الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص قصيرة جداً

عباس مزهر السلامي

2009 / 1 / 25
الادب والفن


(1) سطوة الغبار
حيثما يمر يلقي التحية بكل أدب على المارة – الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم – وهو في طريقة الى الحافلة تلك التي تقله الى موقع عمله.
من مكان جلوسه يتأمل جانب الطريق ، عربة محترقة – تبدو له كتلك العربات التي تجوب الجانب الاخر للطريق – يرفع انقاضها جنود لم يألف هيئتهم ، خراف هزيلة تهمّ بالعبور ، غراب يحطّ على عمود كهرباء منحن ٍ تتدلى أسلاكه لتلامس وجه أرض ظمئى، أشجار ذابلة تتشبث الواحدة بالأخرى . يحدق بالرأس الذي إتخذ من كتفه الأيمن وسادة له فيما الحافلة تغذ سيرها كالسلحفاة وهي تجتاز الكتل الاسمنتية .
ولكي يهرب من الصمت الذي يغلف الحافلة . يغير جلسته ، يتكور في مقعده وما هي الا إغماضة عين وتتهاوى المسافة المتبقية لبداية مشواره مع العمل . في المكتب يتصفح أوراقه غير آبه ٍ بحديث الزملاء المكرر والممل شعور بالوحدة يحزنه ، يحاول كتم آهاته .
- أعوذ بالله 0
- أتهزأ حضرتك ؟ 0
- لا يا أستاذ ما أردت ُ قولهُ : أن الكشوفات التي أطلعتُ عليها غير سليمة ويبدو أن هناك تلاعباً ما قد حصل .
- ومن نصبّك رقيباً علينا 0
- عفواً يا أستاذ : هذا هو من أختصاصي .
توهجت عينا المدير ، وراح بأصابعه الطويلة يمسّد لحيته المدببة تارة وتارة يفرك بها الخاتم الازرق المنتفخ فوق أحد أصابع كفه الأخرى .
أحذر يا .............
(سنصرف النظر عن ملاحظاتك هذه المرة وأياك أن ........ وعليك من الآن أن تمارس عملك ولكن في شعبة أخرى ) .
وكالداخل الى السجن دلف الى مكان عمله الجديد يطارده صدى كلمات المدير تتدحرجُ أمامه ذكرياته الحميمة وهو يشيع أمانيه التي تساقطت كسني عمره ، يبتلع صراخه ، يتكوم على الكرسي تحيط به الأضابير التي تكدست تحت سطوة الغبار .

(2)
مـخالــــب
تصفح الجرائد تلك التي كان قد أرسل إليها كتاباته ، صالت عيناه على أمتداد صفحاتها الثقافية . وبعد أن إرتدّت إليه مكسوة بالأنكسار ، أطلق زفراتٍ كالجمر وألقى بارتعاشة كفه في جيبه انتظر قليلاً كي يداري حيرته قبل أن يتوارى بعيداً عن عيون صاحب الكشك التي ما أنفكت تقشرهُ .
تلفَّت َ يميناً ويسارا ً ، أحسَّ وكأنه تحت وابل نظرات من تواجدوا عند الكشك . وبأنامله راح يتحسس وجهه الشاحب والنازف عرقاً ، فيما إنسلت تساؤلاته كما المخالب لتنهشه بقسوة
لماذا ؟
متى ؟
كيف؟
يجيب عنها في سره :
( في السابق كانوا يرزحون تحت سطوة الأسماء الرنانة )
والآن ( هؤلاء يتبرقعون بالشعارات الطنانه )
سارت به خطاه الى ركنه المنسي في مقهى شاكر ، يخرج عدته ( قلمه ُ والأوراق ) ، يرمقه النادل من بعيد ، ومع دخان سيجارتهِ تهادت كلماته : لا لن أسمح لهم أن يتركوني في الظلام .





(3)
رتـــابــة
بعدما تتسلل أشعة الشمس معلنة بداية يوم كسابقه .
يأتي ليلقي بحمله على مقربة من بوابة الجسر القديم . هناك ينتصب هو وبسطته . وبعينيه الذابلتين يتفرسّ في المارة حيناً وحيناً آخر ينظر بحسرة نحو السماء .
يرتب بضاعته ، يخرج الأقلام ليضعها في حيز بارز من البسطة ، ثم يتوالى ترتيب الحاجيات الاخرى في الاماكن المخصصة لها كالعادة .
فرش للأسنان ، دبابيس ، أبر ، خيوط ، دواء – غير فعال – لقتل الحشرات والفئران ، ولعب الاطفال – ولكون الحرب أقتطعت منه بعض أصابع يده اليسرى وسرقت منه أجمل سنوات العمر . تراه يحرص على ان تكون اللعب على عكس ما تحتويه البسطات المجاورة من مسدسات وبنادق ومفرقعات وحينما يكون الجسر قد أبتلع المارة وتقيأهم في الجانب الأخر .
تشح الخطى وتتوارى الاصوات . يتوجه الى ضفة النهر تاركاً بسطته نهباً للشمس بعد أن أحصى الوارد التقريبي والذي مهما يبلغ بالكاد يسد متطلبات يومه التي تظل حد الكفاف .
يغرف حفنة ماء يعبّ منها ينفثها في الهواء . ثم يدلق ضحكته الذابلة فوق وجه النهر.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح


.. عوام في بحر الكلام - إلهام أحمد رامي: أم كلثوم غنت في فرح با




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 6 مايو 2024


.. حكايتي على العربية | ألمانية تعزف العود وتغني لأم كلثوم وفير




.. نشرة الرابعة | ترقب لتشكيل الحكومة في الكويت.. وفنان العرب ي