الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم يعُد لينين بيننا !!

فواز فرحان

2009 / 1 / 22
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في مثل هذا اليوم وقبل خمسة وثمانين عاماً بثت وسائل الإعلام السوفيتية نبأ رحيل فلاديمير إيليتش لينين مختتمة ذلك النبأ بعبارة لم يعد لينين بيننا ، كان لوقع ذلك الخبر أثراً كبيراً لدى المواطن السوفيتي تجاه الشخصية العظيمة التي أنارت طريق الاشتراكية والعدالة أمامه ، لم يكن شخصيةً عادية بالنسبة لأغلب سكان الاتحاد السوفيتي بل كانَ قدّيساً يحظى بحبهم وتركَ رحيلهِ الأثر الحزين في نفوسهم حتى دفع بالكثير من منهم الى الإعتقاد انه سيعود الى الحياة ثانيةً !
بل أنَّ الناس في بلدة غوركي ومنذ لحظة وصول لينين للعيش في بلدتهم بتاريخ 25 سبتمبر 1918 كانوا ينتظرون منه معجزة ما ويحيطونه بحب إسطوري لكنه كرّمهم بإنهاء حياتهِ في بلدتهم لتكون قبلة للكثيرين فيما بعد من الذين أرادوا زيارة المكان الذي قضى فيه لينين أيّامهِ الأخيرة ...
لقد ألهم ذلك الرجل الملايين وراحوا يصارعون الزمن من أجل تحقيق الهدف الذي نذر حياته من أجله وهو تحقيق الاشتراكية وبناء صرح الدولة الصناعية العظيمة التي أراد ان تكون مثلاً لشغيلة العالم من أجل التخلص من نير الظلم والجور الطبقي الذي يلحق بهم على يد أعدائهم في كل بقعة من الأرض ، فإنطلقت الجموع لتحقيق كل كلمة جاء بها هذا العظيم فبدأوا بكهربة روسيا وإنشاء المصانع العملاقة وبناء مساكن جديدة للمواطن السوفيتي الذي أرادهُ لينين غنيّاً روحيّاً وفكرياً ... أرادهُ غنيّاً بضميره الحي الذي يساهم في تقدم المجتمع ويبني الأشتراكية بقوة وثبات .. أرادهُ ان يكون محرّراً من كل القيود التي كانت تكبّلهُ فيما مضى ...
ومنذ ان كان لينين في منفاه في المانيا وسويسرا وفرنسا تمكن من التحكم في الحدث في روسيا وأسهم فكريّاً في تنوير الطبقة العاملة بالهدف الحقيقي الذي يضمن لها حريتها وهو القيام بالثورة وبناء الاشتراكية ، كان يسخر من القول انه في روسيا لا توجد بروليتارريا ثورية وأنه لا يمكن تحقيق الاشتراكية في هذا البلد ...
لقد أشعلت الأفكار الثورية هذا البلد من الجذور ودفعتهُ للتحرّك للإنقضاض على جلاديه بعد الاحد الدامي الذي أثبت للعمال أنَّ نظام الحكم القيصري نظام قمعي مغرق في الجهل ...
ومن هذهِ النقطة إنطلقت الجماهير لتعبر عن دورها المحوري في صناعة التاريخ وليس أن تكون قوّة هامشيّة في سطورهِ ، في كلِ مكان في روسيا يمكن ان تشاهد لينين .. في كل مصنع .. في كل مكتبة .. في كل روضة للأطفال .. في مساكن الشعب التي غدت أكثر راحة مما كانت عليه في العهد القيصري ... في كل بقعة من اراضي الدولة السوفيتية التي أسّسها لينين يمكن أن تشاهد إنجاز تسبّب به ،في أرمينيا وأذربيجان وليتوانيا وطاجكستان وغيرها وإنطلقت تلك الثورة حتى بعد وفاتهِ لترسم للأجيال طريقاً وتجعل من العمل الاشتراكي أساساً في النهوض من أجل مستقبلٍ أفضل ، وبدلاً من ان تنحصر أفكارهُ في تلك البقعة من العالم تحوّلت تدريجياً الى منار هادئ وأمل لملايين العمال التوّاقين لمجتع إشتراكي شبيه بالمجتمع السوفيتي ، وأسهم لينين عملياً في إغناء الماركسية من خلال مؤلفاتهِ التي راحت تنتشر في أغلب بلدان العالم وأصبح من الصعب النطق بكلمة الماركسية دون ان تكون اللينينية بجانبها ، لا يمكن حصر سيرة لينين ببعض السطور فهو من أثرى الفكر وتحدّى أعداءه بصلابة جعلته يصل بالحزب البلشفي الى السلطة وإعلان قيام الدولة السوفيتية ولولا تلك الصلابة التي أبداها في حينها لكانت حوادث التاريخ تأخذ منحى آخر أو ربما لم تكن تلك الدولة تصمد سوى لبضعة سنوات ...
لم تكن سنوات الثورة الاولى سنوات إستقرار حقيقية فقد دعمت انكلترا وفرنسا واليابان المعارضة وإندلعت الحرب الاهلية في روسيا وتصدى الجيش الأحمر بتنظيم عالٍ لتلك الحرب وإنتصر على معارضي الدولة ونظامها الجديد ، وأصدر لينين أكثر من مرسوم في تلك الفترة بعد فضحهِ للحرب العالمية الاولى التي طالب بأن تكون حروب ثورية شعبية ضد حكومات الدول التي أشعلت الحرب من أجل إقتسام العالم وإعادة رسم خارطتهِ وفق الصيغة التي تضمن نهب مقدرّات الشعوب من قبل الدول المستعمِرة ...
أصدر مرسوم السلم الذي دعى من خلالهِ الى إنهاء الحرب والشروع في حل المشاكل الدولية من خلال المفاوضات ، كما أصدر مرسوم الأرض الذي حوّل الأراضي بموجبه لسيطرة السوفيتات (المجالس العمالية) ومرسوماً آخراً حول القوميّات والأقليّات وعملَ على أن تكون الدولة السوفيتية راعية حقيقية لمصلحة الطبقة العاملة ...
لعبَ لينين الدور المحوري في وقف آلة الحرب العالمية الأولى من خلال نشرهِ لوثائق سريّة وكذلك من خلال إبداءه الرغبة في وقف الحرب ، وقال بفمٍ مملوء انها حرب من أجل الاستعمار وليست من أجل الحرية وأوقف نزيف دماء مئات الآلاف من عمال العالم كانوا سيستخدموا وقوداً لتلك الحرب في حال لو إستمرّت أكثر من ذلك الزمن ....
وبقي طوال سبعة عقود رمزاً تاريخيّاً في سماء كوكبنا الى أن تفككت الدولة السوفيتية التي أنشأها عام 1991 ليدخل ضريح لينين في دائرة الجدل بين أبناء الشعب الروسي وممثليهم في البرلمان من الذين لا يزالون مقتنعون أنه لم يظهر شخص أعطى للأمة الروسية وشعوب العالم مثلاً جديراً بالإحترام كما أعطى لينين ، ولحد يومنا هذا ترى أغلبية الشعب أنه شخصية عظيمة لا يمكن أن تتكرر ولا يمكن لروسيا التخلي عنها لان ذلك سيعني التخلي عن تاريخ مشرِق ...
ربما كان الخطأ الأكبر في تصوّري هو الطريقة التي تعاملت بها الحكومات بعد وفاته في الاتحاد السوفيتي لتصوير لينين ووضع تماثيل له في كل ارجاء الاتحاد بينما كان يرفض هو حتى وضع صورتهِ في الدوائر والمؤسسات الحكومية ، لذلك راحت الحكومات المعادية للشيوعية تصف هدم تماثيل إنهياراً للإشتراكية بينما الواقع اليوم وبعد مرور سنوات على تفكك الدولة السوفيتية يوحي بأنَّ أفكار لينين عادت من جديد تنير الطريق أمام الشعوب لتبنّي الاشتراكية وإعادة بريقها من جديد وإن كانت بطريقة مختلفة فرضتها عوامل التطوّر التي تشهدها البشرية ....
فلن يمضي عقداً من الزمن حتى نرى الرايات الحمراء ترفرف من جديد في عموم القارة الامريكية الجنوبية وكذلك في بعض البلدان الاسيوية والافريقية وتعود صورة لينين ومعه ماركس الى الواجهة من جديد ...
رحل جسد هُ لكن أفكارهُ مكثت خالدة في عقول العمال وقلوبهم وستذكر الأجيال المقبلة ربما أكثر من جيلنا هذا المعلم العظيم ولأنَّ تلك الأجيال ستشهد عودة تطبيق أفكاره وتصوّراته عن الدولة والمجتمع ...
يبقى لينين بعد ماركس واحداً من أبدع منظري الاشتراكية والثورة الإجتماعية التي تهدف الى إحلال العدالة والقيم الإنسانية النبيلة ، ويمكن لنا رؤية مؤلفات لينين في جهات الارض الأربعة وفي بلدان عالمنا المعاصر تتوق جموع غفيرة لإستلهام العِبَرْ من تلك الكنوز التي خلفها لنا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لينين العظيم
حميد كشكولي ( 2009 / 1 / 21 - 20:56 )
سلمت يداك رفيقي العزيز فواز
وسيبقى لينين مشعلا في طريق النضال في سبيل تحقيق أهداف الجماهير الكادحة في الاشتراكية
ان التماثيل و الصور التي كلفت الطبقة العاملة الكثير بعد رحيله حقيقة كان لينين لا يقبل بها ويستهجنها لكن العبادة الشخصية كانت من بدع ستالين و البيروقراطية التي نهشت القيم الاشتراكية والمساواة في الاتحاد السوفييتي
والتصدي لمحاولات تحريف الماركسية اللينينة بات اليوم من اوليات نضال الماركسيين.. وفي مقدمة هذه التحريفات الباس لينين و الماركسية ثياب القومية الروسية لتبرير الشوفينية عند اليسار القومي وشق وحدة صفوف الطبقة العاملة العالمية التي ليس لها وطن ولا قومية


2 - مقال رائع
عبد الحميد حسن ( 2009 / 1 / 21 - 21:12 )
السيد فواز تسلم يداك على المقال الرائع ,
كان من الافضل توجيه النقد الى سياسة لينين في تقييد الحريات


3 - ما أحوجنا اليه الآن
أشرف الحفنى ( 2009 / 1 / 22 - 01:44 )
ما أحوجنا الى منهج لينين المناضل والمفكر الفيلسوف من طراز فريد ورائد ..نحن خاصه هنا فى الشرق الأوسط فى حاجه لمنهجه ..أكثر ربما من كلماته ...ومنهجه يقول لنا أن نبدع خاصه فى المسأله الأساسيه التى كانت سببا فى احراف اشتراكيى بلداننا وهى المسأله الوطنيه لقدكانت خطيئه الماركسيين العرب هى ومازالت انجرافهم وراء انحراف الماركسيه الى الستالينيه ..واعنى بها هنا الاعتراف العار باسرائيل ورغم ادعاء البعض بالبعد عن الستالينيه الا أنهم غارقين فى ضيق افقها وتقديسها للماركسيه كدين وجمل محفوظه مما جمدها وأفقدها جوهرها الثورى الحى ..وجعل أدعيائها مجرد تبريريين للرأسماليه والاستعمار


4 - الجيش الاحمر
اسماعيل ميرشم ( 2009 / 1 / 22 - 05:53 )
ألا ترى يا اخي الكاتب ان الجيش الاحمر استخدت القوة المفرطة للترهيب و لاسكات العمال والفلاحين من الاحزاب الاخرى لاجل اسكاتهم والاحتفاظ بالسلطة وباي ثمن
المتطرفون من شتى الالوان وفي مختلف الازمنة يستغلون الانسان وبمختلف الشعارات للاستاثار بالسلطة ومزاياه المغرية
احتراماتي


5 - ردود مختصرة
فواز فرحان ( 2009 / 1 / 22 - 09:22 )
رفيقي العزيز حميد ... شكراً لإضافتك فعلا تم تشويه نظرة لينين للكثير من الأمور ولم تكن الماركسية – اللينينية ذات يوم عقيدة جامدة وتتعرّض للتشويه كما هو عليه الحال في يومنا هذا وهي فعلاً مهمة ملقاة على عاتقنا جميعاً (تخليصها من تلك الهجمات) وشكراً جزيلاً لمتابعتك ..
عزيزي عبد الحميد ... شكراً لتقييم المقال ..موضوع تقييد الحرّيات في عهد لينين يأخذ شرحاً طويلا وأقتصر على القول أنَّ تسليح المعارضة الروسية وإستخدام أحزابها لضرب الثورة البلشفية هو ما دفع لينين وباقي قادة الحزب الى إعادة النظر في موضوع هذهِ الحريات ،فقد إستنفرت كل من بريطانيا واليابان وفرنسا كل طاقاتها من أجل إسقاط الثورة ومحاكمة قادتها خوفاً من أن تنتقل حمى هذه الثورة الى بلدانها ، نحن نحاسب حدث عاشهُ الشعب الروسي قبل خمسة وثمانون عاماً !! بينا يعاني عالمنا الذي نعيشهُ اليوم أضعاف ما حدث في الأيام الاولى للثورة البلشفية من تقييد للحريات وتعتيم على الكثير من القضايا التي تخصّ حياة الجماهير وأعتقد أنّكَ تشاركني الرأي في أن ما يحدث في عالمنا وخاصة في الدول المتقدمة من تقييد للحريّات يتجاوز ما حدث في روسيا بحجة مكافحة الارهاب ..
تحياتي لك
العزيز أشرف .. الاعتراف باسرائيل ربما أفقد الاتحاد السوفيتي تعاطف الملايين من ال


6 - شكراً أيها العزيز فرحان
الحارث السوري ( 2009 / 1 / 22 - 16:13 )
لقد استشهد المعلم لينين برصاص غدر حزب البوند العنصري الصهيوني ليرسم لشعوب العالم المضطهدة بدمه ونضاله وصلابته وفكره السديد طريق الخلاص للتحرر وبناء الإشتراكية والسلم أمل الشعوبوالطبقات المضطهدة قهل يتعلم العرب طريق خلاصهم من أنظمة الإستبداد والعنصرية والإحتلال ..؟؟

اخر الافلام

.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم


.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال




.. عصر النهضة الانجليزية:العلم والدين والعلمانية ويوتوبيا الوعي


.. ما الذي يجمع بين المرشد الإيراني وتنظيم القاعدة واليسار العا




.. شاهد: اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين يطالبون باستقالة رئيس وز