الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل الذي أخرج الانسان من كهوف الاديان , الجزء الثاني

بسام البغدادي

2009 / 1 / 25
سيرة ذاتية


في ذكرى مرور مائتين عام على ولادة العالم و المفكر العظيم تشارلز دارون كان لابد لنا من الاشارة الى حياة هذا الانسان الذي أخرج العلوم البشرية من كهوف المعتقدات و الاديان, هذا الرجل الذي أسس لعلم متكامل غير تأريخ و مستقبل البشرية الى الابد, العجوز الذي تكالبت عليه الخرافة وقوى الظلام كي تعيد كتابة تأريخه و الحقائق التي وصل اليها بعد أن قام بأعادة كتابة تأريخ الحياة على وجه الارض. فمن هو هذا الانسان العالم ؟ من هو تشارلز دارون؟

ولد تشارلز دارون في الثاني عشر من شباط عام 1809 في وسط علمي وثقافي أبناً لروبيرت دارون الطبيب المشهور في بلدة جيرزبوري غرب أنجلترا وكان تسلسله الخامس من ضمن ستة اولاد. أيراسموس دارون جد تشارلز كان أيضاً طبيباً مشهوراً و مخترعاً و عالماً وكان في نفس الوقت شاعراً و فيلسوف قام بالتأسيس لنظرية تطور مشابهة لتلك التي تحدث بها المؤرخ الطبيعي الفرنسي لامارك. أما فيما يخص والدته فأن دارون لا يذكر عنها الشئ الكثير في مذكراته سوى فراش الموت و التنورة السوداء التي كانت ترتديها بسبب وفاتها المفاجئة عندما كان دارون في عمر الثماني سنوات.

في عمر التاسعة أُرسل تشارلز دارون الى مدرسة داخلية بالقرب من بيتهم. خلال السنين السبع اللاحقة حاول دارون الهروب من المدرسة عدة مرات لكنه كان يعود مساءٍ في كل مرة. يذكر أيضاً بأن نظام التعليم لم يرق لدارون حيث كان قائماً على الحفظ و الذي لم يستطع دارون فهم الغاية الحقيقية منه, بل كان يكرهه حسب وصفه لانه كان ينساه مباشرة بعد فترة وجيزة. حيث يذكر انه لم يتذكر الأشعار اللاتينية لاكثر من بضعة اسابيع بالرغم من أنها كانت أحد الاشياء المهمة التي كان يجب على كل رجل متعلم معرفتها. و بالرغم من هذه الصعوبة التي كان يجدها في الحفظ الا انه كان من عشاق الشعر و الادب الشكسبيري في فترة شبابه و الذي تطور تدريجاً في خريف عمره الى حبه للروايات المتعلقة بنساء و بطلات تأريخيات وياحبذا بنهايات سعيدة.

في عطلة صيف 1825 تدرب دارون مؤقتاً في عيادة والده وفي خريف نفس العام سافر دارون الى مدينة أيدنبورغ لدراسة الطب. كانت جامعة أيدنبورغ أحد أرقى الجامعات الاوربية وقتها ولكن وجهة نظر دارون للمدرسين في الجامعة كانت مختلفة يشوبها التململ. قريباً أدرك دارون بان مهنة الطب ليست مهنته بعد عمليتين جراحيتين بدون مخدر كما كان دارجاً حينها. فقرر أن يبدأ بأختصاص آخر لا على التعيين, فتعلم فن التحنيط و تابع بعده علم الحدائق. كانت كتابات جده ايراسموس و متابعته لمحاضرات الباحث في علم الاعضاء و العقلاني روبيرت آدمون جراند لها الاثر الاكبر في التعرف عن قرب لنظرية التطور المشهورة حينها للمؤرخ الطبيعي الفرنسي لامارك.

عاد تشارلز دارون الى مدينته خائباً بدون اي شهادة من أي أختصاص يذكر, والده أحس بخيبة أمل كبيرة و خاطبه في أحدى المرات زاجراً اياه (أنت لاتنفع الا للصيد وملاحقة الكلاب و الفئران, ولن تجلب سوى العار لنفسك و لعائلتك). رغم خيبة الامل هذه فقد تطلع دارون الى فرصة أخرى و مع شئ آخر هذا المرة. بدأ بالتفكير بجدية بمهنة رجل الدين, مهنة رائجة مع دخل ثابت ومن جهة أخرى لا تحتاج الكثير من وقته . لكن الشكوك التي كانت تملأ صدر الشاب المسيحي دارون جعلته يشك بقدرته للبدء بدراسة اللاهوت, و لكن والده رأى في هذا المجال فرصة لأعطاء أبنه مهنة محترمة و مرموقة في المجتمع الانجلتري وقتها. لهذا فأن الشاب الذي جلس على مقاعد الدراسة في جامعة كامبردج للاهوت بداية عام 1828 كان أبعد ما يكون لطالب علوم الدين العادي. و السنوات الثلاث التي قضاها دارون في كامبردج سوف تعني الكثير لدارون و للبشرية في المستقبل.

خلال تلك السنين التي قضاها دارون في دراسة اللاهوت كانت كتب ويليم باليس في الفلسفة الدينية هي احد المقررات, التي كانت تنص على أن الوجود وجد كاملاً و أن جميع الاحياء قد أعطيب من الله مكانها المثالي في الطبيعة, تماماً مثل أجزاء الساعة التي تعمل سوية, فمن المستحيل لهذه الكائنات ان تتغير لأن هذا سيؤدي الى أنهيار النظام الطبيعي كله , تماماً مثلما الساعة تقف اذا تغير فيها شئ. ورغم التضاد الكبير بين أفكار باليس و نظرية التطور الطبيعي التي أسس لها دارون فيما بعد الا أن دارون كان أحد المعجبين المتحمسين بأفكار باليس عن الحياة و الطبيعة.

كان يوجد في جامعة كامبردج أيضاً الكثير من مشاهير علماء الطبيعة و الحدائق حينها. أحد اهم الشخصيات التي أهتم بها دارون هو عالم الحدائق و المؤرخ الطبيعي جون ستيفن هينسلو و الذي قام بفتح عيون دارون على علم تأريخ الطبيعة. و بمرور الايام أصبح دارون الظل الذي لايفارق أستاذه هينسلوا و احد ابرز تلامذتهُ المتميزين و المتابعين لمحاظراته. في أحد الايام أقترح هينسلوا على داروين أنه بعد ان ينهي دراسته بأستطاعته أن يأخذ مكانه على السفينة بيكل و التي ستأخذه في رحلة طويلة حول الارض, دارون لم يكن متأكداً من هذا الامر بعد.

بعد أن أنهى دارون دراسته الدينية بشهادة أمتياز في جامعة كامبردج عام 1831 وحصوله على المرتبة العاشرة مقارنة بزملائه الـ 178 طالباً لنفس السنة كان على دارون الاختيار بين العمل كرجل دين في مدينتهُ أو الابحار برحلة حول العالم على متن السفينة بيكل. ألاختيار لم يكن صعباً لانه بعد عودته أن لم يغير رأيه فأن مهنة رجل الدين لاتزال موجودة. وبعد أنتظار لمدة شهرين متتالين لجو ملائم للابحار أبحرت بيكل في 27 كانون الاول ديسمبر 1831 وعلى متنها الشاب دارون , هذه الرحلة التي قادته تدريجياً آخر الامر الى الكشف عن اهم اسرار الطبيعة و أشهرها علمياً حتى يومنا هذا.

بعد عودته من رحلته على متن بيكل 1836 قام بأصدار العديد من الكتب في علوم الطبيعة و أرتفع نجمه كرجل علم وباحث طبيعي في ألاوساط العلمية في لندن. عام 1839 أصدر كتابه (رحلتي على ظهر بيكل) الذي رفع نجمه ككاتب لقصص ألأسفار و رجل علم في فضائات تخطت حدود لندن حينها. في نفس العام أختير دارون كعضو في الجمعية الملكية العلمية في لندن (Royal Society) . وفي سبيل بحثه عن مزيد من الاستقرار و الهدوء للتفرغ للبحث العلمي قرر دارون الزواج في نفس العام من أبنة عمه (أيمآ ويدجود). و التي بالرغم من أختلاف وجهات نظرهم الدينية الى حد كان يقلقها جداً الا انها تمكنت أن تكون له شريكة حياة رائعة و أم لأطفاله العشرة.

عانى تشارلز دارون بعد عودته من رحلته على ظهر بيكل من مرض غريب و مجهول لم يجد له الاطباء حلاً. كان يصاب في الكثير من الاحيان بنوبات شديدة من الغثيان و الارق المفاجئ و ألم حاد في البطن. في أسوأ الحالات كان مرضه هذا يمنعه من ممارسة عمله لفترات قد تطول بعض الاحيان. في مذكراته يصف دارون حجم الارهاق الذي كان يعاني منه, لكنه بمرور الايام أستغل مرضه هذا كعذر جاهز لعدم الحضور في الكثير من الدعوات و المناسبات الاجتماعية. وبهذا وجد دارون فجأة المزيد من الوقت للبحث العلمي في بيته الذي تحول مع الايام الى مختبر متكامل لدراسة الاحياء و أجراء البحوث الطبيعية.

الخجل و التواضع كان احد الصفات الملازمة لهذا الرجل العظيم و الذي وصف نفسه أحدى المرأت حيث قال, (شخصياً فأنا لا أملك تلك البداهة على الفهم او الذكاء الذي يتميز به أغلب الاذكياء, قدرتي على تتبع الافكار النظرية المجردة محدودة جداً, لكنني من ناحية ثانية أعتقد بأنني استطيع ان أضع يدي على اشياء عادية جداً و اقوم بدراستها بعمق). وهذا تماماً ما فعله دارون حيث درس الطبيعة بعمق و منهجية علمية حتى كشف أحد اهم أسرار الحياة على كوكب الارض و التي اخرجت هذا العلم من فضاء الاسطورة و الغيبية و أدخلته في محيط العلم الانساني الواسع.

كثيراً ما وصف دارون بالمعتزل و غريب الدار بسبب عكوفه في بيته لفترات طويلة من حياته. لكن بالرغم من هذا المرض الذي قام بعزله بشكل شبه تام عن الحياة الاجتماعية في لندن الا ان بيته قد تحول تدريجاً الى مركز أجتماع ثقافي و علمي للكثير من المفكرين و الباحثين الذين كانوا على اتصال دائم وفي زيارة متواصلة لبيته. أمنية دارون الاخيرة قبل موته كانت ان يتم دفنه في بيته الذي عاش فيه و بحث فيه لمدة طويلة (داون هاوس). عام 1882 تم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة الى لندن و تحت رعاية الكنيسة و أدارتها تم دفنه كرجل دولة الى جوار عالم الرياضيات المشهور إسحاق نيوتن مكتشف نظرية الجاذبية وقوانينها. وها هو الرجل الذي أعطانا قوانين الطبيعة يعود الى امه الطبيعة لتستمر الحياة بعده تماماً كما كانت قبله ولكن بفارق بسيط, أننا نعرف الان كيف تسير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الروسي يؤدي اليمين الدستورية ويتعهد بوضع مصالح روسيا


.. مشاهد توثق لحظة إصابة صاروخ لمبنى بمستوطنة المطلة جنوب لبنان




.. 7 شهداء و14 مصابا في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية في حي الز


.. الأردن يحذر من تداعيات اقتحام إسرائيل لمدينة رفح




.. أمريكا تفتح تحقيقا مع شركة بوينغ بعد اتهامها بالتزوير