الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم (اللعبة الديمقراطية) ومخاطر تزوير الانتخابات !!

كريم عبد

2009 / 1 / 23
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


خلال أزمنة طويلة مظلمة قدم العراقيون تضحيات لم يقدمها أي شعب من أجل تحقيق العدالة. والعدالة في العالم المعاصر تعتمد أساساً على دولة القانون والنظام الديمقراطي. والأسس الأربعة التي تعطي للدولة الديمقراطية شرعيتها، هي : الحريات الفردية. الحريات العامة. استقلال القضاء. ثم التبادل السلمي للسلطة. والنقطة الأخيرة تعتمد على نزاهة الانتخابات الديمقراطية. فعلى النزاهة والشفافية في اجراء الانتخابات يعتمد مشروع تحقيق العدالة ويتقرر مستقبل العراق.
وهذا يعني أن من يعمد إلى تزوير الانتخابات أنما يتلاعب بمصير العراقيين ومصالحهم، فهو يريد إعادتهم إلى سنوات الظلم والحرمان لأنه يقوّض الديمقراطية من داخلها.
أن هذا الموضوع، أي تزوير الانتخابات، رغم حساسيته، تبدو عواقبه غير واضحة لدى قسم من العراقيين، فربما تصوّر البعض أن الضرر الذي سينتج عن تزوير الانتخابات في هذه المحافظة أو تلك، هو مجرد فوز قائمة معينة بعدد من المقاعد التي لا تستحقها ولسنوات معدودة.
وإذا كانت هذه النتيجة بحد ذاتها تعتبر مخالفة صريحة للقانون، لكنها ستبدو صغيرةً إذا ما عرفنا الأضرار الجسيمة الأخرى المترتبة عليها، أي تلك الاضرار التي ستلحق بمبدأ التبادل السلمي للسلطة جراء أي تزوير يحدث. ومن هذه الأضرار :
أولاً : أن قيام أية جهة بمحاولة تزوير الانتخابات، سيدفع أو (يبرر) للأطراف الأخرى القيام بنفس العمل المشين، أي أن ظاهرة التزوير ستتسع بالعدوى، لتتكرر في الدورات القادمة وفق مقولة : ما دام الآخرون قد زوروا فلماذا لا نزور نحن !! وهي الوجه الآخر لمقولة: ما دام الأخرون ينهبون المال العام فلماذا لا ننهب نحن !! ما يدفع لخلق حالة من عدم الثقة بالعملية الديمقراطية برمتها. وهذا سيؤدي إلى نوع من السلوك السلبي والشعور بالخيبة لدى الرأي العام بالجهات المسؤولة وصناديق الأقتراع التي تُعتبر عنوان التحضر وسر تقدم الدول في العالم المعاصر.
ثانياً : أن ثقافة تمزيق صور المرشحين وشعارات القوائم الانتخابية، ينطوي على رغبة مسبقة بتزوير الانتخابات، أي التأثير على نتائجها بطريقة غير مشروعة. وربما تدل عملية التمزيق على عجز في تحقيق تلك الرغبة. لكنها في الحالتين تدل على ضعف الشعور بالمسؤولية الاخلاقية في صيانة حق المواطن في الأطلاع على طبيعة برامج القوائم الانتخابية ومرشحيها. وهذا بحد ذاته يُعتبر إنتهاكاً لقواعد اللعبة الديمقراطية واستهانة بمشاعر العراقيين ورغبة بقهر إرادتهم !!
ثالثاً : أن مقولة (اللعبة الديمقراطية) الشائعة في الأدبيات الغربية، لا تعني أن (يلعب) كل طرف على الأطراف الآخرى كما فهمها البعض عندنا !! إنما (اللعبة الديمقراطية) تعني أن يمارس الجميع العملية الديمقراطية بروح رياضية سواء فاز الطرف المعني أو خسر. ففي التبادل السلمي للسلطة عبر الانتخابات، لا يوجد طرف خاسر دائماً ولا طرف فائز دائماً. فالمهم هو فوز الديمقراطية لأنها الضمانة الوحيدة لتطور الدولة والمجتمع.
أن عدم فوز قائمة معينة لا يعني هزيمتها النهائية، بل يُفترض بها أن تراجع برامجها ونقاط ضعفها كي تتلافها في الدورات القادمة. وهنا يكمن معنى التبادل السلمي للسلطة، أي عندما يلتزم الجميع بأصول اللعبة الديمقراطية وليس التلاعب على القوانين. لأن التلاعب على القوانين هو مثل الخيانة، لا يمكن إعتباره وجهة نظر.
على أساس هذه الروح الديمقراطية تعتمد الثقافة الحقوقية للدولة التي يعتمد عليها الأمن الإجتماعي والتطور الاقتصادي. أن التبادل السلمي للسلطة بين الأطراف المختلفة يعني أستمرار التوازن الإجتماعي واستمرار ثقة المواطنين بدولتهم ونظامهم الديمقراطي باعتباره صمام أمان المستقبل.
مثال : في بريطانيا وخلال الإنتخابات العامة في 1996 وكان حزب المحافظين قد تكرر نجاحه في الانتخابات لثلاث دورات سابقة. قال أحد أقطاب حزب المحافظين نفسه :( بدأت أخشى على الديمقراطية في بريطانيا بسبب ضعف المعارضة ) أي أنه أعطى دفعة معنوية للمعارضة على حساب حزبه، أي أنه شجع الجمهور البريطاني على إنتخاب أحد أحزاب المعارضة وبالفعل فقد فاز حزب العمال وقتها.
ولكن ما هي دوافع ذلك القائد في حزب المحافظين لأتخاذ ذلك الموقف ؟! هذا الرجل مثل بقية قادة الأحزاب الديمقراطية في بريطانيا، يُدرك بأن مستقبل الدولة البريطانية ومصالح شعبها وتعدديته الثقافية، تعتمد على التبادل السلمي للسلطة، وليس على الأستحواذ على كرسي الحكم. لأن استمرار حزب واحد أو إتجاه واحد على حكم البلد سيؤدي إلى تعفن الثقافة الحقوقية للدولة وسيلحق أضراراً مادية ومعنوية بالاتجاهات الآخرى إذا استمرت في حصاد الخيبة فقط، فالإدمان على الخيبة والخسارة من قبل الاتجاهات الأخرى سيؤدي بالتراكم إلى التطرف ومن ثم تفكك المفاهيم الديمقراطية. بينما الاتجاه الذي سيستحوذ على زمام الأمور سيبرر الأخطاء ويكرس الفساد المالي والإداري، فتتسع المظاهر السلبية داخل الدولة على حساب حرية المواطنين وحقوقهم وأولها حق الأحزاب والاتجاهات الأخرى بالمشاركة في تحمل المسؤوليات الرسمية. ولنأخذ العبرة من نتائج تعفن الديمقراطية في العهد الملكي عندنا، حيث أدى ذلك إلى ترجيح خيار الإنقلاب العسكري الذي سرعان ما تكرر ليُنتج لاحقاً ديكتاتورية صدام حسين، حيث خسر الجميع ولم يربح أحد. لقد خسرنا القرن العشرين جراء ذلك، فهل هناك جهات سيقودها الجهل وغواية السلطة لتجعل العراقيين يخسرون القرن الواحد والعشرين بنفس الطريقة ؟!!
رابعاً : أحدى عمليات التزوير التي حدثت في أحدى دوائر الانتخابات السابقة، كما رواها لي شاهد عيان، تمت بالشكل التالي: كانت الدائرة الانتخابية في مدرسة، وكانت صناديق الأقتراع موجودة في عدة صفوف، وكل ناخب يذهب لأحد الصفوف ليدلي بصوته مرة واحدة طبعاً، لكن جمهور الناخبين التابع لأحد الأحزاب المتنفذة، كان كل ناخب منه يدخل لجميع الصفوف، أي يدلي بصوته لعدة مرات !! ولكن ماذا نتج عن ذلك ؟! هل هي مجرد مسألة كسب أصوات إضافية ؟ لا طبعاً. النتيجة الأخرى هي أن هذا الحزب مسخ أخلاق جمهوره ومحازبيه الذين قاموا بعملية التزوير تلك، أي الذين أدلوا عدة مرات بأصواتهم خلافاً للقانون وخيانة للأمانة الوطنية. أي أنه سهّـل لهم ودربهم على مخالفة القانون. ما يجعل من المتوقع أن يُعيد هؤلاء نفس هذه الفعلة في أماكن أخرى غير الانتخابات. والسؤال هو : أية أحزاب هذه التي تمسخ أخلاق محازبيها وأنصارها من أجل الفوز بمقعدٍ سوف لن تمارس من خلاله سوى المزيد من الفساد وتعطيل الخدمات ونهب المال العام ؟! أية أحزاب هذه بحق السماء ؟!
خامساً : إن التساهل أو الصمت عن أية عمليات تزوير تقع في هذه الدائرة الانتخابية أو تلك، ينطوي على خطورة تبرير التزوير في شؤون الدولة الأخرى، لا سيما وأن الجهات الرسمية لم تحسم لحد الآن قضية ( حملة الشهادات المزورة !!) الذين سرقوا فرص غيرهم من المواطنين واحتلوا مواقعَ هم غير مؤهلين لها، ما انعكس سلبياً على عموم عمل الدولة، وكان هذا أحد أخطر مظاهر الفساد الإداري الذي ساهم في تردي الخدمات العامة وتراجع الاقتصاد العراقي. فأصبحت مشاعر الحقد على الدولة تنمو باطراد لدى الفئات المتضررة جراء الإقصاء والتهميش القسري. وإذا استمرت هذه المظالم فلا أحد يستطيع إيقاف عودة الأفكار الإنقلابية لدى الجمهور المتضرر من كل ذلك.
سادساً : وهنا تكمن النتيجة الأكثر جسامة لتزوير الانتخابات، فإذا كان أساس النظام الديمقراطي يعتمد على حيادية مؤسسات الدولة وشفافية تعاملها واعتمادها المعايير المهنية في التعيينات، فإن البعض عندنا فَهمَ الفوز بالانتخابات كما لو كان انقلاباً عسكرياً، فالحزب الفائز في محافظة معينة يعتقد أن من حقه تغيير طاقم الموظفين واحلال المحازبين والمحسوبين عليه محلهم، وليس أدل على ذلك من وجود مجالس محافظات أو وزارات مغلقة على حزب أو طائفة أو قومية معينة !! وهذه ظاهرة لا مثيل لها في جميع دول العالم !!
أننا هنا لسنا أمام نقص في الثقافة الديمقراطية، إنما أمام وعي سياسي رث غرائزي ومشوّه، لأنه في جميع الدول الديمقراطية، تبقى الأطقم الإدارية والتقنية في المرافق الخدمية ثابتة، أي لا علاقة لها بنتائج الانتخابات، بعد أن تكون قد عُينت على أساس الخبرة والكفاءة والنزاهة فقط، وليس من خلال الهويات الحزبية أو الطائفية كما هو حاصل في (العراق الجديد) ويا للغرابة !!
وأخيراً، إذا كانت الرغبة بتزوير الانتخابات ناتجةً عن نوازع قهرية وثقافة رثة، فأن التزوير سيكون سبباً في تكريس وتعميم الرثاثة والقهر في أروقة الدولة، وهذه إهانة للدستور وخيانة لتضحيات العراقيين التي لا يمكن أن تذهب هدراً. فمن يريد إعادة التاريخ إلى الوراء لن يحصد غير الندم والخسارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثمة امل
خالد صبيح ( 2009 / 1 / 22 - 21:13 )
ولكن للاسف ياعزيزي ان التاريخ يمكن اعادته للوراء، فالارتداد في وعي الفرد ‏والمجتمع في العراق الان حالة عيانية على هذا الارتداد المتسرب في الوعي ‏والذائقة. ولهذا أنا اجد ان ماتقيمه من مقارنات بين ديمقراطية مبنية برصانة تاريخية ‏طويلة، كالديمقراطية البريطانية، وبين مايحدث عندنا الان في العراق، رغم اهمية ‏ذلك تربويا، هو مقارنة يمكن وصفها بغير العملية على اقل تقدير. ثم وهذا الاهم ‏برايي ان فكرة بناء الديمقراطية ينبغي ان تكون لها رافعة اجتماعية، وركيزة عقلية ‏ثقافية مجسدة بقوى مادية تستطيع وضع معاييرها( أي الديمقراطية) في عملية ‏التشكيل الاجتماعي والسياسي الجديد. وهذه القوى هي الغائب الاكبر الان.‏

اذا قلت ان هذه القوى هي قيد التشكل ساتفق معك على ذلك بدون أي تحفظ..‏

‏ ثمة امل اذن. ‏



2 - فيض الديمقراطية الجديدة
صادق العاني ( 2009 / 1 / 22 - 22:31 )
الأخ العزيز كريم
أحيّيك على هذهِ الروح الصادقة في الطرح وأتفق مع الأخ خالد صبيح في أن الديمقراطية يجب ان تكون لها رافعة إجتماعية ، هذهِ القوة عندنا مفقودة كما تعلم أن الديمقراطية لم تبنى في الغرب كما تم تطبيقها في العراق بعد سقوط الدكتاتورية ، بإعتقادي أن هناك مجموعة من القوانين الوضعيّة يجب ان تكون ركيزة في ايّ دستور عراقي وتحمي هذهِ القوانين المؤسسات القضائية والمحكمة الاتحادية العليا ، ومنها ان تكون هناك مساواة بين المرأة والرجل لا سيما بعد ان تجاوز عدد النساء بكثير عدد الرجال وان تكون هناك قوانين تحرّم العنف كوسيلة لحل الخلافات بين الاحزاب والشخصيّات وحتى ممارسته كجرائم الشرف وغيرها وان تكون هناك أموال شهرية للطفل كأن تكون مئة دولار للطفل شهريّاً وكذلك منع استخدام المراكز الدينية للدعاية الانتخابية ومحاسبة الأحزاب التي تتصل بجهات أجنبية وتتلقى الدعم منها لانها تهدد الامن الوطني للارض العراقية ووضع غرامات ماديّة كبيرة على كل عضو في البرلمان يتغيّب لمرة واحدة وان يتم طردهُ من البرلمان وحرمانه من الترشيح ثانية لانه يستهين بتمثيله للشعب ان تغيّب لثلاث مرّات ...
أعلم اننا في العراق لا يمكننا تطبيق ذلك قبل مرور ثلاثة عقود على الاقل في ظل ظروف طبيعية لكن هذه النقاط التي أثرتها لا

اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة