الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحفيين والخلفية القانونية للعمل النقابي

طالب الوحيلي

2009 / 1 / 23
الصحافة والاعلام


للحديث عن العمل المهني أي النقابي للصحفي يقتضي الرجوع قليلا الى الوراء ، اي مرحلة النظام السابق ، حيث استغل الميدان الثقافي والإعلامي أبشع استغلال ، بل عد الوجه الظاهري للنظام الشمولي ، وكان لابد له من تسخيره باتجاهين احدهما لتزييف الحقائق والترويج الفج للنجاحات الوهمية لبقاء ذلك النظام على أعناق العراقيين ، وتكريس مقولة اكذب اكذب حتى يصدقك الناس ، وقد استطاع الى حد ما استغفال أعداد هائلة من أجيال مختلفة عبر عمليات ممنهجة لغسل الدماغ ، حيث ما زلنا وللأسف نتلمس هذا التأثير لدى رافضي التجربة السياسية وبقايا ذلك النظام ،ومنهم عدد لا يستهان به من بقايا الموئسات الإعلامية المنقرضة لذلك النظام .
فيما نجد الاتجاه الآخر للاستغلال الإعلامي فهو ادلجته وجعله وسيلة للتثقيف للحزب الحاكم بما في ذلك نشر حملاته الثقافية الطائفية والعنصرية والطبقية ، ناهيك عن الأدوار التي قام بها في تسقيط الشخصيات او الأحزاب او التيارات التي كانت تهدد بقائه وتحرجه بمواقفها النضالية او الجهادية ،
لذا كان لا بد لذلك النظام من تطويق المؤسسات الإعلامية والثقافية وتلغيمها بأشد عناصره الأمنية والمخابراتية خبرة ووعيا امنيا وحزبيا ، وقد كان سخيا جدا مقابل تطوير وتطويع واستقطاب الكوادر الإعلامية وصنعها ، والإسراف على تلك المؤسسات التي قد يخالها المواطن العراقي بأنها متفردة في تطورها وعظمتها كونه لم يطلع أبدا على ما ينافسها عربيا او دوليا الا عن طريق السماع ممن تسنى له الخروج ولو مؤقتا من البلاد ، وبذلك يمكن اعتبار أعداد من الكوادر الإعلامية اليوم قد خرجت من أروقة إعلام ذلك العهد ، الا عدد كبير منهم ممن عاد الى العراق بعد غياب او هجرة إجبارية او من نفض عن نفسه او أوراقه وأدواته غبار السنين التي قبر نفسه فيها رغبة منه في عدم مماراة او مجاملة الطغاة وعصرهم ، وهنا نقف على حقيقة قاسية هي سعي ذلك النظام لتهشيم وإذابة مهنة الصحافة كأهم طرف في الإعلام والثقافة العراقية باجمعها ، وذلك هو حال العديد من المهن الحرة التي تحكمها النقابات والمؤسسات المهنية غير الحكومية ، حيث سيسها بحيث تحولت الى منظمات حزبية اشد خطرا ورعبا من المؤسسات الأمنية او ما شابهها من مسميات تسوق الرعب والقرف لدى المواطن البسيط فما بالك بالمثقف ، وكلنا يتذكر البدلات الزيتونية للرفاق النقابيين !!
ونقابة الصحفيين كغيرها من تلك النقابات ، بل كانت مقترنة أصلا بالمؤسسات الإعلامية للنظام ، كون احد أهم شروط الانتماء إليها كان يقتضي في مادته رقم 9 ف 3 ان يقدم شهادة من صاحب الصحيفة او الجهة التي يعمل لديها او المراجع الإعلامية تثبت اشتغاله في الصحافة وفق المواد السادسة او السابعة او الثامنة من هذا القانون . وليس من العسير على احد ان يعلم ان هذه الجهات في مرحلة حكم صدام كانت تابعة الى النظام اما مباشرة او بصورة مستترة ،أضف الى ذلك الأهداف التي شرع من اجلها قانون النقابة حيث نص في الفقرات التالية من المادة 3 على :
1 - العمل على تجسيد المبدأ الدستوري الذي ينص على ان العراق جزء من الأمة العربية .
2 - إسناد نضال الشعب العربي ضد الاستعمار وصنائعه والصهيونية والرجعية من اجل الوحدة والحرية والاشتراكية .
وهذا الآمر يمكننا سحبه على معظم نقابات الصحفيين في العالم العربي ، وحتى أعرقها في هذا المجالس مثال ذلك قانون نقابة الصحفيين المصرية حيث تشدد المشرع المصري بإحكام جرائم النشر ، فمن مقال القانون – الأزمة ـ بقلم صلاح الدين حاف المنشور على موقع نقابة الصحفيين المصريين ، نقتبس المقطع التالي :(كفي دليلا على التهافت أن تسمع احدهم يقول إن القانون صدر ليدافع عن حرية الصحافة وليحمي الديمقراطية وأن يدعي أن تغليظ العقوبات ضرورة لأن الصحفيين -لاحظ الجمع والتعميم- ينتهكون حريات الناس ويشنعون على المسئولين بل ويشتمون بعضهم بعضا على صفحات الصحف ! أو أن يزعم آخر أن تشديد العقوبات هذه اخف من مثيلاتها في القوانين الألمانية والبريطانية والفرنسية ثم يصمت عمدا مع سبق الإصرار عن ذكر الضمانات والحصانات الهائلة التي تكفلها هذه القوانين لأصحاب الرأي والصحفيين ! أو أن يباهي احدهم بأن المادة الملغاة حول عدم حبس الصحفيين احتياطيا في قضايا الرأي والنشر كانت مادة غير دستورية بينما هذه المادة مضى على وجودها نحو نصف قرن ولم يقل احد انها غير دستورية ) (1).
فيما نجد في مقال للصحفي المصري علي بريشة المنشور على موقع العربية نت ،إشارات صريحة على أزمة العلاقة بين الصحفي والمؤسسة الحكومية حيث يقول (جزء من مشكلة الصحافة المصرية أن القوانين المنظمة لها لا يحترمها أحد.. لا الحكومة ولا الصحفيون ولا النقابة ولا رجال القانون أنفسهم.. فهي قوانين عجيبة غريبة وضعت فقط لتكون حبرا على ورق.. ولا يتذكرها أحد إلا عندما يراد التنكيل بأحد الصحفيين لسبب أو آخر). ولعلنا نستغرب كثيرا حين نطبع على ذلك الواقع الذي ينبغي على الصحفي العراقي تجاوزه كثيرا عبر نبذ الجفاء مع نقابة الصحفيين والتأسيس لعلاقات مهنية شفافة تسعى لإحداث تغيرات جذرية في قانون النقابة وفي نمط التعاطي مع هذه النقابة كواقع حال اسوة ببقية النقابات العراقية ،مثال ذلك الضغط باتجاه تعبئة الصحفيين غير المنتمين الى الانتماء بغية زيادة العناصر الايجابية ضد بقايا صحافة العهد السابق ،وما دمنا قد استحضرنا في حديثنا مقال الصحفي المصري فقد نجد فيه بعض التقارب مع موضوعنا حيث يقول في مقطع من مقالته مؤكدا على عوامل العرقلة في مسيرة العمل النقابي (وبضغوط من الحرس الحكومي القديم الذي يرفض تجديد دماء الصحافة الحكومية رغم أنها وصلت إلى مرحلة الشيخوخة وتصلب الشرايين في مواجهة الصحافة المستقلة الشابة التي غيرت وجه الحياة الإعلامية في مصر خلال السنوات الماضية.. ولا يهم أن يتهاوى توزيع أهم الصحف الحكومية لدرجة تقترب من الفضيحة.. فالمهم أن يظل أهل الثقة من أصحاب المعاشات في مناصبهم رغم أنف القانون).
ينص قانون سلطة الصحافة المصري الصادر عام 1980على تعريف الصحفي بأنه "عضو نقابة الصحفيين".. ويحدد القانون عقوبة مغلظة لمن يمارس مهنة الصحافة دون أن يكون مقيدا بنقابة الصحفيين تصل إلى الحبس لمدة سنة بالإضافة إلى الغرامة.. وعلى الجانب الآخر تنص لوائح لجنة القيد بنقابة الصحفيين على ضرورة أن يتقدم من يرغب في الالتحاق بالنقابة بما يثبت ممارسته مهنة الصحافة بل وتشترط تقديم ملف يتضمن الأعمال التي قام بنشرها في الصحف التي يعمل بها.. أي أن لوائح نقابة الصحفيين تشترط على الراغبين في التقدم لها أن يقوموا بممارسة الصحافة ومخالفة القانون..يقول احد الصحفيين المصرين على موقع العربية نت .. كلنا (كل الصحفيين المصريين بلا استثناء) خالفنا القانون وبشكل رسمي وعلني حتى نلتحق بنقابة الصحفيين.. والحمد لله أن نجونا من الحبس والغرامة لأن القانون أصلا غير قابل للتطبيق.. ولكن هذا لا يمنع أن يتم إشهاره يوما ما في وجه أحدهم وبشكل تعسفي وانتقائي حسب الأهواء الشخصية والمزاج العام للقائمين على تنفيذه). أما أطرف ما يقوم به الصحفي وهو يلتحق بنقابة الصحفيين.. فهو التوقيع على قصاصة ورقية صغيرة تمثل موافقته على الالتحاق بالاتحاد الاشتراكي.. هذا التنظيم السياسي العتيق المنقرض الذي لم يعد له وجود منذ منتصف السبعينيات.. والذي تم حله وبشكل كامل ونهائي.. ولكن المشكلة أن قانون نقابة الصحفيين الحالي والذي صدر عام 1970 (وكان آخر قانون وقع عليه جمال عبد الناصر) يشترط فيمن ينضم لعضوية النقابة أن يكون عضوا في الاتحاد الاشتراكي والذي كان التنظيم السياسي الوحيد وقتها.. وبالتالي مازال هذا النص معمولا به من الناحية الإجرائية الشكلية.. (كنا نقوم بهذا الإجراء وقت إلتحاقنا بالنقابة في منتصف التسعينيات.. ولا أعلم إذا كان هذا الإجراء الشكلي العبثي مستمرا إلى اليوم أم لا).
اذن ما الذي يمنع الصحفيين العراقيين ،وقد تحرروا فعليا من قيود الحكومات وسطوة الأحزاب ، من تطوير العمل النقابي الصحفي ،بدل لجوء البعض الى البحث عن منظمات قد تشتت مصالح الصحفيين وتوهن موقفهم بدل ان تعزز هويتهم الجديدة تحت وطئ فهم ينم عن يأس من كون بقايا النظام الصدامي هم المهيمنون على العلاقات المهنية ؟!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) انظر الرابط http://www.ejs.org.eg/history








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا