الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سِفر الضياع في صحراء اليسار الفلسطيني

سوسن البرغوتي

2009 / 1 / 24
القضية الفلسطينية


لا بد وسط ما تتعرض له الحركات الثورية الفلسطينية من انقسامات وتراجع في الأداء، أن نقف وقفة محاسبة ومراجعة في البحث عن الأسباب وتلافيها وتصحيح مسيرة النضال بالشكل العام فهي طريقنا الوحيد لتحقيق حقوقنا الوطنية والقومية.
من الطبيعي والحال هذه أن تعترف القوى الثورية الفلسطينية والأحزاب والحركات يمينها ويسارها بهذا التراجع في الأداء، وإن تراكم الأخطاء يقود إلى تداعيات تقحم القوى في صراعات بعيدة عن مسار النضال الجوهري، وتعلو أصوات الرافضين والمطالبين بالتغيير أو التصحيح، للعودة إلى الأسس السليمة.
كما أن وجود تيار متشدد وآخر معتدل في الفصيل الواحد سينتج على المدى القريب تخبطًا في مسيرة ذلك الفصيل، فما حدث ويحدث في حركة فتح من تآكل ذاتي وانقسام سياسي وعسكري خير شاهد على ذلك.
فعلى الصعيد السياسي انقسم الأوسلويون على أنفسهم، بين مؤيد وداعم لسلطة عباس وطاقمه، وبين رافض أو معارض لخطة دايتون نتاج التفاهمات الفلسطينية- الاسرائيلية والأمريكية المشتركة.
أما فتح الياسر – حركة الأحرار- فقد رفضت بالمطلق ما آلت إليه فتح أوسلو، وفشلها في تحقيق أي إنجاز، وما تمخّض عن ذلك من تداعيات والتزامات متمثلاً بملاحقة المقاومين، واعتبار العمل النضالي عملاً إرهابياً ،جباناً وإجرامياً. بدأت حركة الأحرار بخطوة تصحيح لمسيرة المشروع التحرري الوطني، بما في ذلك التقارب مع الفصائل المقاومة الأخرى.
وعلى الصعيد العسكري، هناك عناصر من كتائب شهداء الأقصى خلعوا زيّهم العسكري، وسلموا أسلحتهم طواعية إلى أجهزة عباس الأمنية، على وعد أن تكف إسرائيل عن مطاردتهم، وهذا عمل لا يليق بالمقاومين الشرفاء، وعناصر أخرى من شهداء الأقصى (ضباطًا وأفرادًا) رفضوا الانصياع إلى الأوامر العليا، وتمسكوا بخيار المقاومة المسلحة حتى التحرير.
وهكذا حدث الانقسام، مما يعني أن فتح السلطة تزعمت تيار التخريب والفساد والتطبيع، وأساءت إلى الأصول ومبادئ الحركة، وهو عامل سيؤدي إلى انهيار الحركة، ولهذا وضع في عين الاعتبار وجوب إعادة النظر ومراجعة دقيقة لجملة من الأخطاء والخطايا، طلباً للتغيير وإصلاح الحركة من الداخل، لتعود إلى السرب الوطني.
الفصيل الثاني الذي يشهد انحرافًا واضحًا عن الهدف الاستراتيجي، هو فصيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي يبدو أنه ضلّ عن الإعلان الأساسي الذي قامت الجبهة عليه، بالاعلان عن تحالف جبهة اليسار من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
الخلل يبدو واضحاً في عدم رغبة بعض القياديين في الجبهة الاستمرار بالعمل النضالي المسلح لصالح المشروع السلمي لحل الدولتين، وميول هذه القيادات إلى دعم السلطة المحلية بالقطاعات التوظيفية والجوانب المالية، وغياب القائد الحكيم الجامع وقدرته على صنع واتخاذ القرار لهدف باتجاهين(من البحر إلى النهر)، مما جعل الجبهة عرضة لتيارات التسوية، كالجبهة الديمقراطية وحزب الشعب الفصيلين الأكثر ميلاً للنضال السلمي ، من أجل قيام دويلة على أرض الـ 67، والاعتراف بـ إسرائيل ، والغريب أن تتورط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتتحالف مع الديموقراطية، التي انفصلت عن الجبهة، لميول الثانية للتسوية!.
أما عن حزب الشعب الذي يفخر بسام الصوالحي، بأنه أول من اعترف بحق العدو بالوجود، في حين لم نعرف لحزبه نضالاً مسلحًا على الأرض وليس على الورق.
هنا نتساءل: ما الذي أوصل الجبهة الشعبية للتهافت والارتماء بصحراء هذه الفصائل، التي لا وزن ولا ثقل جماهيري لها على الأرض، هل هي العصبية القبلية وانحسار الإيمان بأيدلوجية اليسار؟، أم هو الحنين إليها ولو على حساب الثوابت الوطنية؟!.
ثمة ازدواجية واضحة في المعايير الوطنية ، تخلط بين مسيرة النضال وتصعيد جبهة الرفض للمحتل، وبين القرارات التي تتعالى بأصوات الحناجر ورؤيتها المنحرفة باتجاه واحد.
تنطلق ورقة تحالف اليسار، بترسيخ مفاهيم وتوصيات الجبهة الديمقراطية أساسًا، بدءً من حق العودة وتقرير المصير وانتهاءً بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك على الأراضي المحتلة عام 1967، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة!...
هل هذا هو التحرك الوطني، وهل هو من أجل التحرير لكل فلسطين؟، أم هو اختصار واختزال صريح لفلسطين، والاقتصار على القدس الشرقية، مما يعني، ولا مجال للتأويل، أن فلسطين المنشودة، هي المناطق الفلسطينية، التي اُحتلت عام 1967، وبما أن الجبهة الشعبية عضو في منظمة التحرير، التي تؤكد أنها الممثل الوحيد والشرعي للفلسطينيين،فإنها تعترف بـ (دولة إسرائيل) ، واعتبار وثيقة الاستقلال عام 1988 المرجعية، بذريعة المرحلة التاريخية الراهنة، فهل من خلاف بعد ذلك مع سلطة عباس، وسياسة المرحلية ، واتفاقية أوسلو نفسها؟...
ومن أجل هذا التقارب كان من الطبيعي أن يبادر التحالف الجديد بالقول وإطلاق شعارات جديدة النضال ضد الاستغلال والاضطهاد والتمييز والمقصود هنا ضد إسرائيل المحتلة للضفة والقطاع!، كإشارة إلى إمكانية القبول بدولة واحدة، إن تعذرت دولة الوهم، ولن يحصلوا على أي منهما، فالاحتلال لا يمنح هبات، إلا إذا ضمن تنازلات أخرى، كالانضمام إلى تطبيق برنامج إنهاء العنف من أجل السلام .
أما إضافة هيكلية الدولة المتخَيلة، فهم يضعون لها هيكلية محددة وسمات ديمقراطية،عصرية، علمانية. الأمر المضحك فعلاً، أن الوهم وصل إلى حد لا يُحتمل، فليعرضوا لنا أنموذج دولة واحدة في العالم ديمقراطية، ثم يأتي دور
شرط العلمانية، لتصبغ الورقة بما تشتهي سفنهم.. والسؤال الآخر هنا: ألا يتنافى هذا الشرط مع الديمقراطية المنشودة لدولة الأحلام والسراب؟!.
أما الاقتصاد الوطني المستقل ومشاريع التنمية، فكيف يمكن تحقيق ذلك في ظل التبعية الاقتصادية لـ إسرائيل !؟، ومن أين لجبهة اليسار المال، إلا إذا اعتمدت على المعونات والمساعدات الغربية والأنظمة العربية، التي كانت ُتوصف بالرجعية، فأين هو برنامج الاكتفاء الاقتصادي، قبل الحديث عن النضال من أجل بنائه؟.
لم نكد ننتهي من الميثاق المعدل ووثيقة الاستغلال ، حتى تتشبث الفصائل الفلسطينية بلا استثناء بوثيقة الوفاق الوطني..
يا جماعة الخير - أو غيره-، هذه الوثيقة، تُعنى بترتيب البيت الفلسطيني في الضفة والقطاع فقط، وتقبل بهدنة طويلة الأمد مع الجار العزيز الشريك ، فأين مصير أهل الشتات؟، اللهم غير فقرة المساندة المعنوية والتعاطف مع مشردين وكأنهم من عالم آخر.
هؤلاء اللاجئون يشكلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، وقرار التقسيم، يعزز شرعية الاحتلال، وهل هناك أخلاقيات لمحتل؟. ( المساهمة الفاعلة في حركة اللاجئين في الشتات والوطن وفي الدفاع عن حقهم في العودة إلى ديارهم تنفيذاً للقرار 194 باعتبار أن إسرائيل هي المسؤول الأول سياسياً وأخلاقياً عن نكبتهم ومعاناتهم.). أما اعتبار حق العودة رمزاً، شأنه كشأن أي شعار، فهذا التعاطف وتوفير الخدمات له، يعني بعد توطنيه أو تعويضه، ليبقى هذا الرمز كصنم أو ذاكرة ستنتهي لمجرد تحسين أحواله المعيشية!.
في الفقرة (ج) من الورقة، تتضح سياسة السيد المحرر عبد الرحيم ملوح ونايف حواتمة، ومغزى وغاية التحالف (الصيغة التفاوضية الأكثر نجاعة للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع هي صيغة المؤتمر الدولي كامل الصلاحيات الذي ينعقد في إطار الأمم المتحدة وتحت إشرافها، وبرعاية دولية شاملة ومشاركة جميع أطراف الصراع، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وفي هذا السياق تعمل الجبهة على التصدي لمحاولات الإدارة الأمريكية وإسرائيل الهادفة إلى تغيير مرجعية العملية السياسية والتنصل من متطلبات الشرعية الدولية، وصولاً إلى فرض حلول تنتقص من الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني، كما تعمل على التصدي للمحاولات الأمريكية – الإسرائيلية لتوريط الدول العربية الشقيقة في مشاريع أو حلول تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني.)، فهل عملت الشرعية الدولية أو سعت لإعادة حقوقنا المهدورة والمنتهكة، ومن هي هذه الشرعية، ومن هم القوّامين عليها؟.
إن هذا التحالف انتقص الحقوق الوطنية، فهل المطلوب من شرعية هيمنة القطب الواحد، أن ينصف الشعب الفلسطيني؟.
الفقرة بأكملها لا بل الورقة برمتها، تأكيد على الالتزام بسياسة عباس بحذافيرها، من أجل دخول عصر التنوير والتحالف مع أزلام التحوير لا التحرير.
على أساس هذه التركيبة والخلطة السحرية، فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ترفع الراية البيضاء، وتجد أن مسيرة المفاوضات أكثر نجاعة، ولم يأتِ التحالف على ذكر النضال المسلح من قريب أو بعيد.
إن الجبهة الشعبية إذ تتحالف مع آخرين يميلون إلى التسوية مع الاحتلال، أشبه بالمستجير من الرمضاء بالنار، ومن يتوهم أن الماء متوفر في الصحراء الجرداء.
كما أن المفاوضات عبثية لا يمكن أن تثمر انجازات للقضية الفلسطينية، ولا يمكن أن تحقق سلام حقيقي، بل هو السلام الذي خططت له الهيمنة الأمريكية و إسرائيل ، وعلينا أن نصل جميعاً إلى القناعة الكاملة بهذا المفهوم كي نعمل بكل الصدق والجهد لتوحيد صفوفنا النضالية، فهي سبيلنا الوحيد لتحقيق حقوقنا، وأن نجعل من وحدتنا قوة ممانعة للتصدي لاتفاقيات الذل والمهانة، ولسلطة شغلها الشاغل قتل الإرادة الشعبية.
من المحزن أن نقول بأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد أدارت ظهرها للمشروع الوطني الأساسي الكامل، وهي بذلك تعطي دعماً لبرنامج التصفية والتنازل والاستسلام، وهو أقل وأدنى من طموحات شعبنا الفلسطيني، الذي لن يقبل إلا بفلسطين كاملة غير منقوصة.
المطلوب أن تتوحد فصائل المقاومة المقاتلة دون استثناء، وتتفق على برنامج نضالي واحد وواضح، وأن تجتمع الجهود لرصّ الصفوف، لا أن يدعو التحالف اليساري إلى التعاون والتنسيق مع القوى والاتجاهات السياسية العربية الديمقراطية داخل إسرائيل ، وحركات السلام الإسرائيلية .
إن كانت هذه هي أقصى أمنياتهم، فالشعب الفلسطيني الذي قدّم الدم عبر أكثر من قرن، لن يرضى بشراكة الأرض والمصير مع من احتل أرضه، وشرد أبنائه، ويواصل في كل يوم بدعم من جهات داخلية وخارجية حصار وقتل الشعب الفلسطيني وابتلاع أرضه وتاريخه وتراثه...
الخلاصة.. قول الشهيد المؤسس للهدف القائم على الثوابت الوطنية غسان كنفاني (إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية فعلينا تغيير المدافعين لا القضية)...











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطاب عتيق عمره 30 سنة
ابراهيم علاء الدين ( 2009 / 1 / 23 - 20:41 )
ذكرني مقال السيدة التي لم تتوانى عن وصفي باشد الالفاظ قدحا وذما في تعليقات لها على بعض مقالاتي بمقالات الهدف وفلسطين الثورة والطليعة وبعض صحف الحائط في سبعينات القرن الماضي.
فيبدو ان السيدة التي من العيب ان انزل لمستواها في توصيف وجهة نظرها أوان اتمادى كما فعلت فاتهمها بالخيانة والعمالة وغيرها من اوصاف استخدمتها السيد بحقي اخجل من ذكرها
والتزاما بمناقشة نص الكاتب وليس الكاتب نفسه، والتزاما بحق الجميع بابداء وجهة نظره، وان من اهم صفات المثقف الديمقراطي ان لا يضيق بوجهة نظر الاخر مهما كان خلافه معها.
فمن المؤكد ان من الخطأ ان تقتصر قراءة الانسان -المثقف- على وجهة نظره والمجموعة التي ينتمي اليها، بل عليه ان يطلع وباهتمام وتقدير على كافة وجهات النظر، واذا كان يمتلك القدرة فله الحق ان ينتقدها يفندها كوجهة نظر دون شخصنة ومساس بشخصية الكاتب. وشتمه واتهامه بصفات لا تليق بان تصدر ممن يدعي انه مثقف، يجروء على مناقشة تنظيمات واحزاب يسارية. فكما يحق لك يا سيدة ان تهاجمي فتح وتروجي دعايات لا اساس لها من الصحة حول انشقاقها وانها على مشارف الانهيار ، وتوزعي نقدك اللاذع على سياسة الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب الفلسطيني، فان عليك الا تعترضي مطلقا على وجهات النظر التي تكشف التضل


2 - عودة الى خطاب الستينات و السبعينيات
خالد عبد الحميد العاني ( 2009 / 1 / 24 - 01:27 )
يبدو أن السيدة مغرمة بخطاب المنظمات الثورية خلال حقبة الستينات والسبعينات. بعد أربعة وأربعين عاما من إنطلاق الثورة الفلسطينية يخرج علينا من يقول تحرير فلسطين من البحر الى النهر. أين أوصلنا هذا الخطاب؟ سيدتي أرجو أن تقولي لنا كيف سيتم ذلك؟.


3 - وكاننا كنا في موقف اسوأ خلال الستينات والسبعينات
محمد خليل عبد اللطيف ( 2009 / 1 / 24 - 15:38 )
تحيتي لك ست سوسن

رغم اختلافي معك في جزئيات صغيرة الا ان ثباتك على مبادئك يستحق الاعجاب

وكأن الستينات والسبعينات كانت اسو مما نحن عليه الان من صعود لتيارات متاسلمة متطرفة فساد وافساد لمن كانت يوما ممثل شرعي ووحيد

اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب