الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن غزة والوضع العربي

سلامة كيلة

2009 / 1 / 26
القضية الفلسطينية


ما يجري ضد غزة يجب أن يطرح الأسئلة أكثر مما يثير الانفعالات. فما يجري هو مجزرة، وما من شك في أن الهدف الصهيوني منذ فرض الحصار والقتل البطيء لسكان غزة، والقصف المستمر، ثم الآن القتل والتدمير الشاملين، كلها وما سيأتي بعدها، هو إنهاء "مشكلة غزة". الكثافة السكانية العصية على السيطرة، والعصية على الترك النهائي. حيث أن النتيجة المتوخاة هي وضع السكان في ظرف يفرض على كثيرين منهم الرحيل.
لكن، ماذا يمكن أن نفعل من أجل أن نمنع ذلك؟ هل يكفي تحرّك الشارع العربي؟ لقد تحرك في كل اللحظات المشابهة دون أن يمنعها أو يجعلها لا تتكرر.
قبل الحرب الإمبريالية الأميركية على العراق سنة 2003 جرت نقاشات عديدة في الإعلام الأميركي، وفي الإدارة كذلك، حول رد الفعل المتوقع من "الشارع العربي" (كما كان يسمى آنئذ). وكان الشعور بخطورة الخطوة الأميركية يفرض على الإدارة طرح هذا التساؤل، حيث أن احتلال العراق هو تغير إستراتيجي عميق وخطير لكل المنطقة. لكن كانت النتيجة التي انطلقت منها تلك الإدارة عي أن "الشارع العربي" سوف يعبّر عن انفعاله ثم يركد إلى السكون، لأنه ينطلق عفوياً دون هدف سوى التعبير عن الانفعال. إذن، لتكن الحرب وليتحقق الاحتلال. وهذا ما حدث.
لهذا نرى كيف يتدمر العراق يومياً و"الشارع العربي" دون فعل سوى الحسرة والألم والاحتقان. وهو ما حدث في بداية الانتفاضة الثانية وخلال مجازر جنين في فلسطين، حيث خرجت الملايين في مصر والمغرب وكل البلدان العربية. لكن دون جدوى، حيث استمر القتل في فلسطين وتصاعد، واستمر احتلال العراق، وجرى الإمعان في القتل والتدمير فيه.
هذه هي المسألة التي تحتاج إلى تفكير، ونحن نرى مجدداً مجزرة جديدة، ومجازر أخرى قادمة. حيث أن المبدأ العام الذي ينطلق منه القادة في الولايات المتحدة والدولة الصهيونية هو: سكان عرب أقل. ليس كافياً، ولم يعد مفيداً، إصدار البيانات. وليس كافياً خروج مظاهرات الاحتجاج، لكي يعود الغاضبون إلى سابق عهدهم انتظاراً لمجزرة جديدة. حيث بات رد الفعل هذا دون تأثير، وخارج حساب السياسات الأميركية والصهيونية. فالفعل مؤثر يكرس تفاقم الهيمنة، والتوسع الصهيوني، والسيطرة الإمبريالية. بينما لا يعدو رد الفعل عن أن يقول أننا نحتج. طبعاً هذه ليست مشكلة الطبقات الشعبية، فهذه هي قدراتها وهي تتعامل بعفويتها. إنها تنشدّ إلى الحدث لتتفاعل معه في حركة انفعالية عفوية. لكنها يمكن أن تتحوّل عبر هذا الفعل إلى قوة. وهذا ما يحتاج إلى طرح الأسئلة.
إن وقف المجازر الأميركية الصهيونية لا يتحقق عبر البيانات، ولا بالمناشدات، وحتى بأشكال التظاهرات التي تحدث. وهذا ما يمكن أن نكرر اكتشافه عشرات المرات خلال مسيرة الصراع على الوطن العربي. فقط يمكن ذلك عبر الصراع. وإذا كانت النظم العربية متوافقة مع السياسة الصهيونية الإمبريالية، وتعمل على التكيف مع كل آليات سيطرتها، وتقدم لها الغطاء في كثير من الأحيان. وإذا كان "الشارع العربي" كعادته يتحرك، يعبّر عن غضبه، يتألم، يكبت ألمه، ثم ينكفئ لأن "لا حول ولا قوة" له، كما يعتقد هو، رغم أنه قوة التغيير والمواجهة، وهو القوة التي يمكن أن تعدل ميزان القوى في الصراع القائم. فكيف إذن، يمكن أن تغير في طبيعة الصراع بما يسمح بتغيير ميزان القوى؟
هذا هو السؤال الجوهري اليوم؟
بمعنى، كيف يمكن أن تتحول احتقانات الطبقات الشعبية، وردود أفعالها وانفعالاتها، وبالتالي تظاهراتها، إلى فعل يغير من طبيعة الوضع القائم؟ تغير من ميزان القوى ومن التحكم الإمبريالي الصهيوني في كل الوطن العربي؟
المشكلة هنا هي أن النظم العربية هي المعنية بضبط الوضع في كل بلد عربي، وبالتالي تكبح كل ميل لمقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني. وهو الأمر الذي يفرض التفكير في هذه الوضعية ملياً. مما يفرض تحويل هذا الاحتقان، وهذه التحركات ضد النظم أولاً من أجل التغيير، في سياق بناء نظم معنية حقيقة بمواجهة الوجود الإمبريالي والدولة الصهيونية. خصوصاً وأن تلك النظم تمثل طبقات تتشارك مع الرأسمال الإمبريالي في نهب الطبقات الشعبية ذاتها، ومن الوضع الاقتصادي المزري الذي توجده.
لقد أنتجت نكبة فلسطين سنة 1948 حراكاً في كل الوطن العربي قاد إلى تحقيق تغيرات كبيرة، حيث سقطت نظم وانتهت طبقات. وإذا كان ذاك التغيير لم يؤسس ما يحقق الاستقلال والتطور، وبالتالي إنهاء الوجود الصهيوني والسيطرة الإمبريالية، فإن الوضع الراهن يفرض أن تتحقق تغيرات كبيرة، ليس فقط من أجل وقف المجازر ومنع الاستباحة التي يعانيها الوطن العربي فقط، بل من أجل الاستقلال والتطور وتحقيق مصالح الطبقات الشعبية تلك.
إن المطلوب اليوم هو تحويل الانفعالات إلى فعل، وتحويل الحشود الغاضبة إلى قوة تغيير. تغيير النظم التي هي امتداد للسيطرة الإمبريالية والوجود الصهيوني. لكي يكون ممكناً بناء القوى القادرة على تغيير ميزان القوى لمصلحة العرب، وبالتالي المنع النهائي لكل القتل والمجازر والتدمير والنهب الذي تمارسه القوى الإمبريالية الصهيونية.
والرد يجب أن يوضع في إطار مشروع تحرري عربي، يعبّر عن الطبقات الشعبية، ويسعى لتحقيق سلطتها. وهذه النقلة هي مهمة اليسار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كذلك وضع غزة وكل فلسطين
ابو العز ( 2009 / 1 / 25 - 19:44 )
هكذا الكلام السليم والاليم للقوى التي تدعي اليسارية ومن يزايد من الحكام في المنطقة ولكن قبل هذا وذاك يحتاج الامر لقناعة مشتركة صحيحة من قبل القوى المعنية الاتفاق على الخطوط العامة والعمل بجد بهذا الاتجاه


2 - هزيمة الفكر الظلامي
خالد عبد الحميد العاني ( 2009 / 1 / 26 - 03:03 )
إن نقطة الأنطلاق هي في هزيمة الفكر الظلامي حيث تهيمن القوى الظلامية على الشارع العربي تحركه كيفما تشاء وأينما تشاء بتواطء مكشوف مع الأنظمة العربية المعتدلة منها والممناعة. لذلك فتحرير الجماهير من تأثير الفكر الظلامي هو مهمة القوى اليسارية العربية التي يجب أن تتوحد لدحر المشروع الظلامي في المنطقة . إن مانشاهده الأن هو إنجرار الكثير من الأقلام اليسارية وحتى تنظيمات يسارية للسير وراء المشروع الذي تدعو له قوى ظلامية مثل حزب الله وحركة حماس بالتواطأ مع القوى القومية في المنطقة والتي إندحر مشروعها فتحاول أن تجد لها موطأ قدم في المشروع الأسلاموي الظلامي وهذا ما يساعد في تضليل الجماهير الغاضبة وإمتصاص غضبها بالحديث عن إنتصارات وهمية لا وجود لها إلا في عقول مرديديه من الأسلامويين والقوميين. ا


3 - التعاون او الانجرار
سعد السعيدي ( 2009 / 1 / 26 - 12:13 )
الى السيد خالد العاني

لا ادري بكلامك اعلاه إن كنت قد ميزت بين ما يحدث فعلآ ام لا. لا ارى اية

إنجرار الكثير من الأقلام اليسارية وحتى تنظيمات يسارية للسير وراء المشروع الذي تدعو له قوى ظلامية مثل حزب الله وحركة حماس بالتواطأ مع القوى القومية في المنطقة

كما تدعيه. اين اثباتك حول هذا الانجرار ؟ كون القوى القومية قد إندحر مشروعها فهذا امر واضح. وبهذا تكون الساحة قد اخليت تمامآ للقوى الظلامية. لكن ما اراه هي محاولات للتنظيمات اليسارية لتجميع القوى كلها ان امكن تحت شعار التصدي للمشروع الغربي الصهيوني في المنطقة. فهذا هو التهديد الرئيسي فيها. وبغياب قيادة قومية او علمانية معترف بها فلا من مناص من التعاون على ما رايته مع الذي يمسك بالساحة حاليآ.
وهذا التعاون الذي اجبرت عليه التنظيمات اليسارية لا ادري كيف رايته انت انجرارآ ؟؟؟

اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ