الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذبحة غزة، إجرامية ودنيئة

ميشال فارشافسكي

2009 / 1 / 25
الارهاب, الحرب والسلام


يجب أن نقول ونكرر إن ما يجري بقطاع غزة ليس حربا، بل مذبحة تقترفها ثالث أكبر قوة جوية بالعالم ضد سكان مدنيين بلا دفاع. يجب أن نقول ونعيد القول إن مذبحة غزة ليست تصديا "غير متناسب" للصواريخ التي يطلقها مناضلو حركة الجهاد الإسلامي، وغيرها من المجموعات الفلسطينية الصغيرة، على مواقع إسرائيلية قريبة من قطاع غزة، بل هي فعل مدبر بسبق إصرار منذ أمد بعيد، وهذا ما يقر به أغلب المعلقين الإسرائيليين.


يجب إن نقول ونكرر إن تلك الصواريخ الفلسطينية ليست، كما يريد أن يجعلنا بعض الدبلوماسيين الأوربيين نعتقد، "استفزازات لا شيء يفسرها"، بل إنها أشكال رد،لا بد من الاعتراف بحجمها الهزيل،على حصار وحشي فرضته إسرائيل منذ عام ونصف العام على مليون ونصف المليون من سكان قطاع غزة، حتى النساء والأطفال والشيوخ، بيد مساعدة إجرامية من الولايات المتحدة الأمريكية و من أوربا أيضا. يجب أن نقول ونعيد القول إن الأمر لا يتعلق، كما يجري السعي إلى تفسيره لذوي الذاكرة القصيرة أو الانتقائية، بفعل "دفاع عن الذات"، تأخر طويلا، بوجه عدوان فلسطيني لا مبرر له. يعترف ايهود باراك بلا مشكلة بأن الجيش الإسرائيلي كان يستعد لضرب "الكيان الإرهابي" المسمى غزة. وكما شرح بحق ريشارد فارك،مبعوث الأمم المتحدة الخاص حول حقوق الإنسان بالأراضي المحتلة، عندما ُتعتبر منطقة يسكنها مليون ونصف مليون كائن بشري "كيانا إرهابيا"، نكون دخلنا منطق الإبادة الجماعية. إن العدوان الإسرائيلي، مثل الهجوم على لبنان في 2006 ، يندرج في منطق الحرب الشمولية الدائمة و الوقائية لمهندسي الإستراتيجية المحافظين الجدد القائمين في تل أبيب، و في البيت الأبيض أشهرا قليلة متبقية. وكما يدل الاسم، هذه الإستراتيجية وقائية، وليست قط بحاجة إلى ذرائع أنية ومحسوسة: الغرب الديمقراطي مهدد بعدو شمولي جرى في البدء تحديده بما هو "الإرهاب الدولي"، ثم "الإرهاب الإسلامي"، ليصبح في النهاية الإسلام. ليس "صدام الحضارات" لهانتينغتن وصفا للواقع السياسي الدولي، بل الإطار الإيديولوجي للإستراتيجية الهجومية للمحافظين الجدد الأمريكيين والإسرائيليين، كما صيغ بشكل مشترك في النصف الثاني من سنوات 1980. جاء الخطر الإسلامي، في إستراتيجية الحرب تلك، ليحل مكان ما مثل الخطرُ الشيوعي إبان الحرب الباردة: عدو شامل يبرر حربا شاملة. إن كان القصف الإجرامي لغزة يحظى بمساندة ُمجمعة في إسرائيل، وإن كان اليسار المؤسسي، وبخاصة حزب ميريتز، قد ضم مزماره الصغير إلى الاركسترا الحربية بقيادة ايهود باراك، فذلك بالضبط لأنه يشاطر هذا الرؤية إلى العالم التي تجعل من الإسلام تهديدا وجوديا يتعين إلزاميا تحييده قبل فوات الأوان. يجب أن تُضاف إلى هول الجريمة دناءة المعللات الآنية: ستجري الانتخابات بعد أقل من شهرين بإسرائيل، والضحايا الفلسطينيون هم أيضا حجج انتخابية. إن شهداء الهجوم الإسرائيلي على غزة هم موضوع تنافس إعلامي بين ايهود باراك و تسيبي ليفني وايهود اولمرت، حول من سيكون أشد عزما في العنف. إن مجرم الحرب الذي يقود حزب العمل، أو بالأحرى ما بقي منه، يتبجح هذا الصباح بكسبه أربع نقط في استطلاعات الرأي. علاوة على الكلبية اللامحدودة التي تتاجر بـ350 ضحية فلسطينية بريئة مقابل بضع عشرات آلاف الأصوات، يكشف باراك مرة أخرى نقص نظره السياسيوي: لن يفلح أبدا، في المزايدة على الوحشية، ورغم كل جهوده، في تجاوز بنيامين ناتنياهو، إذ يُؤثر الناخبون دوما الأصل على النسخة. هذا لا سيما أن القائد الحربي يواجه اليوم المشكلة عينها التي حولت حرب لبنان إلى إخفاق إسرائيلي تام، أي تلك مشكلة التي يعلمها كل الذين بدؤوا حروبا استعمارية: مشكلة كيفية إنهائها. " لن نتوقف إلا حينما ننهي العمل"، هكذا يقول بكل غطرسة القادة الصغار. لكن متى سيستكمل "العمل"؟ عندما يقبل سكان غزة والضفة الغربية الاستسلام أمام الأحلام الاستعمارية لقادة إسرائيل، وحصر تطلعاتهم الوطنية في "دولة فلسطينية" مختزلة في دزينة محميات معزول بعضها عن البعض الآخر ومحاصرة بجدار؟ إن كان هذا هو "العمل" الذي يأمل باراك التمكن من انجازه، فيجب على الشعب الإسرائيلي أن يكون مهيئا لحرب لن تكون طويلة جدا وحسب، بل بلا نهاية. إن كانت الدولة اليهودية مسلحة جيدا للحروب الخاطفة، لاسيما ان خيضت بالطيران، فإن الأزمة تستبد بها بسرعة حالما يتعلق الأمر بسباق مكابدة أصبح فيه الفلسطينيون، شأن كل باقي الشعوب ضحية الاضطهاد الاستعماري، معلمين. هذا ما يفسر انه في اقل من أسبوع من بدئها، ورغم التصريحات الظفراوية للساسة والعسكر، بات الجو في إسرائيل يتغير. كنا، يوم السبت الأخير بعد ساعات قليلة من قصف غزة، زهاء ألف شخص في مظاهرة، عفوية، تعبيرا عن سخطنا وخزينا، وسنكون أكثر بكثير يوم السبت المقبل للمطالبة بعقوبات دولية ضد إسرائيل و وبمثول ايهود باراك و شركائه أمام محكمة عدل دولية. أنا على يقين من ذلك.

1 يناير 2009

ميخائيل فارشافسكي

( ناطق باسم مركز المعلومات البديلة )

تعريب: جريدة المناضل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -