الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في وداع أمير الدراجي (نخلة عراقية في صقيع النرويج)

نادر قريط

2009 / 1 / 22
حقوق الانسان


توفي يوم الثلاثاء الموافق 20يناير في مدينة للي هامر النرويجية، الكاتب العراقي أمير الدراجي عن عمر ناهز واحد وستين عاما. ولد في مدينة الناصرية ـ العراق وإلتحق أواسط السبعينيات بالمقاومة الفلسطينية في بيروت، وغادرها عام 1999 إلى النرويج.
منذ مدة لم يجب على إيمالاتي، آخر مرة لم يكن يقوى على الكلام،.. رحل أمير إذن؟ إلى أين؟ لا أدري؟ إلى حيث السؤال الذي كان يعذب مواطنه كلكامش .. ياللصدفة كلاهما من الناصرية !!
بعد بحث مستعجل في خزنة الذكريات عثرت في على صفحة "قيد الإنشاء" إفتتحها بخيتومة تقول: محاولة اخيرة للعبث وتمضية الوقت بالمشاغل منعا للموت والغياب.
http://www.amirdaraji.com/
وفي أحد النصوص عنوانه: سيرة غير ذاتية

الاسم: امير داود الدراجي "ابو جودة"، من
سكان مدينة الناصرية ،يسكن النرويج

سيرة حياة مزعجة مثيرة للغثيان ، ينتمي للعزلة مع سبق الاقرار
كراهية كبيرة للبشر وعدم ثقة بالانتماء لهذا الجنس المفترس.. وهكذا من يحمي كراهيته يعرف تماما كيف يعتق حبا صالحا لسكرة الحياة ،ومن يعتق حبه سيفسده فضول الكراهية ..
عشرة كتب ربما تصلح بهذا الكوكب للنشر والصداقة، إذ ثمة أزمة نفاية كبرى تحدثها الثقافة والمعرفة، وهذا يعني توظيف زبالين كثر لتنظيف هذا الكوكب من ثقافة الارهاب المزينة بالمقدس والوعد الفاضلة، كل الفضائل أصبحت مأوى للفاسدين القتلة .. نحن بحاجة لعالم يؤرخ المستقبل ويرزم التاريخ للمحرقة، انه ارشيف الفشل والهزائم والعار،كيف ارتضينا كل هذا القبح والوثنية والتشمّع الادبي بتقبل تاريخ كل ما فيه أذى لانسانيتنا؟ (إنتهى)
لكن هل تودون أن أخبركم كيف عرفته؟
في هذا الجهاز اللعين الذي تقرأوون فيه، ففي يوم ما من ديسمبر 2006 فتحت أحد المواقع المعروفة، فوجدت عنوانا عريضا يقول: عن ابي سفيان تعقيبا على د. عبدالخالق حسين "أبو سفيان : قبلة على ظهر قنفذ"
http://www.amirdaraji.com/abi%20sfyan%20mk.htm
لكن قبل أطلعكم على بعض ما خطّه أمير إلى د. عبدالخالق حسين عليّ أن أخبركم بأن "أبو سفيان" هو لقب إستخدمه كاتب السطور في التوقيع على تعليقاته ومداخلاته التي طالما سببت إزعاجا لبعض كتاب النيو وهابية. وكم كانت المفاجأة وأنا أقرأ:

عزيزي الدكتور، هنا أستغل المناسبة كي أسأل عن، أهم شخص قرات له عبر تعليقاته الرائعة فأصبح سببا في تصفحي بعض الكتابات التي لا أقلب مدونها إلا بسبب البحث عن تعليقاته، إنه قارئ أجمل من الكتاب. هذا الرجل جعلني أسيرا لفضول التعرف عليه وهو ابو سفيان وأظنه من الاخوة الفلسطينيين اخوال بناتي !! كما تضمّر تعليقاته. ثق يا دكتور إن هذا الشخص أبحث عن تعليقاته أكثر مما أبحث عن جديد فوكوياما...هؤلاء من الصعب إدخالهم في ثنائية السياسة والتفكير الأمني إما هنا أو هناك.. هذه لغة صدام ولغة الحكيم وصولاغ والزرقاوية الباسلة وكل عتاة الارتزاق الليبرالي الجديد ممن باع التحرير بدولارات سخية..ثم يختم:
إنني أطارد كتابات هذا الشخص؟؟؟ الذي أشعر أن خصامه أجمل من وفاقنا...وكم أتمنى أن أعرفه او أعرف أين تنزوي شخصيته في هذه الكرة الارضية الضيقة؟ سلاما أبو سفيان فأنا أضع قبلتي على جلد قنفذ هاربا من قبلة على هفيف الحرير في عاصفة(إنتهى الإقتباس)
بالتأكيد لم أكن أستحق هذا المديح لكني شعرت بحرارته ودفئه وببعض النرجسية فكتبت لأمير إيميلا عرفته عن نفسي في محاولة لإزالة بعض الأقنعة:
تحية وبعد:
يسعدني أن أكتب إليك...وأشكرك على هذا الدفق الإنساني الذي قرأته بين سطورك. الغريب أنك كتبت عن إنسان إفتراضي أو شبح مقدود من أديم الكلمات، والأكثر غرابة أن أبا سفيان الذي يمتشق سيف اللغة، يشعر بأنه يقترف مخادعة لا أكثر ..فهذه اللغة التي احتكرها المقدس وجندها ..تتعثر بأحجار الحقيقة بطريقة ما ...فالإنتقال منها إلى لغة الروح. هو انتقال جوهري في آليات العقل ..انتقال من العفوية والعذرية إلى عالم يخضع إلى التورية والمخاتلة واستخدام تقنيات اللغة الرفيعة ..لذا فإن كل تعليقاتي وإن كانت حقيقة وشهادة أمام محكمة الحياة ..لكنها شهادة مفعمة بالشعر لأنني أعرف أن هذه المحكمة فاجرة لاأكثر...أما بطاقتي الشخصية التي أقدمها للبوليس فتقول أني سوري، درست الهندسة المدنية في بغداد، وأعيش حاليا في النمسا (إنتهى)
ولم تمضي سويعات النهار حتى بلغني ردا أقتبس منه مايلي:
ماذا اخبرك ، فالرحلة طويلة وشاقة جدا ، انها حوار التعاكس بين من جعلتهم المثلية السياسية ضحايا تأييد هنا ومعارضة هناك فيما كلا الفلقتين من جذر واحد وفريق واحد ..لكن الانبياء انفسهم خلقوا نفس الكذبة وجعلوا الحياة مكانا صادقا لممارسة المزيد من الكذب .. ماذا أقول لك .. قبيل يوم من كتابتي المقال كنت في حوار صداقي مع عبد الخالق على التلفون ، ومع الحوار اسئلة طبية أحاول بها إنقاذ الباقي من صحتي لأنه طبيب كما تعرف ، ولأنني في طريقي الى الشلل، ومع ذلك أنا متعجرف على المرض .. فثمة إصابات في جسمي من رصاص وشظايا خلال الحرب اللبنانية .. كان هذا الصباح جميلا جدا بحضور رسالتك الاثيرة... وكنت أحتاج لمن أقيم معه عزاء الكلمات فاخترتك كمرايا صادقة تأخذني إلى وحشة التيه والضياع والانكسارات الفولكلورية كما يحدث دائما مع .. الشعب العراقي فهو مصاب بسعار الاستدماء. الآن هو منعدم التوازن لذا أنا أعذر فورات الآراء السكرانة بالانتقام والقتل والغضب فكلها فخاخ تقوده الى الانتحار النهائي وسوف ينتحر وطن الف ليلة والسندباد للاسف ، إذ لا نملك أن نوقف موته وانتحاره ..
لا لم تكن شبحا فكل الحاضرين بأجسادهم يمارسون الشبحية .. إنها خيارات القهر البيولوجي الذي أوجدنا بأجسام وحواضر لا نملك تبديلها وإبطال دوافعها .. بيننا خلافات هائلة وأفكار سممها الإكتساب التعبوي ، ولكن بيننا ود الخصام وود التحاور البعيد عن التكفيرية المتعددة الوجوه .. وهكذا أشعر بقوة الصدق وطاقة العرفان وهي تحفر بروحي حيثما أقرا تعليقاتك ، ولعلك من جدد طاقتي للحوار وأوقف العزلة والعودة للكتابة بعد عدولي وشحة إطلالتي في الكتابة ، فأنا الان زاخر بالحيوية والفضول، ولعلي مدانا بالشكر لك بعد ان فخخني الموت والضمور والشلل .. هناك ثلاثة أطراف شبه معطلة في جسمي (ساقاي ويدي اليسرى ) ما خلا يدي اليمنى التي أكتب بها وباصبع واحد ، أشعر بتعب وصعوبة في السير أنا الذي كنت بطلا في الجمباز والسباحة ، وكنت أيضا الاول في الدورات العسكرية القتالية الصعبة حيث المسير لايام دون كلل .. أعيش وحدي ولا اطيق الصداقات.... ساتصل بك حتما لان تلفوني مجاني وهو تقنية تثبت نظريتي في سقوط الجغرافيا او الطبغرافيا العمياء في عصر الانترنيت ... شكرا للثقة والمراسلة وهذا سيزيد من حيوتي وتفاعلي .
طبعا أعيش في مدينة صغيرة بعيدا عن ضجيج العرب والآسيويين والبلقان والشعوب المنتحرة ، وهي كونجسفنجر التي تطل على نهر يشبه الفرات كمن يعلب ذاكرته الجغرافية في جريان نهر عظيم
مع كل الحب (إنتهى)
وداعا أمير، صحيح أننا لم نلتق بعد، فقد كان كرسيك يمنعك من الإنتقال، لكني أحس بأننا سنلتقي في مكان ما وفي زمن ما، وسأراك فيما كتبت وما بين سطور ملحمة كلكامش. عزائي لأهلك وأحبتك وبناتك (راحيل وبغداد ونينوى) إيه يا صديقي كم أحببت أسماءهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقا يا نادر ..هذا رجل يستحق الوقوف دقائق حداد لاجله
ابراهيم البهرزي ( 2009 / 1 / 21 - 20:22 )
تحية لك اخي نادر
بالامس قرات في احد المواقع نبا رحيل امير الدراجي
كل التفاصيل التي ذكرتها في مقالك هذا لم اكن اعرفها
فقط كنت اقرا لكاتب تشدني اليه لغته المختلفة عن لغات الكتاب الاخرين ..كان البعض يعتبرها اصطناعا
غير انني كنت اقراها بشغف واتابعها واعتبرها اجتراحا
وكانت المشكلة انني كنت الاحظ غياب كتابات الرجل لاوقات طويلة ولم اكن اعرف شيئا عت علله البايولوجية
اشعر بالذنب لانني لم اتراسل معه حين كان يغيب
واطلب من مثقفي الناصرية الشرفاء -وليس من اتحاد ادباء العراق الغفيان على بار عرق- اطلب من هؤلاء الزملاء الافاضل اقامة تابين يليق بهذا الراحل النبيل

شكرا اخي نادر قريط على وفاءك

ابراهيم


2 - حزنت للخبر
سعيد علم الدين ( 2009 / 1 / 21 - 21:19 )
ولرحيل امير من امراء الكلمة. لقد كانت كتاباته مميزة غريبة ومختلطة. لم اقرا له الكثير. الا ان قليله هو الكثير. تحية الى العراق بلد الثقافة والفكر.
تحية من لبنان الى روح الكاتب المميز امير الدارجي


3 - كان صادقا بحق
خالد صبيح ( 2009 / 1 / 21 - 21:21 )
كان صادثا بحق
سمعت منه على النت مرة انه يحمل في جيبه دائما حبوب لكي يستطيع الانتحار اذا ماقرر ذلك فجاة.


4 - إستدراك
نادر قريط ( 2009 / 1 / 22 - 10:50 )
أولا أشكر الأخوة الذين تجشموا عناء قراءة هذا النص (الذي كتبته على عجل وبدون مراجعة) وأشكر الأخوة ابراهيم وسعيد وخالد على ترك توقيعهم. وبإمكاني أن أضيف بأن الراحل إمتلك حسا ملحميا شعريا في كتابة نصوصه، وله محاولات لإجتراح لغة بودليرية خارجة عن المألوف، تعتمد أحيانا العصف الذهني والنشوة الصوفية والبحث عن المعنى الغائب للدلالة.. للأسف أقول كان بإمكان الدراجي أن يكون شاعرا عظيما.. ،


5 - الخلود الدائم
محمد خليل عبد اللطيف ( 2009 / 1 / 22 - 17:49 )
تحيتي اليك استاذ نادر للمسة الوفاء التي تمتلكها بحق مبدع للاسف لم ينل نصيبه المستحق من التقدير والتكريم...سيظل حيا بابداعه

اخر الافلام

.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف


.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال




.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي


.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:




.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي