الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصرفات شتى إزاء الريح

محمد علي ثابت

2009 / 1 / 24
الادب والفن


صاحبي، هل لي أن أسألك: أين سيطيب لك الرسو – إن كنت ستملك حق تقرير المصير اللحظي في مواجهة الأقدار – حين تدهمك عاصفة الأحزان التالية؟
...
ثمة أكثرية من الناس تفضل رسواً هادئاً على المرفأ الذي عليك، من أجل الوصول إليه، أن تتحرك بعكس اتجاه العقارب الثلاثة التقليدية، أو بعكس حركة الزمن بوجه عام (لكن دونما أن ينطوي ذلك على معارضة للأخير من أي نوع.): إنه مرفأ الذكريات، يا هذا.. صحيح أن اجترار الذكريات بشكل دوري، مع كل هبة ريح سوء جديدة، لا هو يقيك كثيراً من وقع مثل تلك الريح السيئ على خصائصك وكيانك، ولا هو يضمن لك صنع المزيد منها – نعم، من الذكريات، أعني – والخليق بمضاهاة ألق ذكرياتك الأقدم الخاطف في مرآة بصيرتك ومحاكاة تأثير محطات حياتك ومراسيك السابقة المنعش لروحك والباعث لنفسك على التأمل، والصبر أو التأسي، والأمل.. نعم، كل هذا الزعم هو صحيح وواقعي تماماً، لكن لا تنس - على الجانب المقابل من الظن - أن استدعاء ما جلب لك (من الأحداث، واللقاءات، والتجارب، والنجاحات، ... إلخ إلخ) في السابق بهجة مازال بعض شررها يلمع إلى اليوم قد يستدعي بهجة إضافية لاحقة لك، أو على الأقل: قد يحول بينك وبين أن تقنط حتى من الأمل في غد ينطوي على مثل تلك البهجة الوهمية اللاحقة.

وثمة سواد عظيم من الناس يفضل الرسو على المرفأ الذي يتعين عليك، إن شئت وصولاً إلى تخومه، أن تسبح مع التيار، وفي نفس اتجاه العقارب نفسها: وبذلك أقصد مرفأ الأحلام.. فكم هو مهدئ لاضطراباتك أن تقنع نفسك بمنطق أن اليوم العصيب لن يسلم أمرك، بالضرورة، إلى يوم عصيب آخر، وأن الرياح ذات الوقع البغيض على نفسك أنت – بالذات – حين تهب من بعيد، وغالباً من وراء ذلك الجبل الأسود المخيف الذي طالما تراءت لك في أحلامك المفزعة خيالات ساكنيه المحتملين القساة، فإنها بالتأكيد لا تعدم على قائمتها اللانهائية أسماء غيرك الذين يتعين عليها أن تهب باتجاههم أيضاً.. بل وربما تسعى الريح الحزينة بعد إحدى الهبات باتجاه راحة مؤقتة وتوقف لحظي عن الهبوب. من يدري كيف تفكر العواصف؟؟

وهناك سواد آخر، أضأل من سابقه، من الناس يؤثر الاستسلام القدري الكامل لذلك الهبوب الغير المرغوب فيه ولا المستطاع الدفع. وأفراد هذا السواد هم، في الغالب من الأحيان، الأسرع جنياً لثمار قرارات الرسو السلبية التي يتخذونها تحت وقع الهبوب. إنهم المتشحون بالامتناع عن الفعل أو المحتمون به، لا عن ارادة وحكمة ولكن عن خنوع أو لا مبالاة.

المهم، في كل الأحوال السابقة، هو أن يكون حق الاختيار بيدك.. أما لو كان الأمر بخلاف ذلك، إذن فلكل حادث حديث.

فما خيارك المفضل، على فرض توافر خيارات أمامك، يا هذا؟
...

آه.. ونسيت أن أقول لك إن هناك أيضاً من يواجهون الرياح بصدور عارية وعزائم لا تلين، ورغم أنهم لا يقوون على دفعها حالاً في الأغلب الأعم، إلا أنهم يراكمون خبرات لا بأس ولا استهانة بها في ذلك الاتجاه، بكل تأكيد، ومن يدري فلعلها تمكنهم ذات يوم من دفعها حين تهب أو من منعها من الهبوب أصلاً باتجاههم. وأخيراً وآخراً، هناك من يلجأون إزاء الرياح وفي مواجهة صلفها كله – مثلك الآن – إلى الصمت المطبق، الذي هو عن خيار الاستسلام القدري مختلف على نحو لا أظنك تستحق عناء توضيحي إياه لك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال