الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظلال الخطيئة الرشيقة

جهاد صالح

2009 / 1 / 25
الادب والفن



بعد ثمانية أشهر على تداول ديوانه الشعري في الأسواق الأردنية ظهرت موجة غضب عارمة من دار الإفتاء في الأردن ليصادر الديوان من المكتبات وليتهم الشاعر ( بالإساءة إلى الدين الإسلامي ) ويصبح مرهونا بالقتل والنبذ الاجتماعي في مجتمعات جاهلية أسيرة الثبات واللاتطور.
هذه هي حكاية الشاعر الأردني ( إسلام سمحان - 27 عاما) الذي أثار ديوانه ( برشاقة ظل) الصادر عن دار فضاءات في عمان 2008 . ضجة داخل المملكة الأردنية لاحتواء الديوان على ( إيماءات ودلالات) اعتبرها المفتي العام - نوح القضاة- ( مسيئة إلى الذات الإلهية والملائكة والرسول الكريم) ، وهكذا تحول شاعرنا المحلق في خيالاته إلى كافر ومعاد للدين. الشاعر دافع عن أفكاره وقصائده وذاته الشعرية الحرة، بالمزيد من القصائد والشعر الذي يعشق الحياة فقط.
برشاقة جسده وإيماءات لغته العذبة.. البسيطة.. يقف فتى الكلمات المتمردة على تخوم التابويات المحيطة بمجتمعاتنا الشرقية، ليرفع وشائج القصيدة عاليا، يجتاز جسر العبور إلى الجنة ، رغم أنه يدرك أن من تحت قدميه نار قد تحرق جسده وظلاله وأوراقه المترعة بالحب والمرأة والمثالية العاطفية والنزق في تصوير المشهد.
إحدى عشرة قصيدة تناوبت على صهوة الورق في اشراقة حياتية سلسة،لتخرج إلى نافذة الأمل،حلما طفوليا بنضج برتقالة الظل وتفاحة الغواية التي اختصرت لغات الشاعر ضمن رشاقة الأصابع والفكرة والحبر. تراتيل القصيدة حاولت أن تجذب العيون إليها مهما كانت النتائج،لكنها لم تخلو من إمضاءات روحانية لامست روح كاتبها:
تلقفتني رموش عينيك- ذبت..- أنا العابد النافر من أزيز رصاص الحب.. ما تبت-.
لكن الرغبة الظالمة التي تهيمن على الروح ونزوعها والجوع إلى عوالم المرأة، بالقلب والجسد والشهوة والحلم، طغت على هيكل المعاني وأسقطت الشاعر في لغة الوجد والهيام والتضرع الموحش بالغربة:
كنت ترفرفين بكامل جسدك فوق الشوك - تشتهين موت غشاء الحكمة - وتحلمين بفمي السكران في العشية - سأترك زنابقك المجففة للريح - سأترك السحاب الممتلئ بالتبغ - يلتقطه أحد المارة في ظروف مشوهة ومرتجفة-.
خبز وملح وجرح في المشاهد الشعرية ،هي انكسارات ذاتية عكست الجرح النازف في جسد الشاعر وقصائده، لتصرخ المعاني في وجه الريح والشمس ولتكون الأمكنة والأزمنة عناوين ورسائل بريدية
( للحزن اليتيم) :
وجهي كنائسيّ - الصمت.. رائحتي أول الشتاء - لي رهبة الموتى وزيتون المقابر - كان اتساعي دليل ضياعي-.
وقد ضاع بالفعل شاعر الاتساع في رهبة الكتابة والاحتراق بين اللغة الشعرية والأعراف الاجتماعية وقوانين القبيلة التي لايمكن كسرها،فكيف له أن يكسر وقد تم تكفير ( ميكي ماوس) :
رصيف البار ليس له كفوا أحد - النبي يقرأ فنجان السماء - فنجان القهوة تقرأه نساء النبي - أنا إنجيل حب وصلاة - وسحاب شقي فض بكارة يده- ومضى في شتات -.
هذه الصور الشعرية والمعاني المجازية في دلالاتها الباطنية البيضاء ، أحرقت ظلال الشاعر وأصبح خارج المدارات كلها على الأرض وفي الغيم وتحت لهيب الشمس،رغم أنه كان يمارس حقه الإنساني والمواطني في ( حرية الرأي والتعبير) ونسي أصحاب الفتاوى والتفسيرات تحت ظلال الإسلام السياسي المهيمن من حولنا، أنه هناك عقاب رباني في آخر الحياة،وكل يحاسب مثقال ذرة ما بين خيره وشره،والقانون الالاهي هو الغالب على الفتاوى الأرضية الضبابية.
كلمات الديوان والقصائد تناوبت على طقوس شعرية تلازمت في فقاعات مطرية،رسمت وجهها اختلاجات الروح وظلال المرأة ،التي فرضت سطوتها ورائحتها على الذات والمعاني والانحناءات،ليكون الديوان أشبه بجسدين وروحين لذكر وأنثى،يحتويان على مفردات الحياة المختزلة،من فرح وحزن وأمل ولحظات يومية دقيقة،بنهاراته وليله الماجن،وليسقط الجميع في رعشة الظلال التي تنسخ الأشياء بمسمياتها، ولتشكل بالنهاية رشاقة لكائن بظلال متعددة،حاولت أن تطفو بأي شكل كان على سطح الماء، وأن تنسلخ عن كل شيء وتخترق الزجاج الملوث والملون وليصير الشاعر والديوان والحريات الشعرية في قفص الاتهام:
على قلق أمحوني ، لأكتبني من جديد - على قلق أغمض عينيّ - الصورة واضحة تماما - سأثبت العدسة-.
ظلال ارتطمت بوجع الأعماق في سبيل الأنا والوجودية ،لترتد وتصطدم بقوة شهية نزغت بعيدا،لتنكسر الظلال البلورية الخائفة على رصيف شارع بلا نهايات :
برشاقة ظل كنت لا أرى - خفيفا كأزرار قميص صيفي- القحة انسابت كذبابة - لم يعرفوني - والجسد المسجى مثل دقيقة انتظار - كان في الأمس..أنا-.
هو المختبئ في انكساراته وفقاعات الهواء الأليمة والمليئة بالنشوة وإغراءات الجسد والروح والجنوح نحو ( الأنثى)، يقف بهامته ليكون شلالا مائيا ينسكب في تراب الخطيئة ( عرفا) والجنونية الإبداعية
( شعرا) وليقرر أن يسير رغم ما سيقال وقيل عنه وفيه،وهو العارف بكينونة الأمور والحواجز الاجتماعية الصلبة،وأنه يسير على ( جمر الذكورة الطافح)،وقد يحترق مع فراشاته في شعره،ولتطفئ الأضواء من حوله.فقد حكم عليه أن يكون في الظل... في العتمة...في النار:
لسمائك كل النجوم - التي تتناثر نمشا على وجهي - وجهي رمل العرّافة وأدواتها- لسمائك كل المناديل المطرزة بماء البكاء- بكاء النرجس على ناياتها المذعورة - لسمائك خلاخيل النسوة العابرات-على جمر ذكوري- وبيضتا حمامة مطفأة- عندما تتضح الملامح بعد الخريف،ستنكشف عورة المصلوب تحت الثلج- وتجيء الغربان من أرض لا حياة فيها-.
وهكذا يظل الشاعر الذي كفروه في شعره،في غمار (جنون الكلام وطقوس الحرية) ليجد نفسه( بفتوى) داخل زقاق ضيق،ينتعل حذاءا مهترىء... لايجد سماءا لأحلامه وأمانيه ، ولا مكانا لحريته الإنسانية داخل هذه الأرض.فمن ينصف الشاعر وشعره في هذا الزمن الرديء.
جهاد صالح: صحفي وشاعر سوري. بيروت
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب