الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الامازيغية واقع و تطلعات

عبد الله بادو
(Abdollah Badou)

2009 / 1 / 25
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


في البدء لابد من الإشارة إلى أن الحركة الامازيغية صارت تشكل جزء لا يتجزأ من الحركة الاجتماعية المغربية، بالنظر إلى الدور الذي أضحت تلعبه في الدينامية و الحركية التي يشهدها المجتمع المغربي خاصة في الجبهتين الجمعوية و الجامعية بالأساس، إذ تزايد و بشكل ملفت للانتباه عدد الجمعيات المهتمة بالقضايا الأمازيغية كما و كيفا، و كذا التطور الكبير الذي شهدته الحركة الثقافية الامازيغية الطلابية بمختلف المواقع الجامعية و التي باتت تتبوأ موقعا رياديا بفضل مساهمتها في التأطير و النضال من داخل الحرم الجامعي، هذا ما مكن الحركة الامازيغية بكل مكوناتها أن تصبح طرفا مساهما و فاعلا ذا قوة اقتراحية و تعبوية مهمة و رقما يصعب تجاوزه أو إقصاؤه من طرف باقية الفاعلين، مما دعم موقعها و أكسبها احتراما و تقديرا من لدن باقي مكونات الحركة الاجتماعية و المنظمات و المؤسسات الوطنية و الدولية.
و كشأن كل الحركات فإن الحركة الأمازيغية تشكل كلا غير متجانس، بحكم اختلاف الأسس المرجعية و المنطلقات الفكرية التي تستمد منها أفكارها و تستلهم منها خطابها و تؤطر بها نظريا لممارستها النضالية، و الذي له انعكاسات على الحركة بحيث نلحظ أنها تزخر برؤى و تصورات تختلف في مقاربتها للقضية و إن كانت تتلاقى في جبهة النضال من أجل إعادة الاعتبار للمكون الأمازيغي مما يفسر بطبيعة الحال اختلاف الطرق و الآليات و الوسائل التي يلجأ إليها لبلوغ أهدافها و مبتغاها، مما يغني تجربتها و يعدد الرؤى من داخلها إلا أن هذا الاختلاف يتحول إلى خلاف نظرا لغياب ثقافة و وعي جمعي يستوعب الاختلاف و يحترمه مما ينتج مناخا غير سليم قد يؤدي إلى تعثر و تصدع البيت الداخلي للحركة ويعرقل المسار النضالي للحركة، إضافة إلى ما بدأ يظهر من مظاهر الانحراف عن المسار النضالي نتيجة تأثر الحركة بمحيطها، فمن الطبيعي أن تكون عرضة لكل المتغيرات و التحولات السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي يشهدها محيطها في إطار تفاعل جدلي معه فتؤثر فيه حينا و تتأثر به أحيانا أخرى مما يغني تجربتها و يصقل قدرات فاعليها و يكسبهم خبرات أكبر و يصيرون أكثر مراسا هذا من جهة، و من جهة ثانية قد تطفو و تبرز بعض الانحرافات و السلوكات المشينة و المخلة بالقيم و المبادئ التي تأسست على أسسها و من أجلها مكونات الحركة يعد أمرا عاديا و طبيعيا، فالكل معرض للاختراق و الاحتواء و الانحراف و بدرجات متفاوتة طبعا إلا انه يجب أن نميز بين أمرين اثنين: بين من أخطأ في التدبير نتيجة الجهل وقلة التجربة و الخبرة، و بين من يتعمد التحايل و الاختلاس و جعل من العمل المدني مرقى لبلوغ أهداف و تحقيق مصالح شخصية ضيقة، فإذا كان المحيط العام هو الذي يوفر المناخ الفاسد الذي يدفع في ذلك الاتجاه إلا أنه يجب الإقرار بان درجة الممانعة و المقاومة تختلف من مكون إلى آخر بحسب مستوى تملك و تمسك هذه المكونات بمبادئها و الرسالة التي خلقت من أجلها و ترفعها عن الارتماء في أحضان الانتهازية.
انه لمن البديهي أن الحركة الامازيغية لم و لن تسلم من هذه السلوكات مادامت جزءا من هذا المحيط العام، الذي بالمناسبة تجتمع فيه كل شروط الفساد فالعقليات التي تسهر على تسيير البلاد و مؤسساتها عملت و لعقود على خلق مناخ يشجع و يحفز على الفساد و الإفساد حتى صيرت هذه السلوكات أمرا عاديا و مطلوبا للترقي الاجتماعي بدءا بتزوير الانتخابات و حماية مفسديها و خلق الإطارات السياسية و الجمعوية الصفراء للتشويش على الجمعيات الجادة و ارشاء الفعاليات السياسية و استقطابها لمنحها امتيازات و مناصب مهمة...الخ، و الاستثناء أن تجد من يتشبث و يتمسك و يقاوم التيار الجارف، و الذي جعلته الدولة بترسيخها لمبدأ الإفلات من العقاب و المساءلة درعا يحمي كل الفاسدين و المفسدين، و اندماجها في محيطها و تفاعلها معه يجعلها عرضة لكل المتغيرات و التحولات، إلا إن فعاليات المجتمع المدني المناضلة وجب عليها أن تحصن نفسها قدر الإمكان من كل الانحرافات و أن تقاوم و تواجه تيار الفساد و المفسدين تحقيقا لرسالتها الراقية و الشريفة بان تكون رمزا للعمل الجاد الصادق و مثالا لنكران الذات.
إن النمو المطرد لعدد الجمعيات الأمازيغية و غيرها يعد مؤشرا قويا على تطور النسيج الجمعوي الأمازيغي خصوصا و المغربي عموما، و ثمرة مجهود نظري و فكري من الفعاليات الأمازيغية المؤمنة بعدالة مطالبها و الطامحة إلى إرساء دعائم مجتمع مدني ديمقراطي حداثي يقطع مع النظرة التقليدية للقضية الامازيغية و يكسبها أبعادا أعمق و آفاقا إستراتيجية مما يعضد جسد الحركة الاجتماعية المغربية بطاقات و أفكار تجعل منه شريكا و محاورا حقيقيا لها من جهة و للدولة و مؤسساتها من جهة ثانية، إلا أن هذا النمو لم يسلم بطبيعة الحال من الانحرافات و الانزلاقات و التي لا يجب أن تنسينا ا وان تحجب عنا الوضع المتقدم الذي صارت تضطلع به الجمعيات الامازيغية من الدفاع عن المطالب الامازيغية و التعريف بها في كافة المحافل الوطنية و الدولية، فظهور سلوكات انتهازية و من لدن بعض ’’الفاعلين’’ (مع تحفظي على نعتهم بصفة فاعلين بل بمنتفعين ستكون أصدق تعبير لما يقترفونه باسم المجتمع المدني) و استغلالهم لقضايا بما فيها الامازيغية طبعا، ليس و ليد اليوم أو المرحلة الحالية بل نتيجة و صيرورة طبيعية لتداخل عوامل عدة منها الذاتية و الموضوعية كغياب الديمقراطية الداخلية التضييق المستمر للعمل الجاد من طرف الدولة و مؤسساتها و غياب قنوات و وسائل المراقبة القادرة على رصد التلاعبات التي قد تشهدها الحياة الجمعوية و دعم الدولة للمنظمات و الهيآت التابعة لها و المساندة لسياساتها في شتى المجالات لكسر شوكة الجمعيات المستقلة و الفاضحة و من بين الاختلالات و الانحرافات التي تم رصدها، يمكن تصنيفها إلى مستويين:
على المستوى المواقف و الخط النضالي:
• الالتفاف و التنكر للمطالب التاريخية و المشروعة للحركة الأمازيغية، و العمل على الإشادة بالمنجزات الشكلية و الباهتة للدولة في موضوع الامازيغية و الأدهى من هذا أن البعض منهم نصب نفسه محاميا شرسا و أداة في يد المخزن لضرب الفعل الجاد و استهداف المناضلين الرفاء، إضافة إلى غض الطرف و السكوت عن التراجعات الخطيرة التي شهدها مجال الحقوق الثقافية و اللغوية و الاجتماعية و السياسية للمواطن الأمازيغي، و كذا الاختلالات التي شهدها إدماج الامازيغية في التعليم و الإعلام، و غياب أي موقف رسمي بخصوص دسترة الأمازيغية .
• التملص من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق كل الفاعلين لدعم نضالات الحركة الأمازيغية و النضلات الجماهيرية في المعارك البطولية التي تخوضها بمجموعة من مناطق المغرب و المواقع الجامعية ( بومالن دادس، سيدي افني، امكناس...)
• التواطؤ الصريح مع السلطات الرسمية لإفراغ العديد من الإطارات الوطنية و الدولية الامازيغية من مضمونها النضالي و تحويلها إلى أبواق للدعاية و الترويج للسياسات الرسمية (للكونكريس العالمي الأمازيغي نموذجا).
على مستوى التدبير الإداري و المالي:
• هدر المال العام و اختلاسه بتحويل الأرصدة من حسابات الجمعيات إلى حسابات شخصية للقائمين على تدبير تلك الجمعيات، و كذا الارتماء على تجهيزات و ممتلكات الجمعيات.
• غياب الشفافية في التدبير الإداري و المالي، و عدم تقديم التقارير الأدبية و المالية و نشرها لتصبح في متناول الأعضاء و العضوات و كافة المواطنين مادام الأمر يتعلق بالمال العام.
• انجاز تقارير عن أنشطة وهمية لم تنجز إلا في مخيلات أصحابها و بطبيعة الحال اختلاس المبالغ المخصصة لانجاز تلك الأنشطة.
• الارتزاق بواسطة الجمعيات حيث ظهرت العديد من الجمعيات و الإطارات الوهمية أو ذات العمل الموسمي بهدف الاستفادة من الدعم السخي الذي تمنحه بعض مؤسسات الدولة و المنظمات الوطنية و الدولية مستغلين في ذلك غياب آليات للتتبع و التقييم و المحاسبة.
• غياب الحكامة في التدبير حيث تغيب هياكل و أجهزة الجمعيات و عدم احترام قوانينها الأساسية و الداخلية بما فيها الحرص على دورية جموعاتها العامة و احترام مواعيد اجتماعها العادية و إشراك باقي الأعضاء في التدبير و التسيير، هذا إن وجدوا في الأصل، و تفشي ظاهرة التسيير الانفرادي.
على العموم إن هذا الوضع يدعو الحركة الامازيغية و كافة الفعاليات الجادة و الملتزمة بالخط النضالي الحقيقي، كل و احد من موقعه، إلى فتح و تعزيز قنوات التواصل و العمل على توسيع قاعدة الفعل الجاد و ترسيخها، بفضح كل المتطفلين و المرتزقين على حساب القضية الأمازيغية، مما سيمكن الحركة من التخلص من تلك الشوائب العالقة بها و التي تسيء إلى نفسها و إلى باقي المكونات بحكم الخلط و اللبس الذي ينشأ بفعل ممارستها و سلوكاتها و الذي يؤدي إلى ضرب المصداقية التي يتحلى بها عمل المجتمع المدني مما يوسع الهوة بين المواطنين و المؤسسات و يسقط الثقة في منظماته، تحصينا للعمل الجاد من كل الاختراقات و الانحرافات التي تبعدها عن رسالتها الشريفة.
منذ تأسيس المعهد، و الذي تفاءل البعض بمجيئه منتظرين أن يعمل على تعزيز مكانة الأمازيغية في كافة المجالات، لوحظ تناسل و تضخم في عدد الجمعيات بشكل مثير للريبة و الشك يطرح التساؤل حول المنطلقات و الأسباب الكامنة وراء ذلك، هل هذا التنامي طبيعي و نتيجة مجهودات مناضلي الحركة الامازيغية و نعتبره آنذاك معطى و مؤشرا على تنامي الوعي الهوياتي و الحقوقي لدى شرائح واسعة من الأمازيغ، إلا أن التأمل المتأني للأداء العام للحركة في ضوء هذه المتحولات و التطورات يبين أن الأمر بعيد كل البعد على أن يكون الأمر تحولا في الاتجاه الايجابي لدعم موقع الحركة وتعزيز قوتها بقدر ما هو تحريف لها عن مسارها، و أكيد أن السياسة التدبيرية التي انتهجها المعهد ساهم في تفشي و تفاقم الوضع، فجميل أن يتقرب إلى الحركة ويستمع إلى نبضها ويتجاوب معها، إلا أن العكس هو الذي حصل، فالمعهد نهج سياسة ’’القرب’’ المؤسسة على ’’الشراكة السلبية’’، دعم بطعم الارشاء، مع الجمعيات الأمازيغية كآلية لكسر طوق الحصار و الانحصار السياسي الذي يعانيه بهدف خلق التفاف عدد كبير من الجمعيات و لو عدديا حوله للتغطية على فشله و إخفاقه البنيوي المرتبط بطبيعته و الوظيفة التي خلق من أجلها في محالة يائسة لتملك شرعية لطالما افتقدها.
و نتيجة لهذه السياسة، و التي تستمد جذورها من السياسة الرسمية للدولة المرتكزة على الزبونية و الهدر و سوء التدبير و غياب العقلنة و الشفافية، تناسل بشكل ملفت عدد الجمعيات بهدف الاستفادة من شيكات الدعم السخي التي يوزعها المعهد في كل الاتجاهات مما يدعو إلى طرح التساؤلات حول يدبر بها المعهد مسألة تمويل مشاريع و برامج الجمعيات خاصة أن العلاقة التي تربطه بتلك الجمعيات تنتفي فيها شروط الشراكة السليمة و الشفافة، فالشكل الذي تدبر به حاليا عملية التمويل تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن المعهد لا يتوفر على تصور دقيق لعملية التمويل كما انه لا يتوفر على جهاز متخصص ذي كفاءة في تقييم المشاريع المقترحة من الجمعيات و تتبعها و التحقق من مدى قدرتها على تدبير تلك مقترحات المشاريع، أي ان المعهد تحكمه المقاربة الإحسانية/الارشاء و الكمية بهدف كسب تأييد طرف من الجمعيات الأمازيغية و لهذا نلاحظ أن التقييم يقتصر على ذكر عدد الجمعيات المستفيدة دون ذكر المؤشرات و الأهداف التي تم تحقيقها بفضل تلك المشاريع المنجزة و النتائج المحصلة، و هو ما يبرر بروز العديد من الجمعيات المتمزغة كالفطر المقتنصة لفرص الفوز بالدعم السخي الذي يقدمه المعهد دون محاسبة بعدية، إضافة إلى استفادة العديد من جمعيات أعضاء مجلس إدارة المعهد من حصص مهمة من الدعم. كما أن غياب أرقام رسمية عن حجم الأموال الموزعة و عدد الجمعيات المستفيدة يطرح تساؤلات عن درجة شفافية تدبير العملية ككل، و نتمنى أن يسهر المعهد على نشر ذلك مستقبلا ليقدم نموذجا على المؤسسة الوطنية الشفافة المنفتحة على باقي الشركاء. و إذا كان المعهد في سياسته الانفتاحية تجاه فعاليات المجتمع المدني يرى بدا من استمرار تقديم التمويل، فالأجدر به أن ينشئ صندوقا خاصا لدعم المبادرات الأمازيغية و يمكنه من الآليات الضرورية للإشراف على مشاريع الجمعيات الرامية إلى دعم الجهود من اجل تحسين أوضاع الأمازيغية، مما سيكسبه شفافية أكثر في التدبير و نجاعة التدخل.

أوردت هذه التوضيحات و الملاحظات، من موقعي كفاعل مدني، بهدف إجلاء الحقيقة و كشف بعضا من الأوهام و الأضاليل التي يسوقها و يروجها ثلثة من النخبة الأمازيغية الممخزنة أو النخبة الامازيغية المولوية على حد تعبير اوتركين، و فضح بعض التجاوزات و الإخفاقات التي طبعت أداء الحركة الامازيغية، بهدف إطلاق حوار وطني على الأمازيغية بعيدا عن الديماغوجية و المصالح الشخصية الضيقة، و ما السلوكات الارتزاقية إلا جزيئة صغيرة من المعيقات التي تعرقل و تشوش على العمل الجاد، بغرض إعادة رص الصفوف و تقوية عضد الحركة، الأمازيغية علها تتخلص من هذه الشوائب، لمواجهة التراجعات التي بات يشهدها المشهد الحقوقي عموما و الأمازيغية خصوصا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |