسطين، يعلم أن القضية العادلة طيلة ستين عاما (1948-2008)، قد أصبحت جزءا من بنية العولمة السياسية. وبقدر ما اتسعت دائرة السند لعوامل الدين والقوى المناهضة لأمريكا، بقدر ما ترسخت داخل دائرة القرار السياسي والعسكري الفلسطيني إرادة التوافق مع أمريكا للتوصل إلى حل سياسي نهائي سلمي مع إسرائيل.
III
ولعل اشتعال الحرب على غزة في بطن الفترة الانتقالية الأمريكية والإسرائيلية معا، ستوفر المقدمة التدميرية "الضرورية" لاستكانة سلم ثانية بعد "استكانة أوسلو". إذ راكمت العولمة لدى مختلف الأطراف قدرا وافيا من العقلانية المفرطة إن صح التعبير. وهو ما يمكن تعويضه بمصطلح الميكيافيلية، أو الإفراط في استعمال الكذب لخدمة القضايا المركزية: عادلة وغير عادلة.

إن فترة حكم الديمقراطيين التي قد تستمر ثماني سنوات مقبلة ستستهدف إعادة بناء السمعة الأمريكية على الصعيد الدولي، لترميم ما دمرته الرأسمالية العسكرتارية المتطرفة للجمهوريين. وقد ظهر أن الاستماتة الأمريكية من أجل توطيد الهيمنة المطلقة ذات القطب الأمريكي الواحد قد عرفت الضربة القاضية مع الأزمة المالية، توجت الأخطاء المتوالية للاستفراد بالقرار الدولي في عهد بوش الصغير.
إن النزعة المتطرفة للقرار الجمهوري الأمريكي، صنعت رصيدا تدميريا في ثلاث مواقع: أفغانستان (2001) والعراق (2003) وفلسطين (2008/2009) الحالية، مع آلية عنيفة لفرض الموت على الشعوب والقيادات السياسية الممانعة، إن ببطء عبر الحصارات ( مقاطعة السلطة في رام الله على عهد عرفات (2002ـ2004) أو بسرعة القصف الجنوني والتسميم النيروني (عرفات، أحمد ياسين، الرنتيسي، مصطفى علي....) أو الإعدام "القانوني" (صدام حسين).
فلعل الدور المرتقب لباراك حسين أوباما، هو تطوير المقومات السيادية الرمزية للدولة الفلسطينية، مقابل دمج الضعف العرفي ضمن مؤسسات الشرعية، ليصبح المواطن الفلسطيني، مثل كل المواطنين العرب نادمين على مرحلة الاستعمار الأجنبي المباشر لما سيعانون منه من حكرة وعنت جهنم من طرف الشرطة الفلسطينية والعربية تجاههم في ظل جنة الدولة المستقلة. لتنتقل المعارضة من معارضة الاحتلال إلى تهمة جاهزة بوصفة الطابور الخامس لفائدة القوى العالمية المناهضة للرأسمالية، سواء تحت يافطة "التطرف الإسلامي" أو تحت يافطة العمالة للصين الصاعدة....وبشائر المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير مفسرة بكامل الوضوح حقيقة الصراع في دارفور.
إن التفاوت في درجة العقلانية بين قادة حزب الله صيف 2006 وقادة حماس أثناء الحرب الجارية، لا يساعد الشعب الفلسطيني على الاستفادة القصوى من تحت الدمار الذي ستتركه إسرائيل بعد الحرب. ففي الوقت الذي وصف فيه الملثم الناطق بكتائب القسام الصهاينة بحفدة الخنازير، تلعثم خالد مشعل في ترتيب فقرات خطابه، وهو ما ينقل الكارزمية القيادية إلى اسماعيل هنية، لكن بخطاب عسكري مرافق على درجة من العاطفية، قد لا تنقل حالة التقدم المدني التي يتصف بها الشعب الفلسطيني قبل السيطرة الشاملة لحماس. مما سيعمق الشرخ في الحالة الفلسطينية، من مستوى العلاقة بين حماس وفتح إلى مستوى العلاقة بين كل القيادات السياسية وعموم الشعب الفلسطيني. وهو الجرح الذي قد تتركه الحرب عميقا في الكيان المجتمعي الفلسطيني، مكرسا لجرح الاقتتال المسجلة سابقا. وهو ما سيضعف العنصر الذاتي الفلسطيني لمواجهة العدو المشترك في الحرب، كما في "التهدئة".....
كل ما مضى، سيربك القرار السياسي الفلسطيني ما بعد الحرب، عندما تصير القنوات الدبلوماسية جاهزة للفعل. مع العلم أن الدور الاقليمي التركي تحسن بكيفية نوعية لفائدة القضية الفلسطينية، بحيث يقترب من الاعتدال الأوربي بدل الارتباط السابق سلبا بالموقف الأمريكي المنحاز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا