الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النصر الحمساوي بلغة الخبراء العسكريين

مهدي بندق

2009 / 1 / 23
الارهاب, الحرب والسلام


في كتابه المعنون " عن الحرب " يقول الجنرال النمساوي الأشهر فون كلاوزفيتز : الحرب هي السياسة بوسائل عنيفة . ويقول المارشال هانز جودريان في كتابه " احذر الدبابات " Achtung Panzer واصفا ً الحرب العصرية : إنها الأعمال العسكرية الخاطفة ، التي تشل أعصاب العدو . أما الخبير الإستراتيجي سير ليدل هارت فيكتب في مؤلفه الهام "الإستراتيجية –نظرية ُ ومنهج ُ الاقتراب المباشر" ما يلي : إن الوحدات العسكرية خفيفة الحركة مطارق ُ ، وأفضل المطارق ما ينزل على الرأس ، لأنها تهشم أدمغة قيادات الجيوش، وُعقد مواصلاتها. ويستأنف السير البريطاني فكرته قائلا ً : وعلى الوحدات المقاتلة ألا تتوقف لتحتل أرضا ً ،بل عليها أن تتقدم بسرعة لكسر جيش العدو ، وبهذا تنفتح الأرض التي وراءه .
يسأل المرء نفسه – إذ لا يجد من يسأله – ترى هل قرأ " جنرالات " حماس هذه الكتب ، خاصة كتاب كلاوزفيتز ، قبل أن يبدءوا ( بوسائلهم العنيفة ) مشروعهم القاصد كسر إرادة العدو الإسرائيلي السياسية ؟! وإذا كانوا قرءوه فكيف أهملوا الدروس العسكرية والسياسية الواردة في تضاعيفه ، وأهمها : تعيين القوى العسكرية القادرة على مجابهة جيوش العدو ، فيما يعرف بتوازن القوى ، جنبا ً إلي جنب الاطمئنان إلى وجود قيادة سياسية واعية تعرف كيف تجهز للحرب ميزانيتها الخاصة ، وترتب لها التحالفات الدولية ، وتمفصل داخل أرض المعارك المتوقعة الخطوط اللوجستية الضرورية ، وتؤّمن لمقاتليها مواقع الإمداد والتموين..الخ ؟
أما لو كانوا قد أغفلوا قراءة هذا الكتاب العمدة، فلا بد أن ُيسألوا: على أي كتاب إذن تراهم اعتمدوا حين أعلنوا حربهم " الشعبية " التي دفع شعب غزة وحده فاتورتها: 1315 قتيلا، و5300 جريحا ً ، 22000 مبنى مدمرا ً ؟! بل وعلى أية فقرة في هذا الكتاب الغامض ( الذي ربما قرءوه ) سيعتمدون وهم يوقعون – أجلا ً أم عاجلا ً - على الصك السياسي الذي بمقتضاه سيحرمون من العودة لإلقاء صواريخهم العبثية علي جنوب إسرائيل ، مثلما ُحرم حزب الله من التعرض لشمالها؟!
والحق أن كاتب هذه الصفحات ، إنما رأى القلم يأبى أن يمضي قدما ً في مسائلته لتلك الحركة الحماسية على ضوء الكتابين الآخرين ، قبل أن يمارس صاحبه نقدا ً ذاتيا ً على " انجراره " وراء تعبير " الحرب الشعبية " الذي تسلل إلى حبره مما يكتبه بعض المدافعين – بالحق أو بالباطل – عن مسالك فصائل المقاومة وقوى الممانعة . ذلك أن تعبير الحرب الشعبية في حد ذاته إنما كان عنوانا ً على ما حلم به الكاتب ُ منذ شبابه الأول لمواجهة العدو الإسرائيلي ، بل وكان مدخلا ً لمعارضته للنظامين الناصري والساداتي ، وكان دليلا ً أيضا ً لزوار الفجر في العهدين إليه . ولا عجب فالمطالب ُ بالحرب الشعبية لا غرو يطالب بسلطة حكم منتخبة تحت ظل نظام ديمقراطي لا غش فيه ، نظام قادر على وضع موارد الدولة جميعا ً في خدمة الهدف الأسمى: التحرير، وقادر في الوقت نفسه على تسليح الشعب رجالا ونساء ً دون خشية منهم أن ينقلبوا عليه .. وكيف ينقلب الناس على نظام هم صانعوه، وهم حراسه ؟!
كان النموذج الفيتنامي في ذلك الوقت ساطعا ً مشرقا ً ، منه انبثقت عبقرية الجنرال الشعبي
" جياب " من ذاقت الجيوش الأمريكية على يديه مرارة الهزيمة ، حتى أنها اضطرت للانسحاب الكامل دون تفاوض يحفظ ماء الوجه .. فأين منه القائد الحماسي في معركة غزة ؟! ما اسمه ؟! ما هي انجازاته على أرض المعركة ؟!
بيد أننا نظلم المقاتل " الحمساوي " إذا عقدنا مثل هذه المقارنة بينه وبين أي " جياب "
فيتنامي ، فحرب حماس لم تكن حربا ً شعبية بحال من الأحوال كي ينبثق منها قائد عسكري عظيم يتذكره التاريخ ، صحيح أن حكومة حماس جاءت إلي السلطة عن طريق انتخابات نزيهة لم تشبها شائبة تزوير ، لكن نزاهة الانتخابات لا تعني اكتمال الديمقراطية ، وإلا لصح القول بأن نظام هتلر النازي كان نظاما ً ديمقراطيا !وكم كتبنا في هذا الموضع، وفي غيره شارحين أن الانتخابات هي مجرد أداة لتداول السلطة شرط أن تجرى – تلك الانتخابات – على أرضية " عقيدة " مفادها أن الشعب سيد مصيره، وأنه هو مصدر السلطات وليس الكائن العلوي أو من يتحدثون باسمه، وحين تغيب هذه العقيدة عن شعب من الشعوب فلا يجوز إطلاقا ً وصفه بأنه يحكم نفسه ، ومن ثم تنتفي عن نظامه صفة الديمقراطية مهما يمارس من انتخابات ،والنموذج الإيراني أفضل ما ُيتمثل به لفهم هذا الحال ، فهل يماري أحد في أن حكم الفقيه هو أساس الدولة وقادتها يصرحون بذلك علنا ً بينما يتركون للشعب في الانتخابات حق اختيار ممثل الفقيه أحمد ، أو ممثل الفقيه سيد أحمد !
لهذا السبب ( لا ديمقراطية حماس ) لم يكن ممكنا ً تسليح الرجال والنساء والصبية ممن
ليسوا أعضاء في التنظيم ، فكان أن تركهم القادة يواجهون آلة الحرب الجهنمية الإسرائيلية عزلا ًكي يموتوا ويجرحوا أو ينزحوا عن ديارهم ( للمرة الألف ! ) ولكي يوظفهم حلفاء أولئك
القادة في التنديد بوحشية العدو ، وتخاذل الأهل ، دون أدنى التفات إلي كون هؤلاء الحلفاء هم
أول المتخاذلين ، رغم كونهم أعظم الصارخين بالثبور وعظائم الأمور !
لندع إذاً أطروحة الحرب الشعبية في حالها، فالوقت ليس وقتها، والمكان ليس مكانها،
ولنمض إلى استعراض ما جرى في ساحة المعركة في سياق ما كان يدلي به من تصريحات المتحدث ُ الرسمي للحركة من مكتبه الوثير في بيروت، وجميعها كانت تصريحات متفائلة
تبشر بالنصر المؤزر مثل: قمنا بأسر جندي إسرائيلي. ولاستحالة إظهار صورته أو الكشف عن اسمه ( مثل جلعاد شاليط الذي صار أشهر من جورج كلوني ) يعود المتحدث ليقول في اليوم التالي : سوف نأسر جنديين ! أو قتلنا 80 جنديا ً ، مقابل التصريح الرسمي الإسرائيلي
بأن قتلاهم 10 جنود لا غير ذاكرا ً أسماءهم فردا ً فردا ً، والسيئ أننا صرنا – نحن العرب –
أميل إلى تصديق العدو بعد ما رأينا كيف تتم عنده المحاسبة [ لجنة فينوجراد ] أما الأسوأ فيتمثل في أننا بتنا على ثقة أنه تم إغفال نصيحة المارشال جودريان الذهبية القائلة : عليك بالأعمال العسكرية الخاطفة التي تشل أعصاب العدو وراء خطوط المواجهة ، حيث تأتي هذه الثقة من غياب أي بيان عسكري حمساوي يدور حول مباشرة هذا التكتيك من قريب أو بعيد.
ينبجس المر الثالث من قلب الفجيعة المأساوية ، في هيئة سؤال لمن صعروا خدهم لكل
ناصح، رفضا ً منهم لتجديد اتفاقية التهدئة برعاية مصر، قائلين سنمزقهم شر ممزق ! سؤال
لابد وأن يطرحه اليوم أو غدا ً أي مؤرخ عسكري: فأين ذهبت وحداتكم القتالية خفيفة الحركة
والتي كان بإمكانها أن تهوي كالمطارق – بحد تعبير ليدل هارت – على أدمغة القادة الميدانيين
الإسرائيليين فتربك خططها، وتقطع ُعقد مواصلاتها ؟ تلك التي كان بإمكانها أن تلتف من وراء لتحاصر القادمين الغزاة ؟
لو كانت الإجابة: ادخرناها ليوم ذي مسغبة، لما كان علي المتسائل من جناح أن يخمن قصدكم.. ترمون إلي صدامكم المرتقب مع فتح ! هنا يستطيع المرء أن يفهمكم ، فلقد أترعتم بخمر نصركم الوحيد في الرابع عشر من حزيران 2007 حين قمتم بتصفية المئات من كوادر الأعداء " الفتحاويين " وليس 10 إسرائيليين فقط ، أو حتى 80 كما تقولون أنتم . ذلك أن مثل هذا النصر لا يلزمكم بقراءة كلاوزفيتز ، أو جودريان ، أو ليدل هارت ، بل ولا حتى مكيافيللي ،
لأنكم – والله أعلم – لا تحبون القراءة منذ البداية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
إدريس جنداري ( 2009 / 1 / 22 - 22:23 )
تحية سيدي الفاضل
نعم إنهم لا يحبون القراءة و خصوصا القراءة العقلانية للتاريخ ؛ و التي تؤكد أن الانتصارات في المعارك تصنعها الاسترتيجيات و الخطط الواضحة ؛ و ليست هبة إلهية

اخر الافلام

.. الغارديان تكشف نقاط ضعف في استراتيجية الحرب الإسرائيلية


.. تراجع مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين للمرة الثانية




.. حركة نزوح عكسية للغزيين من رفح


.. مصر تعتزم التدخل لدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام -الع




.. ديفيد كاميرون: بريطانيا لا تعتزم متابعة وقف بيع الأسلحة لإسر