الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتصبوها وقالوا صامدة ..!!

ابراهيم علاء الدين

2009 / 1 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


لملمت ما تبقى من اشلائها ، وجائت لتجلس على بعض من ركام ما كان منزلها ,, تكورت على بعضها، دموعها الحارقة تبلل خدها وتنزل باردة على قدمها، تحرقها لوعتها، وترتجف عظامها من البرد، مشلوح قلبها في كل الارجاء، تعصف بها صور اطفالها الأربعة، احتضنتها صورة زوجها الممدة تحت الانقاض، ربت اخيها عادل على كتفها .. صبرا يا سميرة صبرا .. فها نحن صرنا شهداء.
وتضغط زوجة اخيها نائلة بكفها على كفها وتبكــــي .. تبكيييييييييي ... وتوصيها "ديري بالك على فداء" صغيرة في شهرها السادس تركتها وحيدة الا من هي وأمها العجوز، التي تركتها لاجئة في مدرسة الانروا. وبعض من بعض من كانوا اخوتها وعزوتها وكل حياتها.
على كومة من انقاض بيت كان عامرا قبل ايام ، جلست وحيدة يا اخوتها عادل ويوسف وعبدالله، جلست وحيدة يا خالد يا زوجها يا ابو اطفالها .. تبكي وتسأل .. لماذا تركتوني وحيدة .. من سيحميني بعدكم .. ولماذا اخذتم اطفالي الاربعة معكم، لماذا لم تتركوا لي واحدا يؤنس وحدتي، ويبدد وحشتي.
لماذا اخذتم معكم بؤبؤ عيني وليد، ومهجة قلبي هناء، وروح روح قلبي وفاء، وعمر عمري بهاء، لماذا اخذتوهم كلهم معكم ..؟ لماذا يا احبتي ..؟؟ ولماذا ذهبتم كلكم مرة واحدة وبسرعة ودون وداع هكذا وتركتموني وحدي اكابد الشقاء..؟
حتى انتي يا جارتي وصديقتي وحبيبتي، ذهبت وحدك .. فلماذا لم تأخذيني معك..؟ الم نكن ننزل الى السوق معا. ونذهب لزيارة جاراتنا ام وائل، وام حسام، وأم فراس، معا..؟ ونجلس سويا لنخبز الفطائر بالزعتر والسبانخ ، وتؤنسيني وتأنسين بي عندما تداهمنا الوحدة..؟؟.
وحيدة الا من همومها، ولوعتها وحسرتها على الغياب.. كلهم ذهبوا .. كلهم .. تجلس على بعض ركام بيت واسرة وعائلة ووطن تحدث نفسها ..
بصاروخ او اثنين او عشرة لم اعد اتذكر .. كل ما اتذكره انني سمعت صوت صاروخ يطلق قرب الجدار، نظرت كما اللصة من تحت ستارة النافذة، فاذ بثلاثة اشخاص يركضون بسرعة، صرخت على خالد .. وعادل ان اخرجوا .. اسرعوا بالهرب .. احملوا الاولاد.. "يلا يما" بسرعة .. لا اعرف لماذا كل هذا الصراخ .. ما الذي دفعني لحالة هستيرية .. ربما خوف الام على فلذات اكبادها .. ربما تشعر الام بالخطر قبل غيرها .. حملت بهاء وركضت للخارج .. صاروخ ضخم يسقط على منزل جارتي فريال، سمعت صراخا، ورأيت الحجارة والغبار يتطاير فيعم الارجاء ، لا اعرف الى أي اتجاه اركض، نظرت خلفي شاهدت زوجي يحمل وليد وهناء .. صرخت عليه، اين وفاء..؟ اين امي ..؟ صاروخ اخر رماني امتارا بعيدا عن المكان .. لا ادري ان كنت في صحو او غيبوبة، صرخت وصرخت ، الغبار حجب الرؤية عن عيني .. صمت في كل الارجاء.. اين بهاء .. نهضت .. ركضت باتجاه المنزل الذي اصبح ركام ..
كم بكيت وحدي ولطمت وحدي ولا اعلم من انتشلني وحطني في قسم العظام .
كلهم ذهبوا الا انا، كسيحة في قسم العظام ... لماذا ...؟؟
جائني بضعة رجال .. اصبري يا اختنا .. واحمدي الله، فقد ارتقى فلان وفلان وفلانه الى جنة الخلد..؟
صرخت بوجوههم .. واطفالي ..؟
قالوا : ان الاطفال احباب الله، انهم في جنة الخلد مع الملائكة والصديقين ..؟
صرخت ثانية من اعماق قلبي المكلوم .. اغربوا عن وجي انصرفوا، ومن قال لكم انني اريد اطفالي في الجنة ومع الملائكة والصديقين ..؟ انا اريدهم في جنتي .. اريد ان اعيش في جنتهم .. من قال لكم ان ترسلوهم الى الجنة..؟
بكيت وبكيت وبكيت .. ولكن ما نفع البكاء.. ؟؟
فماذا ينفع البكاء بعد ان تغتصب المرأة .. وقد اغتصبت عشرات المرات .. اليس الاغتصاب هو ان تجبر المراة على القيام بعمل لا ترغب القيام به.. فالاغتصاب ليس فقط فعلا جنسيا .. الا نقول الارض المغتصبة .. ونقول ان فلانا اغتصب حق فلان ، ونقول ان فلانا اخذ من فلان شيئا معينا غصبا عنه.
نعم انا اغتصبت والاف مثلي من نساء غزة، عندما اجبرن على القيام بعمل لم يرضين عنه ولم يستشرن به، ولم يؤخذ رأيهن، وبعد ذلك يقال لهن اصبرن اطفالكن بالجنة مع الملائكة والصديقين..!!
اغتصبني جيش الاحتلال بمحاصرته لي واطفالي واهلي .. اغتصبني عندما جوعني واطفالي واهلي، وحرم زوجي واخوتي من فرصة عمل لتوفير لقمة الخبز، اغتصبني عندما منع عني الماء والكهرباء والهواء والدواء، اغتصبني بجرائم القتل والغارات والقصف المتنقل على مدار سنوات.
كما اغتصبني من فرض علي شروطه وقوانينه وارادته، اغتصبني من احتكر قرار الحياة او الموت بالنسبة لي ولاطفالي واهلي واحبتي، اغتصبني من وضعني فريسة لنيران العدو دون ان يؤهلني لحماية نفسي واطفالي واحبتي، اغتصبني من لم يوفر لي سيارة اسعاف تنقذني وتنقذ اطفالي واحبتي، اغتصبني من جرني وشعبي الى معركة غير متكافئة مع عدو لا يرحم ، اغتصبني من جاء ليبلغني ان اطفالي في الجنة، وانني اصبحت أرملة وحيدة لا زوج ولا ابناء ولا اخوة ولا عزوة، اغتصبني من فرض على رؤيته وبرنامجه وسياساته، ومن اخضعني بالقوة والقهر لعنترياته وبطولاته الزائفة واستعراضاته العسكرية، ومهرجاناته الخطابية، اغتصبني من اعتقد انه بصورايخ ورقية يمكنه حمايتي واطفالي وجيراني واحبتي.
نعم اغتصبوني والله العظيم .. اغتصبوني كلهم المقاوم والمسالم اليميني واليساري المعتدل والمتطرف ، كلهم اغتصبوني وجردوني من كل حيلة، وحرموني من كل رأي، واودعوني مخزنا للاستيداع انتظر الموت، وقالوا صامدة .. ذبحوني وقالوا صامدة ، قتلوا اهلي وقالوا صامدة .. دمروا بيتي وقالوا صامدة .. قتلوا اطفالي وقالوا صامدة ..
وهل لا يكون الصمود الا بالموت ..؟؟
وما هي قيمة الصمود اذا ماتت الناس العزل تحت ركام منازلها..؟
وما قيمة الارض والوطن دون ناس احياء يرزقون..؟
وما قيمة الدين ذاته الذي يتغنون به دون ناس احياء يرزقون.
بكل استخفاف يرد البعض ليقول مواسيا .. لا توجد مقاومة دون ضحايا .. ويقولون لا تتحرر الاوطان دون تضحيات ..!! ويزيدوا بالقول ان الحرية تشترى بالدم .. وقال احدهم حتى لو ابيدت غزة عن بكرة ابيها فلن نستسلم.. وقال غيره حتى لو ضربت غزة بقنبلة نووية فلن تستسلم.. واخر ما سمعت انه لو تطلب تحرير فلسطين فناء الشعب الفلسطيني عن بكرة ابيه، فليكن ، فان ذلك واجب.
فما قيمة فلسطين بدون الفلسطينيين .. ؟؟ وما قيمة الجنة بدون ناس ..؟ الا يقال في الامثال "ان الجنة بدون ناس ما بتنداس" ..؟.
وفي كل الاحوال من يؤمن بان الانسان لا قيمة له .. وان الموت مسالة عادية .. وان الارواح رخيصة .. لدرجة الاستهانة بكل من ماتوا في حرب غزة، مقابل بقاء الرموز والقيادة قادرة على استخدام الميكروفونات والظهور على شاشات التلفزة ، فهم احرار.. ليموتوا كما يشاؤون ، وليذهبوا الى الجنة وقتما يريدون.. لكننا لا نريد ان نذهب معهم .. لا اريد لاطفالي ان يذهبوا الى الجنة معهم.. اريدهم قربي بحضني حولي، لماذا لم يرسلوا ابنائهم الى الجنة ويتركوا ابنائي، لماذا ابنائهم في دمشق وبيروت، وابنائي يموتون بقصف الصواريخ..؟.
الف سؤال في ليلة الموت جال بخاطري.. الى متى ساظل اغتصب، الى متى ساظل رهينة بيد المغتصبين من كل الانواع، الى متى ساظل عارية، جسدي مشاع لمن بيده السلاح، الى متى ساظل اجبر على ممارسة الزنا مع كل من يحسن فن الخطابة والدجل والكذب على الناس، الى متى ساظل غانية مفروض عليها الرقص في الجنازات وعلى المقابر، الى متى ساظل جارية لدى من يصرخ اكثر، ومن صوته اعلى، ومن لديه خبرة اكبر في فنون التجارة بدماء الناس، الى متى ساظل اسيرة الفاتحين الذين يفرضوا علي دينهم ومذهبهم وملتهم وحركتهم وحزبهم وجماعتهم .. الى متى والى متى .. ألف سؤال جال بخاطري في ليلة الموت...!!
والف آهة من اعمق اعماقي ذرفها قلبي كما الدموع، غضب يستعر في داخلي ، ثورة عارمة تتغلغل في مفاصلي ، كراهية شديدة لمن سلب مني اطفالي وزوجي واخواني، ودمر منزلي، وعائلتي وحياتي.

الملم نفسي ثانية لاذهب الى ملجئي الجديد مع والدتي في مدرسة الانروا، سابذل جهدي هناك بين الغلابا والمساكين امثالي، وادعوهم الى نبذ ثقافة الموت، وثقافة العنف، وثقافة الاغتصاب، واحرضهم على ثقافة الديمقراطية والتسامح والعدالة والانسانية، وساعلمهم كيف يتقنون ثقافة فن الحياة وينبذون ثقافة الموت.

ملاحظة : ملخص حوار هاتفي ضمن تقرير لوكالة الانباء العربية













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيه للكاتب
نبيل تومي ( 2009 / 1 / 24 - 09:05 )
أيها الأستاذ الكريم ، يا صاحب القلب الكسير ، اشد على يدك وقلمك الكريم وكل كلمة حق بحق المجرمين إن كانو ا يهود أو مسلمين ، فأنت ولله ما قلت إلا اليقين . ولكن أين من الحقيقة آؤلائك أصحاب الأبواق والخطابات السمجة وهم لا يرحمون ما دامت أيادي القبح تمدهم بالمال وهم عبيدهُ الدائميين . سلام أليك ايها الحامل قلمك صليباً للناس الطيبيين .


2 - ملاحظة بسيطة
مختار ( 2009 / 1 / 24 - 10:39 )
عندي ملاحظة بسيطة لا تقلل البتة من قيمة هذه القصة. فحتى إذا كانت هذه القصة القصيرة واقعية جرت أحداثها بالفعل وتكررت مع نساء غزة لمرات ومرات فإن إعادة كتابتها، كقصة ترمز إلى غزة كلها التي تعرضت للاغتصاب من الجميع، في هذا الشكل الفني الجميل والمؤثر ورغم أن نهايتها تدل على عودة الوعي نرجوها لكل الشعوب التائهة، فهي تفتقر، في رأيي، إلى بعد آخر لا أجده فيها، وهو مدى مسؤولية الضحايا وكأنهم لم يشاركوا في المأساة التي حلت بهم من خلال انسياقهم الأعمى وراء مغتصبيهم. فما حل بغزة هي مسؤولية الجميع: نساء ورجال، بما في ذلك البسطاء من الناس، وهم ليسوا كذلك لأنهم صفقوا وأيدوا وانتخبوا وربوا أطفالهم ليكونوا لقمة سائقة للمغتصبين. وكثيرا ما شاهدنا أمهات يزغردن باكيات ويفتخرن باستشهاد أبنائهن في مغامرة لا تخدم إلا المغتصبين والمغامرين والمقامرين بمصير وطن. إن غزة التي دمرت تبدو في القصة غير مسؤولة عما حل بها، بل تبدو في تناقص تام مع مغتصبيها ومع إيديولوجيتهم، وهذا غير صحيح، على الأقل بالنسبة للكثيرين، إن لم يكونوا الأغلبية. وكما تكونوا يولّ عليهم. هكذا يجب أن نخاطب أنفسنا ونخاطب الناس.
تحضرني هنا قصة النملة والصرصور للشاعر الفرنسي موليير. هذه القصة تدرس وتحفظ لأطفال المدارس في فرنسا وفي غيرها منذ قر


3 - شكرا لكما
ابراهيم علاء الدين ( 2009 / 1 / 24 - 16:54 )
الاستاذ نبيل.. لنبل المعاني وعمق المشاعر وكلي امتنان لما تكرمتم به بملاحظتكم
الاستاذ مختار .. اتفق معك تماما .. يستحق الامر المتابعة ويمكنني ان اعد بذلك رغم الشوك الذي يصيبك عندما تضطر للبوح بالحقيقة المرة الكل فيها مدان
لكن لا بد من قول الحقيقة .. لا بد من الاعلان عن الرغبة بعشق الحياة ونبذ الموت

اخر الافلام

.. تدني تأييد ترامب وسط المستقلين بعد إدانته جنائيا | #أميركا_ا


.. فواز منصر يجيب.. ما خطورة نشر الحوثيين للزوارق المفخخة الآن؟




.. تضرر مستوصف في جنوب لبنان إثر قصف إسرائيلي


.. قادة أوروبا يبحثون مستقبل الاتحاد في ظل صعود اليمين في الانت




.. ما دلالات الكشف عن وثيقة تؤكد أن الجيش والمخابرات كانا على ع