الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نخبة محور الممانعة : العمى الإيديولوجي في خدمة تاريخ من الهزائم

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 25
الارهاب, الحرب والسلام


كشفت أحداث لبنان سنة 2006؛ كما تكشف أحداث غزة الآن انحطاط ما يسمى بمحور الممانعة ؛ والذي يتشكل في الغالب من تيارات الأصولية الدينية مضافة إلى الأصوليات القومية و اليسارية ؛ و التي توحدت بقدرة قادر – رغم اختلافاتها- في مقاربة ما يجري على الساحة العربية من خراب ؛ مستحضرة روحا عنترية لا عقلانية ؛ تنتصر للخراب و تشجع الروح الراديكالية التي لم يجن من ورائها العالم العربي إلا الخيبات ؛ منذ الناصرية و مرورا بالصدامية و انتهاء بالحركات الأصولية .
و يلعب هذا التيار على الوتر الحساس للشعوب العربية ؛ و هو إما الدين أو القومية أو الصراع الطبقي ؛ لكنه ينسى أنه لا يقدم شيئا ذا منفعة لهذه الشعوب ؛ بل فقط يجيشها و يخرج بها إلى الشوارع لتلعن إسرائيل ؛ و قد تتجاوز ذلك لتتهم دولها بالعمالة و الخيانة .
ولعل الأمر الغريب هو أن تنخرط بعض فئات النخبة المثقفة ؛ المفروض فيها مقاربتها العقلانية للأوضاع في هذه الجلبة ؛ بل و تستغل الظرف لتدافع على أطروحاتها الراديكالية ؛ التي لا تنبني على أسس فكرية واضحة تخدم شعوبها ؛ بل تقوم فقط على تصفية الحسابات الحزبية الضيقة .
لذلك لا نتفاجأ إذا وجدنا هذه النخبة تسوق على قناتي الجزيرة و العالم ... للنصر الإلهي؛ الذي أعلنه حزب الله و أكدته حماس من بعده؛ ضاربة عرض الحائط بتكوينها العلمي و الفكري؛ لاهثة وراء تسويق الإيديولوجيات؛ التي لا يمكنها أن تخدم قضايا الأمة العربية العادلة.
إن ما يجب أن يميز النخبة المثقفة عن عامة الشعب هو مقاربتها العقلانية لمجموع قضايا أمتها ؛ و محاولة توجيه المركب التائه في الاتجاه الصحيح ؛ و هذا ما يمكنه أن يمنح هذه النخبة شرف تبليغ رسالتها .
أما أن تنخرط هذه النخبة ضمن الوعي الزائف ؛ بل و تستغل تكوينها الفكري لترسيخه ؛ فذلك ما لا يمكنه أن يساهم في نشر الوعي بين الشعوب العربية بقيمة التحديات الحاصلة و المنتظرة ؛ و التي لا يمكنها أن تواجهها دائما بالعويل و الصراخ واستغاثة المجتمع الدولي ؛ بل يجب أن تكون في مستوى هذه التحديات ؛ عبر البحث في أصول الداء لاستئصاله حتى لا تستمر المعاناة .
كلنا مع قضايا أمتنا العادلة ؛ لكن هذا لا يعني أن نساير بشكل أعمى التيار الشعبي السائد و ندافع على هيجانه باعتباره الحل الأمثل لما نعانيه من أزمات ؛ لا يمكن أن تجد طريقها للحل إلا عبر التفكير العقلاني الذي يحاول التعامل مع التحديات المفروضة من منظور واقعي؛ يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية ؛ و ينظر هل تخدم مصالحنا أم مصالح الخصم ؛ و على ضوء جس النبض هذا يمكن اتخاذ الخطوات اللازمة ؛ التي تفرض علينا أحيانا القبول بأقل الخسائر أفضل من التمادي في الانتحار اللامبرر الذي لا يخدم سوى مصالح العدو ؛ باعتباره يقود المعركة بحس استراتيجي لا مجال فيه للمغامرة .
إن التفكير العنتري الذي ترسخ في ثقافتنا العربية ؛ هو الذي صنع تاريخا من الهزائم المتتالية ؛ ابتداء بهزيمة 1967 النكراء ؛ التي كان يسوق أنصاف المثقفين خلالها للإيديولوجيات الفارغة القائمة على وهم التفوق القومي ؛ و أدت الشعوب العربية الثمن غاليا .
و مرورا بكارثة العراق التي سوق خلالها أنصاف المثقفين هؤلاء لأسطورة التفوق البعثي الصدامي الذي لا يقهر ؛ و أكدوا للشعوب العربية أن صدام بجيشه و أسلحته الكيماوية و النووية و الجرثومية قادر على إبادة إسرائيل في لمح البصر ؛ و قادر كذلك عل إلحاق شر هزيمة بالجيش الأمريكي عند أبواب بغداد . لكن للأسف خاب ظنهم و انفضح أمرهم عند أبسط أفراد الشعوب العربية ؛ و أكدوا للقاصي و الداني أنهم لا يمتلكون من بضاعة سوى الإيديولوجية المؤدى عنها مسبقا من طرف أنظمة ديكتاتورية تريد تلميع صورتها عبر التسويق للوهم
و الآن و بعد أن اندحرت نسبة كبيرة من هذه الأنظمة الديكتاتورية؛ يجد هؤلاء البديل في الحركات الأصولية ؛ التي تعتبر آخر قلاع العمى الإيديولوجي في ثقافتنا العربية ؛ ليصيغوا من خلالها خطاباتهم الخشبية ؛ التي تكرس اللاعقل و وتقتل في المواطن العربي الحس التاريخي ؛ فتختلط عند القومي و الماركسي و الإسلاموي معركة حزب الله و حماس بمعركة بدر ؛ و يحدث نوع من الوئام الإيديولوجي الغريب بين هؤلاء على شاشة الجزيرة و العالم ؛ و على صفحات القدس العربي . إنه العمى الإيديولوجي الذي يقتل في الإنسان روح التفكير العقلاني؛ و يحوله إلى آلة عاطفية لا تنتج سوى العويل و الصراخ في وطن عربي لا يتقن سوى هذه المهمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل هذا الكلام
عمرو الخيّر ( 2009 / 1 / 25 - 03:07 )
يتفضل الأستاذ إدريس فيكتب أنه -بعد أن اندحرت نسبة كبيرة من هذه الأنظمة الديكتاتورية؛ يجد هؤلاء البديل في الحركات الأصولية ؛ التي تعتبر آخر قلاع العمى الإيديولوجي في ثقافتنا العربية ؛ ليصيغوا من خلالها خطاباتهم الخشبية ؛ التي تكرس اللاعقل -... و تحديدا فيما يخص العقل و اللاعقل أرجو أن يسمح لي الأستاذ الكريم إدريس أن أقول أنه يبدو واضحا أن مقاربة مثل هذا الإشكال لا يمكن أن تخرج عن حدود التعيين الفلسفي لوضعية العقل البشري في سياقه التاريخي الطويل ، وهو أمر يحتّم البحث الدائم عن جذور مرتهنة أساسا لفاعلية العقل بوصفه فرضية تحقق إشكالي لكل ما هو مختلف وفق منظومة المعرفة الإنسانية .

تأسيسا على ذلك يبدو أن أهم ما يمكن ملاحظته في موضوع الأستاذ إدريس أعلاه هو دعم ادعاء التباين بين عقلانية الإمام علي وما بلورته من -ملحقات- في تقنين القواعد الإسلامية من جهة، والتماثل الراديكالي للأصولية المقيتة التي تتبناها الأفكار الدينية عموما.

وهو أمر مشكل مرده التحكم السهل للاختلاف الظاهري الذي أعلنته بعض المقولات الفلسفية الشائعة في سياق تفريقها بين مفهومين يعتمدان على متن منهجي واحد. ولعل ذلك يمكن الإشارة إليه في ضوء الاتفاق على تعريف -العاقل- حسب الفلسفات المادية ، التي تحدده وفقا لصيغة جدل


2 - رد اعتبار
مابيهم ( 2009 / 1 / 25 - 15:42 )
الشعب الجزائري بكامل طيفه طرد المستعمر .والدول التي احتلت من قبل العثمانيين بكامل طيفها اشتركت بطرد هم وتقول -كلنا مع قضايا أمتنا العادلة ؛ لكن هذا لا يعني أن نساير بشكل أعمى التيار الشعبي السائد و ندافع على هيجانه باعتباره الحل الأمثل لما نعانيه من أزمات -وهنا أعتقد أنك مخطئ فالواضح من مقالك أنه لسنا كلنا أو أنت على الأقل طالما سمحت لنفسك بتسميته هيجانا وأعمى .وسؤالي هو إذا كانت هذه الأصوليات على حد تعبيرك الدينية والأصولية اليسارية!!!والأصولية القومية!!! تحاول أن تؤسس بشكل ما لاستعادة الكرامة العربية المهدورة فإلى ماذا يؤسس مقالك هذا

اخر الافلام

.. ارتفاع الأصوات الداعية لانسحاب بايدن من الانتخابات | #أميركا


.. الإمارات والسعودية..مرحلة ما بعد النفط| #الظهيرة




.. تأجيل النطق بالحكم ضد ترامب في قضية -أموال الصمت- | #أميركا_


.. تقسم المملكة المتحدة إلى أربعة أقاليم.. تعرف على نظام الحكم




.. اللواء فايز الدويري: ضراوة قتال المقاومة في هذه الأيام أقوى