الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب الله لم يكن يتوقع قوة الهجوم و حماس لم تكن تتوقع استمرارية الهجوم

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


من بين التصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام بعد الهجوم الصهيوني على لبنان؛ تصريح حسن نصر الله بأنه لم يكن يتوقع قوة و عنف الهجوم الإسرائيلي على لبنان؛ و لو كان يتوقع ذلك لما أقدم أصلا على اختطاف الجنديين الإسرائيليين. و في تصرح مماثل نقلته قناة العربية؛ أكد خالد مشعل أنه لم يكن يتوقع استمرارية الحرب على غزة طيلة هذه المدة؛ و لو كان يتوقع لما خرقت حماس التهدئة أصلا.
و كلا التصريحين يتناقضان مع أسطورة النصر الإلهي ؛ التي يسوق لها تيار الممانعة ؛ بل و يؤكدان بالملموس على تهافت ما يسمى بفكر المقاومة ؛ و الذي لا يمتلك حسا سياسيا بسيطا بله الحس الاستراتيجي الواضح ؛ الذي يجب أن يقود أية معركة ضد عدو يعرف كيف يقود معركته و كيف يسوق لها سياسيا و إعلاميا .
إن من بين الشروط البسيطة للدخول في أية معركة ؛ القدرة على التوقع ؛ توقع قوة الخصم أو ضعفه ؛ توقع الأجندة السياسية التي توجهه في المعركة ؛ توقع تأثير علاقاته الخارجية على سير المعركة و على نتائجها ؛ و توقع حجم الدمار الذي يمكن أن يحصل ؛ و الاستعداد للتعامل معه .
لكن ما نستشفه من خلال التصريحين معا ؛ هو أن حزب الله بقدراته الاستخباراتية الخارقة
التي تتحدث عنها قنوات المنار و العالم و الجزيرة بانبهار و يؤكده جنرالاتها ؛ لا يمتلك أبسط شروط المعركة ؛ و رغم ذلك فهو يدخلها مسلحا بالإيمان و الوعد الإلهي بالنصر ؛ والنتيجة طبعا دمار شامل عم كل ربوع لبنان و ضحايا بالمئات ؛ و أخيرا عسكرة الحدود مع إسرائيل لشل قدرات الحزب الصاروخية إلى الأبد .
و المشهد لا يختلف مع حماس قيد أنملة ؛ فقد تكرر انعدام أبسط شروط المعركة ؛ و أدى الفلسطينيون المدنيون- طبعا - ضريبة غالية الثمن ؛ و ستؤدي حماس بعد المعركة نفس الضريبة ؛ لأنها ستحاصر من كل جانب ؛ و الاتفاقيات التي تبرمها إسرائيل مع الاتحاد الأوربي و أمريكا بخصوص منع تهريب السلاح إلى قطاع غزة خير دليل على هذا الحصار المنتظر .
و في الأخير ستؤدي القضية الفلسطينية الثمن الأغلى في تاريخها ؛ لأن صواريخ حماس ستوجه إلى الداخل لقلب المعادلة السياسية السائدة ؛ بعدما فشلت في قلب المعادلة خارجيا ؛ كما حدث مع حزب الله في لبنان تماما ؛ إذ انتصر الحزب داخليا عبر فرض شروط المعركة على الفر قاء السياسيين اللبنانيين بالسلاح تعويضا عن الفشل الخارجي ؛ الذي طالما سوق له تحت شعار النصر الإلهي .
إن انعدام الحس الاستراتيجي الذي يتجلى في انعدام القدرة على التوقع ؛ هو الذي تحكم في قيادة معارك خاسرة؛ و هو ليس مقتصرا على حزب الله و حماس كحركات أصولية بل يتعداهما إلى الإيديولوجية البعثية ؛ حيث لم يتوقع عبد الناصر في 1967 أن تحلق الطائرات الحربية الإسرائيلية فوق سماء القاهرة ؛ كما لم يتوقع حافظ الأسد أن تحتل إسرائيل الجولان ؛ كما لم يتوقع صدام حسين أن تنقض أمريكا على العراق .
و لأنهم جميعا لم يتوقعوا ؛ و لأنهم جميعا من طينة فكرية واحدة تستعيد متخيلا واحدا يقوم على العنتريات و الخوارق بعيدا عن أي حس استراتيجي يقود قضايا أمتهم ؛ فقد صنعوا هزائم واحدة ؛ لا تختلف رغم اختلاف مراحلها التاريخية .
و لو كان هؤلاء القادة الخشبيون يمتلكون حس التوقع لما خسرت الأمة العربية قضاياها العادلة في معارك تقوم على المغامرة و الانتحار .
بالضبط هذا هو النموذج الذي تبشرنا به نخب الممانعة لكي ننجح في معاركنا المستقبلية ؛ و يكفيهم ردا أن نذكرهم بالانهيارات المتتالية التي رافقت هذا النموذج منذ ظهور هذه النخب على الساحة السياسية و الإعلامية مسوقة للانقلابيين البعثيين من عبد الناصر إلى الأسد إلى صدام ؛ و الآن تسوق للانقلابيين الأصوليين في غزة ؛ محاولة البحث عن النموذج المماثل للنماذج البعثية المنهارة ؛ لاستعادة تاريخ الهزائم و العنتريات .
إن من تابع قمة الدوحة مؤخرا و ما كتب حولها من طرف نخب الممانعة؛ يفهم بشكل عميق طبيعة النموذج الذي يبشرنا به هؤلاء ؛ وهو نموذج من طينة تلك الخطب العنترية التي كان يطلقها الصحاف و الجنود الأمريكيون يقتحمون بغداد من كل الجوانب ؛ و هي نفس الخطب التي تلاها من قبله عبد الناصر و الأسد و صدام ؛ و يكررها الآن قادة حزب الله و حماس ؛ و يسوقها مثقفو الممانعة على القنوات التلفزيونية و صفحات الجرائد و المواقع الإلكترونية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طرح علمي رصين يُشكر عليه الكاتب
الدكتور صادق إطيمش ( 2009 / 1 / 26 - 14:10 )
شكراً لك على هذا التحليل العلمي الرصين الذي أرجو ان يتعلم شيئاً منه كل المتاجرين بالشعارات الفارغة التي يتاجرون بها منذ ستة عقود من تاريخ هذه الأمة التي اصبحت نكتة العالم الحديث في تخلفها وانحطاط مستوى أنظمتها

اخر الافلام

.. ارتفاع الأصوات الداعية لانسحاب بايدن من الانتخابات | #أميركا


.. الإمارات والسعودية..مرحلة ما بعد النفط| #الظهيرة




.. تأجيل النطق بالحكم ضد ترامب في قضية -أموال الصمت- | #أميركا_


.. تقسم المملكة المتحدة إلى أربعة أقاليم.. تعرف على نظام الحكم




.. اللواء فايز الدويري: ضراوة قتال المقاومة في هذه الأيام أقوى