الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرجعية والانتخابات

سيد علي الطباطبائي

2009 / 1 / 22
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق



أصدرت المرجعية الدينية في النجف عدة بيانات حول الانتخابات المقبلة لمجلس المحافظات. وأشارت هذه البيانات على لزوم مشاركة المواطنين العراقيين في الانتخابات، كما أكدت على عدم تدخل المرجعية لصالح أي من القوائم المتنافسة فيها. وكان المرجع السيد علي السيستاني، قد أشار في أوقات سابقة إلى عدم دعم المرجعية لأية قوائم. وكان آخر تلك البيانات الإعلان الذي نشر يوم الاثنين المصادف 19/1/2009، والذي أوضح المرجع الديني علي السيستاني فيه وقوفه على مسافة واحدة من جميع الكيانات السياسية، ودعوته العراقيين للمشاركة في الانتخابات المحلية القادمة. ويحث البيان "جميع المواطنين رجالا و نساء على المشاركة في الانتخابات المقبلة وعدم العزوف عنها، على الرغم من عدم الرضا عن التجارب الانتخابية السابقة". وأضاف البيان أن المرجعية الدينية "تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين وإنها تشدد في الوقت نفسه على أن يختار الناخب بعد الفحص و التدقيق من يكون مؤهلا لعضوية مجلس المحافظة، ممن يلتزم بثوابت الشعب العراقي و يسعى في تحقيق مصالحه و يتصف بالكفاءة و النزاهة و الإخلاص لخدمة هذا الشعب الكريم".

إن كل هذه البيانات والفتاوى تعد تحولاً هاماً في موقف المرجعية من التنافس السياسي الذي جرى في السابق على أساس تدخل المراجع الدينية على اختلاف مشاربها في التنافس السياسي والصراع المذهبي الطائفي الذي ثبت فشله وبانت آثاره المدمرة على المجتمع العراقي. وحبذا لو تلتزم بعض التيارات الطائفية بهذه البيانات الصادرة من المرجعية في هذه الانتخابات، وتكف عن رفع صور المراجع ورجال الدين في التنافس على مواقع في مجالس المحافظات، هذه المجالس التي تتحدد مهمتها في تحسين الخدمات كالمجاري والبلاليع ووصول الماء الصالح للشرب الى المواطنين وحل مشكلة السكن. فهذه المجالس ليست لديها مهمة دينية طائفية بحيث تتطلب تدخل المراجع الدينية. ولكن للأسف ما زال البعض في قوائم اللهاث الطائفي غير مبال لهذه التوجيهات ولا لفقرات قانون الانتخابات ويصر على رفع صور المراجع ويستغل مناسبات عاشوراء ويتشبث بالتجارة بالدين والمذهب علها تفتح الطريق لجلوس أنصاره على مقاعد الحكومات المحلية.

إن بيانات المرجعية في جانب منها تحظى بالتثمين والتأييد من قبل الحريصين على أمن العراق واستقراره وازدهاره والإخاء بين مواطنيه وتشجيع المواطنين على المشاركة في العملية الانتخابية الديمقراطية. ولكننا نعتقد أنه كان من الضروري أن يشير البيان إلى المسبب ومن يتحمل المسؤولية عن ما حدث في الانتخابات السابقة التي يدينها المرجع الديني. فقد تدخلت المرجعية من أوسع الأبواب في انتخابات مجلس النواب قبل ثلاث سنوات لصالح قائمة الائتلاف العراقي الموحد ذات اللون الطائفي الواحد، فشكلت المرجعية لجنة خاصة بإشرافها لإدارة التنافس الانتخابي وتمهيد الطريق لفوز قائمة بعينها دون القوائم الأخرى. وبذلك فتحت المرجعية الطريق لسوق القوائم الطائفية. وكانت النتيجة أن هذه القائمة لعبت دوراً في إيصال عدد غير قليل من الأميين والجهلة إلى دائرة القرار، وشاركت عملياً في شحن الصراع الطائفي الدموي الذي كان مشتعلاً في تلك الفترة. كما غرقت القائمة نفسها في بحر من الخلافات وحتى بحر من الدماء والحرب بين بعض أطرافها، إلى أن تصدعت عملياً بعد خروج العديد من فرقائها من هذا الائتلاف. وهنا كان من المفيد أن تُعلن المرجعية المحترمة صراحة عن هذا الخطأ، لا أن تكتفي بالإعلان " عن عدم الرضا عن التجارب الانتخابية السابقة"، وتعترف بخطئها وتقدم الأمثولة في ذلك كي يتربى المؤمنون على التواضع وأخلاق الحكمة البليغة القائلة "الاعتراف بالخطأ فضيلة".

أما الملاحظة الثانية فهي أن المرجعية حتى في بياناتها حول ضرورة المشاركة في الانتخابات القادمة، وأنا من أنصار المشاركة بقوة، تنحاز عملياً إلى جانب من سيشارك وتدين عملياً من سوف يقاطع الانتخابات، وهذا ما يخالف القواعد الديمقراطية التي تمارس في كل الدول الديمقراطية والعراق أصبح جزءاً منها. إن المشاركة وعدم المشاركة هما حق دستوري وديمقراطي لكل مواطن عراقي وقد كفل الدستور ذلك. ففي الانتخابات البرلمانية السابقة شارك في الانتخابات حوالي ثلثي من يحق لهم التصويت، وامتنع عن المشاركة فيها الثلث الأخير وهذا حق قانوني لا ينبغي أن يُلغى بقرار من المراكز الدينية في العراق على اعتبار أن المشاركة واجب شرعي كما يروّج له وعدم المشاركة سلوك لا شرعي. فهذا النمط من الدعوات يضر بالعملية الديمقراطية ويحد من حرية المواطن في خيار المشاركة أو عدمها، ولا يضع المرجعية على مسافة واحدة من كل العراقيين، بل تضعها منحازة إلى جانب من سيشارك في الانتخابات. ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال عدم تشجيع المشاركة في الانتخابات، بل المقصود عدم إدخال ذلك بالشرعي وغير الشرعي دينياً.

وهناك مسألة أخرى نود الإشارة إليها وهي أن المرجعية، باعتبارها مرجعية للشيعة في كل أنحاء العالم، تتحدث عن كل تفاصيل الوضع في العراق، وتصدر البيان تلو البيان عن الأحداث في العراق، في حين أنها تلتزم الصمت إزاء كوارث تحل بالشيعة والمسلمين في مناطق أخرى في العالم. فالمرجع الديني السيد علي السيستاني الذي نحترمه ولا ينكر أحد فضله في لجم سعار الموجة الطائفية في العراق، يحمل الجنسية الإيرانية ولا ضير في ذلك، فلا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى، لم يتدخل ولو لمرة واحدة في شؤون الانتخابات الإيرانية، ومن حقه ذلك لمكانته الروحية وللجنسية الإيرانية التي يحملها. في الوقت الذي فاحت من هذه الانتخابات الإيرانية المتكررة رائحة الفساد والتزوير وشراء الذمم والخروقات وحتى القتل والتصفيات الجسدية، إضافة إلى اضطهاد كل أتباع الديانات والمذاهب الأخرى وتهميشهم، وكل ذلك يرتكب باسم الدين. كما أننا لم نسمع من مقام المرجعية الدينية أية كلمة تخفف من معاناة الشيعة في الباكستان والسعودية والبحرين وأفغانستان واليمن وباقي بقاع العالم رغم ما يعانيه هؤلاء من حرمان في الحقوق وتمييز طائفي في ظل أنظمة استبدادية تنعدم فيها الحدود الدنيا من مظاهر احترام القوانين والانتخابات والممارسات الديمقراطية. كما لا تمارس المرجعية دورها الآن في الاستجابة لنداء الاستغاثة من قبل العراقيين الذين تحصد رؤوسهم في سجون المتطرفين الوهابيين بتهم لا تخرج عن إطار نزعة التطرف الطائفي السائدة في المملكة العربية السعودية. فلماذا يركز المرجع على الانتخابات في العراق وشؤون العراق دون سواه؟ إنه أمر محير.

19 من كانون الثاني 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت خيالية للمنتخب العراقي بعد التأهل للأولمبياد... | هاش


.. تحدي القوة والتحمل: مصعب الكيومي Vs. عيسى المعلمي - نقطة الن




.. ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا


.. تحقيق استقصائي من موريتانيا يكشف كيف يتم حرمان أطفال نساء ضح




.. كيف يشق رواد الأعمال طريقهم نحو النجاح؟ #بزنس_مع_لبنى