الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصورة النمطية للمرأة في الاعلام العربي

نجاح العلي

2009 / 1 / 23
الصحافة والاعلام


ما يزال الإعلام العربي على الرغم من التطور التقني يقدم المرأة بصورتها التقليدية النمطية، أو بالصورة المعلبة للنموذج الغربي لمفهوم الموديل، وهو ما يجعلها وسيلة للجذب الجنسي ولتشجيع وزيادة الاستهلاك، على اعتبار أن نموذج المرأة الحديثة هو نموذج المرأة المستهلكة، ولأن هذه الصورة التي تبثها بشكل مكثف وسائل الإعلام العربية، وبحكم وقع الصورة المؤثر في زمن الصورة، تدفع المرأة ذاتها إلى تبني الصورة السلبية عن نفسها والتماهي مع هذه الصورة للظهور بمظهر المرأة الحديثة من الزاوية الشكلية.
وهي صورة لا تعكس الجانب الحقيقي والواقعي لمشاكل المرأة وطموحاتها الحقيقية، ولا تضعها في الصورة المتطرفة للمرأة الغارقة في عواطفها التي تفسد عقلها، أو التي تقتل عواطفها من أجل طموحات غير مشروعة من وجهة النظر الاجتماعية، لذلك لا نجد في الإعلام العربي صورة للمرأة المتوازنة القادرة على أن تكون أماً حقيقية وصاحبة طموح وموقع لايتناقض مع دورها كأم، فدور المرأة كفاعل اجتماعي لايقل أهمية عن دورها كأم، ولايمكن وضعهما في مواجهة بعضهما.
ان وسائل الاعلام الجماهيرية التي تشمل الفضائيات التلفزيونية والقنوات الاذاعية والصحف والمجلات والمنشورات والمطبوعات والسينما والمسرح والمهرجانات والندوات والمؤتمرات، كل هذه لعبت دورا في التأكيد على حرية المرأة واعطائها حقها في المشاركة بقوة في بناء المجتمع وتم التعويل كثيرا على وسائل الاعلام في دفع عجلة خطط التنمية الى امام.
ولقد لعب الإعلام ومازال دورا كبيرا في ترسيخ حقوق المرأة وتفنيد وإزالة الأفكار المغلقة والمتخلفة وابراز دورها الحقيقي في بناء المجتمع خاصة في البلدان العربية التي تسعى الى ان تضع خططا وبرامج تنموية للنهوض بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتردي، للحاق بركب الحضارة، لكن مع الأسف الشديد يزداد البون الشاسع بين الدول المتقدمة او ما تسمى بدول الشمال وبين الدول النامية او ما تعرف بدول الجنوب، اذ ان معظم خطط التنمية تهمل او تتغافل عن مكانة ودور المرأة في تحقيق هذه الخطط واثبتت التجارب ضرورة إعادة النظر فيها واجراء اصلاحات جوهرية دستورية وقانونية لكي تتحقق البرامج التنموية المنشودة. واولى هذه الخطوات كانت عن طريق الكتب والمنشورات والصحف قبل ان يظهر التلفزيون خاصة في كتابات احمد امين في مصر وجميل صدقي الزهاوي في العراق وغيرهم الكثير حيث دعوا في كتاباتهم الى ضرورة انصاف المرأة المقيدة بأعراف وتقاليد بالية عفا عليها الزمن وربطوا بين تحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية والتقنية وبين تحرير المرأة.ان تأثيرات الكتاب المجددين غير التقليديين في تحقيق مطالب المرأة في المساواة والحرية وإزالة الغبن عنها كانت محدودة في الطبقة المثقفة او طبقة النخبة لقلة عدد الذين يجيدون القراءة والكتابة في ذلك الوقت وانخفاض مستوى الدخل الذي يحول دون قدرة جميع القراء على شراء المطبوع والاطلاع على مضمونه، لكن رغم ذلك تنامى دور المرأة في الحياة العامة وبرز ذلك واضحا في مشاركتها في المظاهرات والمهرجانات والندوات والمؤتمرات وظهور مجلات وصحف خاصة بها. بعد هذه الفترة ظهرت الاذاعات والتلفزيونات تبعتها القنوات الفضائية التي تبث عبر الأقمار الاصطناعية وفي ظل هذا الكم الهائل من المؤسسات الاعلامية الذي جاء نتيجة التطور التقني في مجال الارسال والبث والاتصالات لاتكاد تخلو مؤسسة اعلامية من برامج نسائية تتكلم عن المرأة وحقوقها ومشكلاتها ورفع مستواها التعليمي والثقافي واستنفار طاقاتها الكامنة للوصول الى الأهداف والطموحات المرجوة التي تعود بالفائدة على المجتمع كله وليس على المرأة فحسب. أما في الوقت الحاضر فقد ظهرت فضائيات متخصصة عن المرأة سواء كانت غربية او عربية، وما يهمنا هنا الفضائيات العربية، فبالرغم من ان ظهور هذه الفضائيات خطوة ايجابية لكن هناك بعض المآخذ عليها هي وبعض البرامج التي تقدم في الفضائيات المتنوعة الاخرى، وتتلخص هذه المآخذ بانها تركز على الازياء والتجميل وكيفية الحفاظ على البشرة وتقليل الوزن او زيادته والاثاث المنزلي وهذه البرامج كلها يمكن وضعها في خانة البرامج الترفيهية.واعتبر بعض منظري الاعلام ان التخصص الإعلامي هو من صفات العصر الحديث الذي نعيشه فهناك مؤسسات اعلامية رياضية واخرى سياسية واخرى تعنى بالفن والفنانين وايضا هناك مؤسسات اعلامية دينية بحتة الى جانب ذلك هناك مؤسسات خاصة بالنساء سواء كانت دار نشر ام منظمة ام جمعية ام جهة حكومية ام وزارة ام فضائية، وان استغلال الإمكانيات المتاحة في انشاء مثل هذه المؤسسات، فرصة ذهبية من اجل النهوض بواقع المرأة المتردي من اجل بناء المجتمع على أسس صحيحة من خلال تركيز القائمين على هذه المؤسسات على برامج تثقيفية وتنويرية تسهم بالأخذ بيد المرأة والوصول بها الى شاطئ الأمان، شاطئ الحرية والمساواة والعدالة بعيدا عن الغبن والاضطهاد الأسري والقبلي والعشائري من خلال تفعيل دور القانون وجعله المرجعية عند الاحتكام للتخلص من الظلم الذي لحق بها على مدى العقود السابقة وان لاتكون الإنجازات التي تحققت لصالح المرأة في الدستور مجرد حبر على ورق.
إن الانتشار الواسع للفضائيات العربية، يفترض أن يجعلها عاملاً مساعداً في تحسس القضايا الملحة والمباشرة للمجتمعات العربية، وليس وسيلة للتسلية فقط. وقد نجحت الفضائيات في رسم صورة واضحة للعديد من المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية، وبحكم ضعف إمكانية الرقابة عليها، استطاعت أن تتعامل مع قضايا حساسة بالكثير من المسؤولية، وأن تعطي صورة واضحة عن الواقع العربي البائس كتصوير الوضع المأساوي في أكثر من مكان من العالم العربي، ولكنها في موضوع المرأة بقيت محافظة على بث صورة تقليدية عنها. والاستمرار في تعزيز هذه الصورة على هذه الشاكلة، يبقي أوضاع المرأة العربية في حالة يرثى لها تحت ضغط الواقع من جهة، وتدمير وسائل إمكانية الخروج من دائرة القهر التي تقع المرأة تحت وطأتها.
ان المستقبل القريب مليء بالامور الايجابية وعلى المرأة ان لاتنتظر ان يمن عليها احد ما باعطائها فرصتها الحقيقية في بناء المجتمع بل ان تبادر من خلال المشاركة بفاعلية في الحياة العامة لوضع الاطار العام للحقوق والواجبات لكل إنسان بغض النظر عن الجنس والدين والمذهب والقومية خدمة لها وللاجيال اللاحقة وللمجتمع بصورة عامة.
إن معظم الصور التي تقدمها الفضائيات العربية للمرأة تفتقر إلى معالجة الواقع الحقيقي للمرأة في المجتمع، الواقع الحي الذي تواجهه يومياً، فمعظم هذه الصور تقدم المرأة بلاطموحات ولاوجهة نظر في القضايا العامة، ولا حتى مشاكل طبيعية مع محيطها الطبيعي، وأكثر من ذلك تقدمها بلاطموحات شخصية تتجاوز جدران المنزل، والمفارقة التي نجدها في هذا الإطار، هي حتى النساء العاملات يحلمن فقط في المنزل، ولانجد لهن طموحاً خارج المنازل أو في إطار العمل، وتصور المرأة العاملة التي تملك طموحات مشروعة خارج المنزل بأنها مجردة من مشاعر الأمومة، ومعتدية على العادات والتقاليد، وهي تخوض الصراع مع المجتمع الذي لابد من أن ينتهي بإقرارها بالخطأ الذي ارتكبته، وبالتالي عودتها إلى المنزل من جديد.
ان ضرورة المرحلة تتطلب وجود برامج تعنى بأشياء جوهرية في حياة المرأة مثل انتقاد بعض التصرفات التي تمارس ضدها في مجتمعاتنا وإدانة التمييز بينها وبين الرجل وضرورة مساواتها به وتسليط الضوء على الإنجازات التي تحققت على المستوى القانوني والدستوري مثل ما حصل في العراق حيث اقر الدستور العراقي الجديد الحقوق السياسية للمرأة، في حقها بالترشيح والانتخاب في الانتخابات البرلمانية رغم ان المرأة في بعض دول الجوار العراقي مازالت تصارع من اجل فقط الحصول على حق الانتخاب وليس الترشيح. ولا اعلم لماذا يتم التركيز في البرامج المتعلقة بالشأن النسائي التي تعرضها الفضائيات العربية على البرامج الترفيهية ــ كما ذكرنا آنفا ــــ وإهمال البرامج المحورية هل هو جهل بحرفية العمل الإعلامي او هو تعمد لاجل ابعاد المرأة عن مطالبتها بحقوقها في الحياة العامة والهائها ببرامج لا تسمن ولا تغني من جوع، اعتقد انها برامج تستخف بعقلية المرأة، التي اثبتت تجارب الحياة انها قد تتفوق على عقلية الرجل من خلال تبوئها مناصب عليا سواء كانت سياسية او حكومية والامثلة على ذلك كثيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس