الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضايا العربية و الرهان الخاطئ على إدارة أوباما

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أن أعلن باراك أوبا ما عن ترشحه لتمثيل الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ؛ سال مداد كثير على صفات الإعلام العربي ؛ و قد كان الاتجاه السائد هو الترحيب المبالغ فيه بهذا الترشح ؛ باعتباره فتحا جديدا سيعود على القضايا العربية بالنفع العميم .
و قد وصلت درجة التفاؤل قمتها حين ركز بعضهم على الجذور الإسلامية لباراك أوبا ما ؛ و أضاف آخرون أن اسمه الحقيقي هو "براق" و ليس "باراك" ؛ و ركز آخرون على اسم حسين العربي الذي هو جزء من الاسم الكامل لأوبا ما ؛ و الذي تلاه عند القسم ؛
و يستمر الهذيان ليصل قمة مداه حين يبحث آخرون عن جذوره اليمنية أو السودانية .
و لعل المتتبع لكل هذه الجلبة ليستشف أن الشعوب العربية ؛ و حتى مع نخبها ما تزال تقارب الأمور بشكل وجداني ؛ يستحضر الأصل و الانتماء الديني أو القومي كمحددات للشعور بالتقارب ؛ بينما لا يحضر في هذه المقاربات ما يرتبط بفكر الدولة الحديثة القائمة على المؤسسات ؛ و التي تقيم علاقاتها على أساس المصالح المشتركة ؛ لا على العلاقات الدينية و القومية .
و من هذا المنطلق لا يمكن أن ننتظر من أوبا ما الكثير حتى و لو كان عربيا مسلما ولد و نشأ في مكة ؛ إذا لم نرتق بعد إلى مستوى إقامة علاقات قائمة على المصالح المشتركة مع أمريكا كدولة ؛ و ليس مع اوباما أو غيره .
إن هذا الوعي الذي يتعامل مع أوبا ما باعتبار أصوله ؛ هو الذي يعرقل الوحدة العربية ؛ قبل أن يعرقل علاقة العرب مع أمريكا و أوربا و الصين و روسيا ... و ذلك باعتبار الوحدة العربية المنشودة وحدة قومية و دينية؛ لا اتحادا قائما على معاهدات و اتفاقيات واضحة تحفظ مصالح كل دولة في علاقتها بمجموع الدول الأخرى. إن ما وحد أوربا ليس هو الدين أو اللغة و الثقافة المشتركة؛ و لكن هي المصالح المشتركة.
من هذا المنظور لا يمكننا أن نراهن على أوبا ما أو غيره خارج إطار المصالح المشتركة ؛ التي يجب أن ننسجها مع أمريكا و الاتحاد الأوربي و روسيا و الصين كدول فاعلة في صياغة السياسة الدولية ؛ و إذا تحقق هذا الرهان يمكن أن نتعامل مع أي إدارة أمريكية أو غيرها ؛ سواء كان قائدها مسيحيا أو يهوديا أو زرادشتيا ؛ و سواء كان عربيا أو أعجميا –بتعبير القدماء- مع الرهان على خدمته لقضايانا –طبعا- لخدمة مصالحه المشتركة معنا .
إن السؤال المطروح على الكيان العربي حاضرا و مستقبلا هو سؤال مرتبط بالقدرة على التموقع استراتيجيا في عالم رأسمالي لا يؤمن إلا بالمصالح المشتركة ؛ و ذلك عبر استثمار رأسمالنا الرمزي و المادي – بتعبير بيير بورديو - لنسج علاقات قائمة على المصالح مع الدول الفاعلة في صناعة و تحريك القرار الدولي ؛ و نحن لا ينقصنا هذا الرأسمال ؛ فرمزيا نمتلك كفاءات سياسية و فكرية قادرة على نسج هذه العلاقات ؛ و ماديا نمتلك ثروات متنوعة تجمع بين بترول المشرق و فوسفا ط و سمك المغرب ؛ و التي يجب استثمارها في صناعة لوبيات ضغط على شاكلة اللوبي الصهيوني ؛ الذي عرف كيف يستثمر علاقاته المصلحية مع الدول الفاعلة في العالم للدفاع عن مشروعه الاستعماري و التغطية عن جرائمه .
إن ما يجب أن نعترف به كشعوب و حكومات عربية هو أننا فشلنا في التموقع استراتيجيا حينما كان العالم متعدد الأقطاب ؛ لأننا نسجنا علاقاتنا على أسس خاطئة لا تنبني على المصالح المشتركة ؛ و لذلك كان توجه الكثير من الدول العربية لنسج علاقات مع المعسكر الشرقي قائما على أساس قيمي ؛ يرتبط بالانتصار للعدالة و الحرية و الاشتراكية ... بينما توجهت إسرائيل لتكوين لوبيات اقتصادية في أمريكا و أوربا و الاتحاد السوفييتي ؛ من دون الالتفات إلى الإيديولوجية ؛ و لذلك استفادت من علاقاتها ؛ و دعمها الاتحاد السوفييتي (نصير الحرية و العدالة و الاشتراكية) قبل أمريكا و أوربا في حروبها الاستعمارية ؛ بينما اكتفينا نحن بالاستجداء –كعادتنا دائما- و المناداة بالقانون الدولي و الشرعية الدولية ؛ و كأن هذه المفاهيم قيم و أخلاق و ليست أدوات في أيدي الأقوياء يدافعون من خلالها عن مصالحهم.
و ما أشبه اليوم بالأمس؛ و كأن التاريخ العربي لا يتحرك؛ و لا يستفيد من الدروس الكثيرة التي يتلقاها في كل مرة بشكل أكثر عنفا من سابقه ؛ ما زلنا شعوبا و حكومات نتعامل مع العلاقات الدولية على أساس القيم و الأخلاق و نحاكم العالم من منظور أخلاقي قديم ؛ بينما قطع العالم أشواطا في تحولاته و أصبح عقلا يفكر بشكل براكماتي لا فلبا يشعر بنواحنا و استجدائنا .
لنكن صرحاء لا يمكننا أن نراهن على الإدارة الأمريكية الجديدة التي يقودها باراك أوبا ما ؛ إذا لم نفكر بشكل جدي في إقامة علاقات تقوم على المصالح المشتركة مع أمريكا و ليس مع أوبا ما .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر بين روسيا وإسرائيل يتصاعد.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتي


.. إيران تؤكد أنها ستدعم حزب الله في حال تعرضه لهجوم إسرائيلي




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لسوق بحي الزيتون


.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف خلية في مخيم نور شمس بطولكرم أ




.. الدفاع الروسية تعلن استهداف 5 مقاتلات أوكرانية بصواريخ إسكند