الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسا و السودان : زاد الحساب على الحساب*(1)

محمد عثمان ابراهيم

2009 / 1 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بمناسبة تسلم السيد باتريك نيكولوسو لمهام عمله سفيراً للجمهورية الفرنسية لدى جمهورية السودان ودعوة الحكومة السودانية لفرنسا إلى وقفة جادة و مراجعة شاملة لمواقفها وطلب الخرطوم من سعادة السفير لعب دور داعم لتطوير علاقات البلدين . نأمل من السيد نيكولوسو، و هو الخبير بالشئون العربية و الأفريقية و الذي تقول سيرته الذاتية إنه درس الأدب العربي و بقي طوال حياته العملية يعمل في بلدان عربية ما عدا فترتى خدمة قضاهما بين البرازيل و إيطاليا، أن ينجح في أن يقدم للشعب السوداني صورة أخرى عن سياسات بلاده غير التي نعرف.
"قال القاضي للمتهم : إن التهمة الموجهة إليك هي الإعتداء على شخص..
المتهم: ليس شخصاً، سيدي،إنها زوجتي"
قصة حقيقية روتها منظمة العفو الدولية في تقريرها " العنف ضد المرأة في فرنسا، شأن يخص الدولة"
في فرنسا تموت سيدة كل أربعة أيام فقط من جراء العنف الممارس في البيت وفي فرنسا التي يعمل فيها ما يزيد عن المائة وخمسة وأربعين الفاً من رجال الشرطة وما يقارب المائة وخمسة ألفاً من رجال الشرطة العسكرية المعروفة بإسم (الجندرمة) فإن الإتجار بالبشر – حسب تقرير أوضاع حقوق الإنسان في فرنسا لعام 2008 م و الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية- ما يزال يمارس هناك بشكل فظيع هناك.
وبعد ما يزيد عن المائتى عام من التخلي عن تجارة الرقيق، ما زالت هناك حوالي ثمانية عشر ألف سيدة وربما طفلة تعيش تحت وطأة الإستعباد الجديد بواسطة عصابات وشبكات الدعارة والإتجار بالبشر في فرنسا غالبيتهن، كما ظلت العادة دائماً، من أفريقيا التي ظلت توفر حاجة العالم المتحضر من الخدم والعبيد لمئات من السنين. يشير التقرير الأمريكي – ولا حاجة للتذكير بان أمريكا حليفة فرنسا في مجلس الأمن وفي العالم خصوصاً في شأن السودان- إلى أن غالبية النساء المستغلات في فرنسا هن من الكاميرون ونيجيريا. ومن مفارقات التأريخ أن المعاهدة الدولية لمنع تجارة الرقيق (الأبيض) وقعت في باريس (مدينة الفن و الجمال) في 4 مايو 1910م .
في فرنسا (بلاد التنوير والتحضر) و في العام الماضي فقط، ألقت السلطات القبض وحاكمت 10 من المتاجرين بالبشر ( حتى لا أقول تجار الرقيق ) و41 مشترياً بالسجن.
و في فرنسا نفسها تقدر الللجنة المناهضة للإستعباد المعاصر (سي سي إي إم) إن خمس النساء المستغلات في الإستخدام المنزلي غير الطوعي يتم إستغلالهن بواسطة أصحاب الحصانات الدبلوماسية اللطاف الكلمات القساة القلوب. أنظر إلى هؤلاء فأتذكر أن هناك في كل العصور وفي كل العالم "جنود من عسل" يفعلون الشرور من حيث لا يحتسب أحد.
وفي نفس التقرير تشير وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن محاكم فرنسا نظرت عام 2007 م فقط في 9993 قضية إغتصاب أي ألف ضحية وصلن إلى القضاء فمن من غيرهن لم تصل وذهبت لتلعق جرحها في صمت.
في فرنسا يعرف الناس إن بعض رجال الشرطة يقومون بإغتصاب المهاجرات غير الشرعيات كما تكشّف في 14 سبتمبر 2008 م حين حكمت المحكمة على ثلاثة من رجال الشرطة السابقين (أى بعد أن تركوا الخدمة) بالسجن بسبب إغتصابهن لمحتجزات لديهن من بينهن واحدة ألبانية.
و في كل يوم تنقل لنا أجهزة الإعلام أخباراً وتحليلات عن معاناة الجاليات العربية والأفريقية والمسلمة سواء من حوادث التعدي أو تدمير الممتلكات وحتى منع ملابس معينة مما لا نريد الخوض فيه الآن.
في فرنسا تكتظ السجون بالمدانين ويعيش حوالى عشرة ألف سجين دون أن تتوفر لهم أمكنة بواسطة النظام المصمم لعدد أقل من المحكوم عليهم.
العالم كله يعرف ذلك فكل هذا يجري تحت سمعه وبصره لكن لم نسمع يوماً واحداً أن (بريجيت باردو) تحدثت عن معاناة هؤلاء ولم تنشأ المنظمات الطوعية للدفاع عن الفرنسيين من بطش حكومتهم ولم تطالب الأمم المتحدة أو مجلس الأمن يوماً بمعاقبة الدولة الفرنسية ووصم بعض مواطنيها ، من الأشرار، بالجنجويد.
في موقع وزارة الخارجية الفرنسية وتحت عنوان سياسة فرنسا حول حقوق الإنسان تضع الوزارة بكل فخر وإعتزاز مقطعاً، من حديث الرئيس السابق جاك شيراك أمام مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مارس 31 مارس 2001 م، يقول فيه: إن "فرنسا ظلت لأمد طويل متعاطفة مع حقوق الإنسان ومهتمة بالبشر وكرامتهم".
هذا ببساطة غير صحيح والحقيقة إن الدولة الفرنسية في جمهورياتها الخمس وقبلها كانت أقل إكتراثاً من كثير من دول العالم وأمبراطورياته الإستعمارية بحقوق الإنسان وكرامتهم.
قبل أقل من خمسين عاماً إستخدمت الدولة الفرنسية نصف جيشها بالإضافة إلى مائتي ألف آخرين في عملية قالت إنها لضبط الأمن والنظام. في تلك العملية قتل مليون شخص ونصف (لكن التقديرات الفرنسية الرسمية تقول أنهم ثلاثمائة وخمسين الف شخص فقط) وقادت فرنسا – وفقاً لتقديراتها الرسمية- ثمانية عشر ألفاً من رجالها إلى حتفهم فيما جرح خمسة وستون ألفاً هذا إضافة إلى خمسة آلاف شخص قتلوا فيما عرف بحرب المقاهي التي دارت على أراضيها. بعد كل ذلك العناء إستقلت الجزائر الفرنسية وصارت جزائر أخرى عربية ديمقراطية شعبية حرة ومستقلة.
قتلت كل هذه الأعداد الهائلة لكن الدولة الفرنسية ظلت تنكر ولمدة سبعة وثلاثين عاماً بعد ذلك أنها كانت تخوض حرباً هناك. يموت مليون ونصف المليون شخص وتنكر فرنسا وقوع الحرب من أساسه.
ظلت الدولة الفرنسية حتى صبيحة 10 يونيو 1999 م تنكر أن حرباً كانت تدور في الجزائر وإن الأمر لم يكن سوى عمليات لضبط الأمن والنظام في فنائها الخلفي جنوب البحر الأبيض المتوسط. بعد كل تلك السنوات عاد إلى الدولة رشدها فصوّت برلمانها على أن ما جرى في الجزائر كان حرباً ، لكن فرنسا لم تعتذر وقال سكرتير الدولة لشئون قدامى المحاربين – حينها – جان بيار ماساريه إن القانون إعتراف أخلاقي فقط ولا يعني زيادة في معاشات العسكريين القدامى ولم يقل سيادته كلمة واحدة عن ضحايا تلك الحرب( بي بي سي 10 يونيو 1999م).لم يتحل الرجل بالشجاعة – لا هو و لاغيره- ليخففوا من عبء الخطيئة الهائل الذي ترزح تحته بلادهم و يترحموا فقط أو يتأسفوا ، ربما، على ضحايا مجزرتهم البشعة.
أثناء إستعمارها للجزائر، أعلنت فرنسا مستعمرتها الغنية أرضاً فرنسية ومكنت مواطنيها من السيطرة على 40% من الأراضي الصالحة للزراعة وجندت حوالى مائتي ألف من سكان تلك البلاد في جيشها وحين أجبرت على الخروج تركت جنودها المخلصين من أهالي الجزائر تحت رحمة الجيش المنتصر وعممت على جيشها المنسحب مذكرة سرية تأمر بترك هؤلاء عزلاً لمصيرهم ليموت منهم خمسة وستون ألفاً (الشرق الأوسط 27 سبتمبر 2001 م ). نجا البعض من هؤلاء و تمكنوا من دخول فرنسا لكنهم ما زالوا هناك مواطنين من الدرجة الثانية في فرنسا ولا تعترف بهم الجزائر.
خمسون ألف مواطن وأبناءهم وأحفادهم من الحركيين (وهذا هو الإسم الذي يطلق عليهم) يعيشون في وضع مأساوي في مساكن تكتظ بهم حتى رفع البعض منهم دعاوى بأنهم ضحايا جريمة ضد الإنسانية ونقلت جريدة الشرق الأوسط عن محاميهم: إن المجازر الجماعية التي تعرضوا لها وعائلاتهم كانت بأمر مسئولين سياسيين إبتغوا من وراء ذلك تحقيق أهداف سياسية لكن مجلس الأمن الذي تتمتع فرنسا –ضمن قلة أخرى- بحق نقض جميع القرارات فيه لا يستطيع إحالة الأمبراطورية الإستعمارية إلى المحكمة الجنائية الدولية أو إلى محقق خاص فالعدالة الدولية لا تسري على الأقوياء.
و بعد خمسين عاماً لم تغير فرنسا من سياساتها كما يقص أندرو واليس – مؤلف كتاب ( التواطؤ الصامت: القصة غير المحكية للدور الفرنسي في مذبحة رواندا) – أنه وفي أبريل عام 1994 م "صارت السفارة الفرنسية ( في العاصمة كيجالي) مسرحاً لتشكيل حكومة حكومة الهوتو المتطرفة التي قامت بالتخطيط بدقة وتنفيذ مذابح التوتسي. تحدث الشهود عن وزراء .. كانوا يجلسون على كراسي السفارة الوثيرة وهم يتدارسون ملاحظات مكتوبة عن أفضل المناطق التي جرى فيها التقتيل.. وقد ساعدهم مضيفهم السفير الفرنسي لاحقاً في الهروب إلى باريس بعيداً عن الجحيم الذي صنعوه. قبل سفره أضرم السفير النار في غرفتين ملأهما بالوثائق التي كانت تربط حكومته بحكومة دكتاتورية الهوتو بزعامة جوفينال هابياريمانا" ( تايمز اللندنية 5 ديسمبر 2006 م ). حين كان ذلك التقتيل في قمته والجحيم يزداد ناراً بفعل الأسلحة الفرنسية كان وزراء حكومة هابياريمانا يحضرون حفل إستقبال غاية في الأناقة والجمال على حساب الدولة الفرنسية كما كتب واليس.
وحين كانت الأمم المتحدة -بدافع من بعض النبلاء في المبنى النيويوركي المهيب – تحاول وقف المذابح في رواندا كانت الدبلوماسية الفرنسية تحت رئاسة وزير الخارجية –حينذاك- آلان جوبيه تصر على أن هناك حرب أهلية وإن المطلوب الآن الوصول إلى وقف لإطلاق النار.
و وقتما كان السفراء يبتسمون أمام الكاميرات وهم يدلون بأحاديثهم المنمقة الباهتة كان أكثر من خمسة مواطن رواندي يموتون كل دقيقة واحدة في مشهد إستمر لأكثر من ثلاثة أشهر . سيظل ذلك المشهد يجسد للأبد الفشل الأكبر لما يسمى بالعدالة الدولية والقانون الدولي والسياسة الدولية.
خمسة وثمانون بالمائة من سكان البلاد يحملون الأسلحة و المدى وأدوات الزراعة لقتل ما تبقى من سكان البلد و فرنسا تقول إن الأمر حرب أهلية. بعد أن إقتنع العالم كله بأن هناك مجزرة قتل فيها ما يقارب على المليون شخص ونزح مئات الآلاف عن ديارهم وبقيت في كل مكان من البلد الصغير جثة وقصة موت تروى تقول الدولة الفرنسية إن ما حدث كان عملية ذبح متبادلة بين الهوتو والتوتسي . إلتبس الأمر على البلد المتحضر فلم يعد يفرق بين القاتل والضحية مثلما التبس عليه الأمر فشبه حرب الجزائر بأنها عمل لضبط الأمن والنظام.
العالم لا يخلو ممن يستمعون إلى صوت الحقيقة ويجهرون بالحق.من بين هؤلاء كانت ليندا ميلفرن ، الصحفية البريطانية وبروفسير الشرف في شعبة الدراسات الدولية بجامعة ويلز( لديها موقع بإسمها على شبكة الإنترنت).أجرت ميلفرن تحقيقاتها في رواندا وأخرجت نتائج تحقيقاتها في كتابين عن المأساة ثم أدلت بشهادتها عن المذابح امام لجنة تحقيق رواندية كانت تحقق في الدور الفرنسي و خلصت إلى أن فرنسا كانت متورطة حتى أذنيها في ذلك العمل البشع.
جاء التقرير الرسمي من خمسمائة صفحة و قال وزير العدل الرواندي ثارسيسي كاروقاراما عند إطلاق التقرير " ينبغي أن يكون واضحاً أن هذا التقرير ليس للوضع جانباً أو للوضع في مخزن في مكان ما. إن هذا التقرير سيستخدم. إنه تقرير سيساعد على محاكمة أو على القيام بمحاولات، محاولات جادة جداً، لمحاكمة أناس شاركوا في إرتكاب مذبحة في هذا البلد" ( موقع الديمقراطية الآن على شبكة الإنترنت 7 أغسطس 2008 م ).
قالت ليندا ميلفرن إن الدولة الفرنسية تورطت بتدريب عصابات الإنترهاموي التي ارتكبت المذابح وإن شهادات مفصلة أخذت لقادة تلك عصابات أفادوا فيها بأن ضباطاً فرنسيين هم من تولوا تدريبهم في معسكرات للجيش.
فرنسا لم تترك الأمر نهباً للصحافة و الإعلام و الضمير العالمي، بل قامت بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية بعد مرور أربع سنوات على المذبحة. برأت لجنة التحقيق البرلمانية الدولة الفرنسية لكنها قالت إن الرئيس فرانسوا ميتران كان يتحكم تماماً في سياسة الدولة الفرنسية وهو لا يخضع لمحاسبة البرلمان أو الصحافة في هذا الشأن في الوقت الذي لم يكن فيه الساسة الفرنسيون على كبير إطلاع بالأمر. وإستلهاماً لعبر تلك المجزرة أوصى مجلس الشيوخ بسلطة أكبر للبرلمان في العمليات العسكرية..يا للعار . تقول ميلفرن إن ميتران أدار الأمر فيما يبدو عبر شبكة من ساسة و دبلوماسيين و رجال مخابرات رفيعي المستوى " و ينبغي أن أقول إن مرتزقة فرنسيين شاركوا أيضاً" ( موقع الديمقراطية الآن) . هذه هي الطريقة الفرنسية التقليدية في التعامل مع أفريقيا.
لم تستطع رواندا ذات الصلات الوثيقة بفرنسا إلا أن تصحو على أسوأ كابوس يمكن توقعه وهو تورط الصديق في الكارثة فوجه تقريرها المحكم الإتهام إلى 33 مسئولاً رفيعاً على رأسهم الرئيس السابق فرانسوا ميتران
و رؤساء الوزراء السابقين إدوارد بالادور و ألان جوبيه و دومينيك دوفيلبان إضافة إلى فرانسوا لوتار وهوبير فيدرين و آخرين.
لكن لم تكن مأساة رواندا– للأسف- هي خاتمة كوارث السياسة الفرنسية في أفريقيا و العالم.. نواصل
____________________________________
* سطر من قصيدة (الحسن أسفر بالحجاب) للشاعر أحمد مطر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل