الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارة النصر

خالد صبيح

2009 / 1 / 22
القضية الفلسطينية


خرج الجنود الإسرائيليون على ظهور دباباتهم من على أطراف غزة رافعين شارة ‏النصر. لكن شارة النصر الإسرائيلية تلك بدت، في الجو الرمادي الداكن، باهتة وكأنها ‏منفصلة عن أي سياق. فهؤلاء الجنود عادوا ( منتصرين) بعد مقاتلتهم لأشباح غير ‏مرئية، لكنهم في نفس الوقت قد خلفوا، بأسلحتهم الفولاذية، المقساة بقسوتهم، ‏ورائهم خراب هائل مشبع برائحة اسمنت مهروس وممزوج بأجساد غضة لأطفال ‏نسي العالم ان ينصفهم .‏

في حطام غزة بدت إسرائيل وكأنها طفل عابث أفسده الدلال فاخذ يعبث بكل شيء ‏يقع أمامه.‏

‏ غير ان (المنتصر) وجد ان فرحته ناقصة وسط تجهم العالم الناقد والناقم من حوله ‏فأراد ان يغطي على دعابة شارة النصر تلك بان أرسل وزيرته ليفني مباشرة، بعد ‏مهرجان التكسير العبثي ذاك ، إلى حضن الدلال، حضن ماما أمريكا. وهناك في ‏أمريكا فرضت إسرائيل على العالم، بلمحة دراماتيكية، وبدون استئذان، ان ينشغل ‏بأمنها العزيز وسبب قلقها الأزلي. حيث وقعت ليفني ورايس اتفاقية (ثنائية) نصت ‏على ان يلعب حلف الناتو ومصر والسلطة الفلسطينية دورا في مراقبة (الحدود) ومنع ‏تهريب الأسلحة إلى غزة. وهذا يعني باختصار تفريغ لفكرة حق الشعب الفلسطيني ‏في المقاومة التي تكفلها له القوانين والأعراف الدولية. وكذلك أرادت إسرائيل ‏والولايات المتحدة بهذه الاتفاقية ان تقوضا أي استثمار سياسي للفلسطينيين ‏يمكن ان يتحقق على أنقاض ما خلفته إسرائيل من دمار على الأرض. وذلك بتكريس ‏الاهتمام بهموم الأمن الإسرائيلي ألذي يتخذ ذريعة دائمة ومفتوحة لإلحاق الأذى ‏بكل أنواعه بالفلسطينيين. ‏

وأشار بعض المحللين والأكاديميين من أمريكا وأوربا وإسرائيل نفسها على ان هدف ‏إسرائيل الأول في تقويض مكانة حماس ورفع رصيد سلطة عباس قد فشل وأعطى ‏مردودا عكسيا. فقد اضعف العدوان الإسرائيلي، حسب هؤلاء المحللين، سلطة ‏عباس بعد انكشافها أمام الشارع الفلسطيني، واضعف أيضا مصر التي حاولت ان ‏تتدارك الضعف في الموقف العربي وما يظن بانه تواطؤ مكشوف منها، بطرحها مبادرة ‏كانت تريد ان تحفظ بها ماء أكثر من وجه، ومنهم وجه إسرائيل المتورطة في جرائم ‏حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.‏

‏ اذن إسرائيل خذلت أصدقائها المصريين، لا بل إنها ورطتهم بتصريحات وتسريبات ‏عن اتفاقية خطية تحدد دورا لمصر في مراقبة الحدود وقبلها عن رغبة لها في الحرب ‏ضد حماس. وهو ما نفته مصر مرارا وبإلحاح ملحوظ. ولكن يبدو ان إسرائيل مطمئنة ‏لما تقوله ولما تفعله أيضا، وهكذا تجاوزت الجميع وأدارت ظهرها لهم وذهبت لتتفق ‏مع من تعتقد انه ينوب عن العالم كله وليس عن المصريين فقط. واتفقت مع الولايات ‏المتحدة. ‏
‏ ‏
ويتوقع المحللون أيضا ان رصيد حماس السياسي، بعد عدوان غزة، سيكون في ‏ارتفاع. فهناك دعوات صريحة أعطت مؤشرات لهذا الصعود نطقت بها تركيا وردد ‏أصدائها العالم، مفادها انه لا يمكن تهميش حماس بعد الآن. وبهذا فقد نفخت ‏إسرائيل مجددا، بأساليبها الرعناء والعدوانية، في روح التشدد الإسلامي. حيث كما ‏رأى الجميع ان الشارع العربي انتفخ، أثناء العدوان، بضجيج القوى الإسلامية التي ‏منحتها وحشية العدوان، وانعدام المنافسة، والصمت والتواطؤ الرسميين الفرصة لان ‏تتصدر الفعاليات التضامنية، وتروج، في الهواء الطلق، لشعاراتها. والآن سيجيء وقت ‏قطف الثمار التي ستجنيها قوة، ومنعة، ورصيد مرتفع.‏

بعد وقف العدوان الإسرائيلي الآن عاد كل طرف من الأطراف المتصارعة إلى حيزه ‏الخاص ليراجع حساباته ويزن خياراته. الإسرائيليون سيعودون لينشغلوا في مدى ‏قدرتهم ترجمة ما فعلوه على الأرض، ان استطاعوا إعلانه نجاحا عسكريا( فحسابات ‏الانتصارات الحربية تحسب في حقل السياسة وليس فقط في الميدان) وكيفية ‏توظيفه سياسيا في معركة الانتخابات،وأيضا لتهيئة الأرض لدور محتمل للإدارة ‏الأمريكية الجديدة. والعرب عادوا بدورهم بجردة حساب متخلخلة وكبيرة في ‏انقسامها تجسدت بقمم متعثرة، وإجراءات مرتبكة وخجولة. لكن عبدا لله، ملك ‏السعودية، فاجأ الجميع بما يمكن تسميته بـ (ضربة معلم) حينما استطاع ان يحقق، ‏بحركة واحدة، ما كان يبدو انه عصي على التحريك والمعالجة. ونجح في مصالحة ‏المتخاصمين في خطوة ستضيف لرصيده كثيرا. لكن على هامش هذه الخطوة التي ‏أربكت البعض بما حملته من مفاجأة، وقعت مأساة (المحللين السياسيين) التابعين ‏للأنظمة العربية المتصارعة. فقد كان هؤلاء ولساعات قليلة قبل خطوة المصالحة ‏العربية يبادلون بعضهم البعض الهجمات والسخرية والتبخيس. وعليهم الآن ان ‏يتداركوا المأزق ألذي وقعوا فيه نتيجة هذا التحول السريع والحاد والمفاجئ، وعليهم ‏ان يخترعوا الآن زاوية خاصة تلائم انقلاب خطابهم وتحليلاتهم القادمة، فهم لا ‏يستطيعون ان ينقلبوا 180 درجة بسرعة، (مع ان ذلك ليس بمستحيل عليهم ) ‏وذلك أولا، لان الحكم على نتائج مبادرة المصالحة لا يزال مبكرا الآن، وثانيا لان ‏ألفاظ التشنيع والتبخيس ما تزال حروفها عالقة في أفواههم بعد.‏

الا يثير هؤلاء الشفقة حقا؟.‏

‏ ووجد الفلسطينيون أنفسهم الآن وجها لوجه أمام خياراتهم القدرية، فإما المصالحة ‏والحوار الوطني وموقف مسؤول إزاء ما جرى وما سيتبعه من تداعيات، ووضع أسس ‏جديدة مناسبة لطرح رؤية عقلانية مشتركة لآلية الحل الشامل لقضيتهم، وإما ‏الوقوع مجددا ومكررا في دوامة التنافس والتجاذب والصراع على ما يلقى لهم. ‏لاسيما وان مبالغ كبيرة ستقدم لهم لمعالجة كارثة غزة، وبالتاكيد ان هذا وغيره ‏سيضع الجميع على محك الوطنية الحساس.‏
لكن لا يبدو فلسطينيا ان هناك ما يشجع على التفاؤل بالوصول لعلاج مقبول ‏للخلافات، لان كل طرف، كما توحي الأجواء ووقائع الأزمة، سيزداد تشبثا بمواقفه ‏ودوافعه بعدما خرج للعلن، إبان الأزمة، عمق الخلافات وتجذرها. ‏

‏ لكن ارض غزة مازال يتصاعد منها دخان الحرائق والغضب، وسوف تحرق نيرانها، ان ‏لم يحتال الواقع على التاريخ مجددا، من يقامر بأرواح وارض أهلها. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
محسن الجيلاوي ( 2009 / 1 / 21 - 19:50 )
الأخ خالد
نفس الأفكار كانت تراودني وكنت أنوي أن اكتب شيئا قد يكون قريب إلى ما جاء في مقالتك ..لكنك أرحتني من تعب مقالة جديدة فقد أوفيت وكفيت مقدما لك شكري ومودتي الدائمة
أخوك
محسن الجيلاوي



2 - حماس ترقص على خرائب غزة
حميد كشكولي ( 2009 / 1 / 21 - 23:58 )
رفيقي العزيز خالد سلمت يداك و حقا أن اسرائيل يجرامها مدت الاسلام السياسي وحماس بأسباب القوة والدوام ، لهذا أرى أنها محقة أن تقيم اعراس النصر . .. إذ أن العدوان الإسرائيلي الذي استمر 3 أسابيع على غزة انتهى أخيرا إلى وقف لإطلاق النار. أعلنت حماس من بدء الحرب أنه كلما ازداد عديد - الشهداء-، ازدادت حماس قوة و بأسا، أي بلغة إنسان العصر الحديث، كلما أوغلت إسرائيل في وحشيتها في القتل والدمار، تحسن موقف حماس. وقاحة ورجعية وصلافة بلا حدود!!! ووفقا لهذا المنطق أن حماس ترفل في الأفراح والانتصارات الباهرة و فتوحات في أرض الروم والفرس. أكثر من 1300 قتيل، و أكثر من 5300 جريح يجب أن يقوي موقف حماس أضعاف المرات ويزيدها شعبية وجماهيرية؟؟؟!!! لقد أصبحت فلسطين تحترق في نيران الإرهاب والرجعية و الكذب والنفاق... وقد أمسى القتل والإرهاب والجرائم من طرف يقوي مواقف التيارات اليمينية و المتطرفة و الدينية في الطرف المقابل، و يمنحها المزيد من المبررات للقتل والإجرام... يعاني الشعب الفلسطيني من السقوط في مأزق سياسي اجتماعي خانق. فهذه القوى المتطرفة واليمينية تعمل على إفشال أية جهود لتحقيق السلام...
أقامت حماس يوم السبت المصادف 20 كانون الثاني احتفالات - نصر- مهيبة بمناسبة انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.


3 - ردود اخوية
خالد صبيح ( 2009 / 1 / 22 - 11:34 )

عزيزي محسن
انت تعرف ان القلوب سواقي

عزيزي حميد
انت اضفت الكثير لما قلت ولكن أنا لااساوي ابدا بين حماس واسرائيل. لان حماس ‏ضمنا هي احد الخيارات الفلسطينية، والفلسطينيون في هذا الصراع هم الضحية ‏على طول الخط ،ولايمكنني الا ان اقف مع الضحية، ولكن يمكننا طبعا ان نتحفظ على ‏شيء ما في سلوك هذه الضحية.‏
بعض الاحيان يربكني هذا التشويش المتعمد ألذي يقصده البعض ((وحاشى ان تكون ‏منهم) لاجل تمييع الحدود، واضطر للمقارنة، مع الفارق والمفارقة، بين هذا الطرح ‏ألذي اعتمدته اسرائيل في عدوانها بان وجود حماس بين المدنيين يبرر عمليا ‏ضربهم، بما حدث في حلبجة حين اخذ نظام صدام يبرر هجومه على المدنيين الكرد ‏بانه كان بسبب وجود بيشمه ركة كردية وقوات ايرانية في المدينة وكإن هذا يكفي ‏لايذاء الابرياء.‏

عزيزي ابراهيم
معذرة لم اكن أنا السبب!‏


4 - شكرا مرة اخرى
مواطنة ( 2009 / 1 / 22 - 11:36 )
الاخ خالد شكرا مرة اخرى لقد قلت كل ما يمكن قوله
الاخ حميد : لي تعليق بسيط اتمنى ان يتسع صدرك له:حماس التزمت بالتهدئة وتوقفت عن العمليات التفجيرية بشهادة خبراء من الامم المتحدة والباحثين في مراكز دراسات عالمية ولذلك ارى تجنيا كبيرا عندما ساويت بين حماس واسرائيل في الاجرام والارهاب ووصفها بانها قوة قذرة هذه القوة القذرة فازت بثقة الشعب الفلسطيني في الانتخابات التشريعية لنكن براجماتيين ما هو المطلوب من حماس؟ فازت في الانتخابات فتمت محاصرتها من اليوم الأول ومن جميع الاطراف وافقت على التهدئة فقتلت اسرائيل 576 فلسطيني نصفهم في الضفة حيث لا توجد حماس واجتمعت السلطة الوطنية مع قادة اسرائيل 286 اجتماع خلال هذه السنة 2008 ولم يؤد ذلك الى رفع حاجز في الضفة ولا ازالة مستوطنة غير شرعية كما تسميها اسرائيل لان هناك مستوطنات شرعية من وجهة نظرها واستمر بناء الجدار وما يلتهمه من اراض هناك شعارات جميلة يمكن التغني فيها لكن الواقع شديد المرارة لا يوجد طرفين في هذه الحرب هناك طرف واحد معتدي واوغل في عدوانه ووحشيته ما المطلوب من حماس ان تفعله ؟لقد اراد رابين ان يفتح عينيه فيجد غزة غارقة في البحر وقد اغرقها باراك في الدماء :


5 - توضيح
حميد كشكولي ( 2009 / 1 / 22 - 14:07 )
العزيز خالد
اولا إنني أعتقد بان لا حماس و لا اسرائيل ضحايا بل الضحية هي الفلسطينيون. مثلما اسرائيل حكومة و قوى متطرفة يمينية تقف في قطب الارهاب الامبريالي فإن الاسلام السياسي بما فيه حماس يقف في الطرف الآخر أي قطب القوة الرجعية و القومودينية الارهابي ولم ولا ولن ابرر العدوان الاسرائيلي بوجود حماس بين الناس في غزة. وأرى أيضا عكس ما منت متوهما في فتلك الفترة أن قوى الكردايتي كانت الوجه الآخر للنظام البعثي و استفادت من المجازر التي ارتكبها النظام و تاجرت بها. واليوم فعلا حماس واسرائيل هما المنتصرتان و لهما الحق في الرقص واقامة الاعراس على خرائب غزة وعلى أشلاء ضحاياها من الاهالي الأبرياء. وأقول للاخت مواطنة انني لا الوم حماس لقبولها أو لعدم قبولها التسوية مع اسرائيل أو التزمت بالتهيئة أم لا أذ ان اسرائيل في كل الاحوال أعدت للعدوان و لم تقصد ابادة حماس التي استفادت من المجازر وانتصرت انتصارا ساحقا .


6 - المسؤولية
مختار ( 2009 / 1 / 22 - 14:32 )
الناس في غزة انتخبوا حماس على برنامج جهادي، إما الانتصار على إسرائيل وتحرير فلسطين، كل فلسطين وإما الاستشهاد والذهاب إلى الجنة. ولهذا يجب أن نخاطب الناس بكل شجاعة ومسؤولية بأن يتحملوا مسؤولياتهم ويقبلوا التضحيات بعيدا عن الصياح: وين الحكومات العربية. في عالمنا الإسلامي تنجب الأسر ملايين الأطفال دون التفكير في مصيرهم ثم تسلمهم إلى الجماعات الإجرامية والإرهابية وعندما يقتلون أو يقتَلون يرتفع الصياح: وين الحكومة؟
تنتخب هذه الشعوب أحزابا فاشية وعنصرية مغامرة ولا تقبل تحمل مسؤولية اختيارها
الغربيون واليابانيون مروا بنفس الطريق، انتخبوا النازيين والفاشيين ودفعوا الثمن غاليا ولكنهم تعلموا وفهموا أن الخروج من التخلف سبيله العمل والعلم والتعلم ممن عنده العلم
المسؤول الآخر هم المثقفون الذين يتعاملون مع شعوبهم على أساس أنها قاصرة لم تبلغ سن الرشد وإذا أخطأت يجب التسامح معها، لأنها لم تكن تدري، كما قال نصر الله بعد التقتيل والتدمير الذي حل بلبنان
علينا أن نقول للجميع بأنه إذا كان القانون لا يحمي المغفلين فالطبيعة لا تحمي القاصر والجاهل والضعيف


7 - شكرا لك
محمد خليل عبد اللطيف ( 2009 / 1 / 22 - 15:08 )
مقال ممتاز يااخ خالد كما عودتنا


8 - تعليق
نادر قريط ( 2009 / 1 / 22 - 16:11 )
عزيزي خالد : الحياة موقف ضمير قبل أن تكون سياسة أو أيديولوجيا أو مصالح وإذا لم ينطق الكتاب بصوت الضمير الإنساني فمن سيفعل ذلك..بوركت وطوبى لأهل غزة

اخر الافلام

.. الاحتلال يلقي مناشير في معسكر جباليا تطالب السكان بالإخلاء ا


.. مظاهرة في العاصمة الإسبانية مدريد تطالب الدول الأوروبية بالا




.. لحظة استهداف إسرائيلي بمنطقة جباليا في غزة أثناء تغطية صحفيي


.. مظاهرة لعشرات الإسرائيليين بالجليل تطالب بتنحي الحكومة لتخلي




.. أمريكا تعرض على إسرائيل معلومات استخباراتية لتحديد موقع قادة