الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا وقت للمزايدة.. الكل مدان

إكرام يوسف

2009 / 1 / 24
القضية الفلسطينية


الآن، وبعد أن توقف قصف المدنيين نستطيع أن نتحدث. فقبل ذلك لم يكن من اللائق المزايدة على أهلنا الواقفين يصدون العدوان بصدور أطفالهم. وكان من أسخف المشاهد الانشغال في تبادل الاتهامات حتى تفرقت مسئولية الدم المراق بين القبائل، والجميع منهمكون في محاولة سرقة الكاميرا، وتسجيل مواقف ـ لا يصدقها سوى أصحابها ـ بينما صور الشهداء والجرحى هي الأصدق والأبقى في ذاكرة التاريخ.
الآن، نستطيع أن نقول بكل ألم أن هذه الحرب الإجرامية الأخيرة لم ينتصر فيها سوى الصهاينة، ومن يقول غير ذلك يكون ـ عذرا ـ إما مكابرا أو ساذجا. أعداؤنا نجحوا تماما في استثمار خيباتنا ـ جميعا ـ في طريق تحقيق أهدافهم. هم ليسوا أصحاب حق، ولا أصحاب جيش لا يقهر؛ وما حققوه من مكاسب ـ حتى الآن ـ لم يكن ذكاء منهم أو براعة أو حتى قوة، فهم لم يفعلوا طوال تاريخهم سوى استغلال عجز قادتنا وتهافتهم وفسادهم.
وإن كان في المأساة التي استمرت أكثر من ثلاثة أسابيع بقعة ضوء، فليست سوى صمود المواطن الفلسطيني ""العادي، وإن كان ثمة طرف آخر يمكن أن يحسب له شبه انتصار، فلن يكون سوى الشعب الفلسطيني نفسه، أو بالأحرى المرابطون في أرضهم،المصرون على تحريرها؛ ليس هؤلاء الذين انغمسوا في صراعات على سلطة تحت ظل الاحتلال الفعلي، ولا من يعيشون حياة بذخ المليونيرات في الخارج ولا يتذكرون الوطن إلا في معرض المزايدة على الآخرين، ولا أولئك الذين يؤثرون السلامة و يتطلعون للفرار من الوطن بدلا من الاستشهاد على أرضه.
أما بقية الأطراف؛ من متواطئ ومتفرج ومزايد فقد نجح الصهاينة في فضحهم، ولم يعد بمقدورهم استعادة أي نوع من المصداقية؛ لا عبر مؤتمر قمة أو مؤتمر دولي أو حتى عبر تبرعات ليست من جيوبهم يحاولون بها شراء مواقف.
نجح الأعداء في تسليط الضوء على عمق الخلافات بين الأطراف الفلسطينية وأظهروا للعالم صعوبة إيجاد طرف للتحدث باسم الشعب الفلسطيني، بعدما نجح الصراع على السلطة في حرف اتجاه البندقية الفلسطيني فاتجهت لصدر فلسطيني، وتبادل الجميع اتهامات التخوين والعدالة.
كما نجحوا في كشف تهافت الموقف العربي، منذ أن قال قائل إن "99 في المائة من أوراق اللعبة بيد أمريكا" وتراجع الدور المصري الإقليمي، بعدما اختار حكامها الارتماء في أحضان الحليف الاستراتيجي للعدو. ومن يومها انفرط العقد، وتسابق الجميع في الهرولة نحو إرضاء واشنطن بما يستتبعه ذلك من تنازلات. ولم يظهر من يومها بديل لمصر يعيد نظم ما انفرط، ويبدو أن حافظ إبراهيم لم يكن مبالغا عندما قال "أنا إن قدر الإله مماتي، لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي"!. فللحق والتاريخ، وللأسف أيضا، لم نشهد منذ تخلت مصر ـ الرسمية ـ عن دورها، تحركا حقيقيا وجادا يظهر كرامة أو يجعل للعرب قيمة أمام بقية العالم.
إن كان فيما حدث فائدة ترجى، فلعله يكون إدراك الرسميين العرب لهزالهم وهوانهم على أنفسهم وعلى شعوبهم، وحتى على السادة الذين حاولوا طويلا إرضاءهم، مقابل مساعدتهم على البقاء في الحكم. وأصبح من اللازم عليهم أن يفيقوا، وينتبهوا إلى أن أوان التخلص منهم ـ جميعا ـ اقترب، بعد استنفاد الغرض منهم وهو التخلي عن حلم التكامل العربي الإقليمي وتمهيد الطريق لقيام "الشرق الأوسط الجديد"، فهم لن يكونو أعزاء على قلوب واشنطن بأكثر مما كان شاه إيران!. وإذا كانوا فعلا حريصين على استمرارهم في الحكم، فلا سبيل لذلك إلا الاعتراف بأن السند الحقيقي للحاكم لا يكون إلا من داخل الحدود وليس من خارجها، فيلتفتوا إلى مصالح شعوبهم، ويعيدوا حساباتهم بحيث يظهرون حرصا حقيقيا على تحقيق تكامل إقليمي يجعل كلمتهم مسموعة، كما نجحت أوروبا باتحادها في إجبار الجميع على احترامها.
والفائدة الثانية التي يمكن استخلاصها من قسوة المأساة، هي إدراك الفلسطينيين أنه لا أمل أمامهم في الحصول على استقلالهم إلا بتوحيد صفوفهم وعدم الانجرار إلى صراعات على سلطة وهمية ليس لها وجود في الواقع، والبعد عن رهن إراداتهم لصالح أجندات أطراف أخرى. وأن يدرك أصحاب القضية أنهم لن يستطيعوا كسب تأييد أو مساعدة خالصة ـ دون غرض ـ إلا عندما يصبح لهم صوت واحد يطالب بالاستقلال أولا وليس تقسيم الغنائم، حتى لا يتراجع التأييد الشعبي العربي قبل العالمي الذي بدأ يفقد سخونته مع احتدام الصراعات بين فصائل المقاومة. فمقاومة الاحتلال بكافة الطرق، حق لا يماري أحد في مشروعيته، لكنه يتطلب توحيد كافة القبضات في قبضة واحدة قوية تطيح بالمحتل، وهو أمر يحتاج الكثير من مجاهدة النفس والبعد عن أساليب الإقصاء وسرقة الكاميرا ومحاولة نسبة كل تحرك وكل مكسب لفصيل بعينه.
ولعل التجربة المريرة أظهرت أن المقاومة ـ التي ينبغي ألا تتوقف قبل يوم التحرير ـ يمكن أن تتخذ أشكالا عدة، لم تحظ بالاهتمام اللائق بها، إلى جانب حق الكفاح المسلح. وليس عيبا أن نتعلم من أعدائنا، الذين نجحوا ـ حتى الآن ـ في توجيه الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في العالم إلى تبني قضاياهم، وتكريس حالة الإحساس بالذنب تجاهها؛ منذ "الهولوكوست"، ومكافحة معاداة السامية، وحتى خدعة مواجهتهم "الإرهاب". ولنبدأ بما صرحت به "نافي بيلاي" مفوضة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قبل أيام من أن العدوان على غزة "يبدو متضمنا جميع عناصر جرائم الحرب"، وطالبت بإجراء تحقيق. ولاشك أنها فرصة الضغط لإجراء هذه التحقيقات ومحاكمة المجرمين، وفي ذلك فليتسابق المتسابقون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إن التاريخ لا يخجل حين يدين ويتهم أحدا
أبو أيمن ( 2009 / 1 / 24 - 05:01 )
حقا ، قد يقال أن الحرب الهمجية للمحتل الصهيوني توقفت - مرحليا وبشكل مؤقت - ، لتنكشف على أعقابها الحقيقة المرة ؛ ليس فقط حقيق المأساة التي خلفتها من مل المناحي .والتي كشفتها وسائل الإعلام للعالمين أجمعين ؛ وإن كان بعضها إستغلها للمزايدة ألإيديولوجية والإتجار بالمرموز والواضح ؛ وإنما حقيقة أولئك من جعلوا من أنفسهم قادة الحكم على الشعب الفلسطيني ، بوصفهم هم وحدهم الحكماء مالكي اليقين والحق المطلق دون سواهم لما يملكومه من الطهر والقداسة . فأحكموا الحكم وزعزعوا الوحدة والإستقرار، وأشاعوا التفرقة والخلاف والتناقض لدى الشعب الفلسطيني بانحرافهم عن الميثاق الوطني . لقد كان من المنتظر من هؤلاء الحكام يأتوا ببدائل واقعية وموضوعية من شأنها أن تنمي الشعب الفلسطيني على كافة المستويات السياسية والإقتصادية والثقافية في شموليتها ، الشئ الذي من شأنه أن يطور إمكانات الشعب الفلسطيني ويقويه على المستويين : الداخلي والخارجي خذمتا لقضيته العادلة التي لآ تعلو عن كل مساومة أو مزايدة أو أدعاء .. وهي حق العودة وتقرير المصير وتحقيق دولته الديمقراطية على أرضه الحرة المستقلة ..فأين هؤلاء الحكام من هذا ؟ والغريب كل الغرابة ، أنهم قنصوا التاريخ الذي كتبه الشعب الفلسطيني بأرواح شهدائه ودمائهم منذ تاريخ النكبة حتى ا


2 - اتفق معك سيدة اكرام
ابراهيم علاء الدين ( 2009 / 1 / 24 - 16:48 )
اتفق معك تماما على من انتصر ومن هزم ولماذا انتصر ذاك وهزم هذا ...
اما الشعب فله كل التقدير والاحترام والاعتزاز والمواساة ايضا
شكرا لقلمك وليبق على االدوام عاشقا للحقيقة دون تزوير او خضوع لابتزاز العاطفة

اخر الافلام

.. هل يستطيع بايدن ان يجذب الناخبين مرة اخرى؟


.. القصف الإسرائيلي يدمر بلدة كفر حمام جنوبي لبنان




.. إيران.. المرشح المحافظ سعيد جليلي يتقدم على منافسيه بعد فرز


.. بعد أدائه -الضغيف-.. مطالبات داخل الحزب الديمقراطي بانسحاب ب




.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية وتوسع استيطانها في الضفة الغ