الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردة عن الوطنية وتألق نجم العشائرية في انتخابات مجالس المحافظات العراقية

محيي المسعودي

2009 / 1 / 28
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


بعد رفع النقاب عن وجوه أبناء القوائم المغلقة " المنقبة " في الانتخابات العراقية السابقة وبعد وقوف المواطن العراقي على فضاعة وبشاعة أغلب تلك الوجوه وتجرعه المرارة والقتل الزؤام على ايديهم من خلال النزاعات الطائفية والعرقية والحزبية التي ذهب ضحيتها مئات الالاف من الشعب العراقي, هذا إلى جانب أنواع الفساد الإداري والمالي والسياسي والثقافي والاجتماعي والأخلاقي الذي أتى به هؤلاء فخربوا البلاد ولوعوا العباد . بعد كل هذا وغيره الكثير الذي ادركه المواطن رفع النقاب عن القوائم وعن المنضوين تحتها . وعندما تكالبوا في هذه الانتخابات على جلباب الدين وذقنه, سترا لبشاعتهم وعوراتهم التي ظهرت . تنبهت المرجعية الدينية لخطر هؤلاء على مصداقيتها فوجهت لهم صفعة اسقطت عنهم الجلباب والذقن المستعارين وجعلتهم حيارى مكشوفين يبحثون عن ساتر, فلم يجدوا ملاذا أفضل من العلمانية وعلى العشائرية القائمة على مبدأ أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ومن هنا لمع نجم العشائرية وتألق في سماء الدعاية الانتخابية . وانقسم الباحثون عن السلطة والمال في مجالس المحافظات القادمة " من خلال العشائر إلى فرق عديدة أولها الشيوخ الذين انتفضوا لحقهم الوراثي بتزعم العشيرة حتى ولو كانوا على جهل مخزن قائمين. ليمدوا شرفهم الممنوح "باللزمة " اجتماعيا على الساحة السياسية ـ طبعا ـ كسبا للجاه والسلطة والمال والأهم من كل هذا ترسيخ حقهم الوراثي وليذهب مع الريح الوطن والدين والتقدم والحضارة والعدل والمساواة ..و..و..
أما الفريق الثاني فيتشكل من المستقلين , علمانيين ومتدينين " سياسين تحت التدريب والتجريب "وهؤلاء عادوا من راحلة الوطن - استجابة لمصاحهم - الى راحلة العشيرة لأن الثقافة العشائرية توفر لهم طريقا معبدا لكسب الأصوات فأبن العشيرة اذا فاز بالانتخابات سوف يكون بيرقا عاليا لعشيرته في سماء البلاد يفتخر به ويفاخر كل من يقف تحت هذا البيرق . أتذكر قبل ايام احتفالا مهيبا اقامته عائلة وحيدة في احدى القرى العراقية ما كانت تعرف طوال تاريخها في المنطقة بغير العشيرة التي تسكن معها هذه المنطقة ولكن تدخل احد المرشحين ذكرهم بعشيرتهم الأولى فتحركت الدماء وانفصلوا عمن عاشوا معهم زهاء الستين عاما وتبعوا المرشح الجديد الذي ظهر فجأة وسيختفي بعد الانتخابات فجأة. وفي ظل غياب الأحزاب الوطنية الحقيقية ـ راديكالية كانت أو ليبرالية ـ وانعدام المؤسسة الحزبية المتكاملة لدى أي حزب عراقي حالي والتي تُعِد البرامج والستراتيجيات الشاملة لحزبها كي ينجح في قيادة البلاد والنهوض بها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفي كافة الميادين الأخرى . في ظل هذا الغياب المؤسساتي العلمي والعملي لجأت الأحزاب العاملة على الساحة السياسية العراقية الى العشائرية من خلال انتماءات اعضائها لبعض العشائر ولا يختلف في هذه الحال الحزب الديني عن الحزب العلماني أو الحزب المختلط ما بين الدين والعلمانية . اذ نرى اعضاء حزب راديكالي علماني يركزون عشائرهم في سبيل كسب الأصوات وهكذا الحال مع الأحزاب الأخرى وقد يكون هؤلاء مضطرين الى التوجه للعشيرة في ظل انعدام وجود جمهور متحرر من هذه الثقافة . مما يعني أن قاعدة هذه الأحزاب ضعيفة جدا ان لم تكن وهمية والأغرب في واقع هذه الأحزاب هو ما تقوم به الأحزاب الدينية التي اسقطت المرجعية الرداء الديني عنها فعمدت الى ضم شخصيات مستقلة ذات قاعدة عشائرية الى صفوفها من اجل كسب الأصوات متجاوزة رفض الدين للتعصب العشائري . وهي بهذا لا تختلف عن الأحزاب العلمانية الا أنها لم تتخل عن الصبغة والأدعاءات الدينية وهو نفاق مزدوج ـ ديني واجتماعي ـ اضافة للنفاق السياسي الذي يغرق فيه الجميع . هذا وقد باتت صورة الشارع الانتخابي العراقي واضحة للجميع . فبعد الردة عن الوطنية لصالح الطائفية والعرقية في الانتخابات السابقة ارتد التوجه الانتخابي العراقي في هذه الانتخابات عن الطائفية كثيرا وتوجه نحو العشائرية والمصالح الفردية والفئوية والمناطقية داخل الأطياف العراقية مع بقاء واضح لدور العرقية والطائفية التي ترسخت في مناطقها وشرائحها المعروفة ، ولكن الردة الأكبر هذه الأيام كانت اتجاه العشائرية أكثر منها في أي اتجاه أخر . واذا كان الاتجاه نحو العشائرية واضحا في وسط وجنوب وغرب العراق فانه في الشمال أخذ اتجاهين الأول عشائريا خالصا بين العرب انفسهم وعشائريا عرقيا " ما بين العرب من جهة والأكراد من جهة اخرى وكان سبب هذا الاتجاه الأخير هو نزوع الأكراد المفرط تجاه القومية الكردية والذي كان على طول الطريق على حساب العراق كبلد واحد وعلى عكس هذا التعصب للقومية في الشمال نرى ضعف وتفكك التعصب الطائفي في وسط وجنوب العراق فكثير من بطون بعض العشائر في هذه المناطق فضل العشيرة على الطائفية الدينية فتخلى عن طائفيته لصالح عشيرته وطبق المقولة المشهورة للرجل الشمري الذي سُأل يوما أن كان شيعيا أم سنيا فقال بسرعة وانفعال "تهبه الشيعية والسنية : أنا شمري ...! ! "
مع كل هذه الظواهر السلبية التي تشهدها الساحة السياسية العراقية في حراكها الحالي يجب الاعتراف بوجود تطور سياسي واجتماعي يتجه نحو تحقيق فرص حقيقية لبناء دولة عراقية ديمقراطية تختلف عن كل الانظمة العربية وحتى الاقليمية . والسبب الحقيقي دائما وراء هذه الحال هو خصوصية الشعب العراقي وخصوصية التجارب التي مر ويمر بها متجاوزا بسرعة مذهلة كل العقبات بل واصعبها كالطائفية والاحتلال والعرقية والعقبة الاهم هذا التغيير الدراماتيكي في كل مفاصل الدولة والشعب نفسه , فمن الدكتاتورية الفاشية الى الديمقراطية والحرية المنفلتتين ومن الوطنية السلبية التي كان يعطي بها المواطن كل ما يملك للوطن دون أي مقابل الى نسيان الوطنية والوطن والانشغال بالمصالح الفردية والفئوية والحزبية . الشارع العراقي تجاوز معظم هذه العقبات وهو في طور تجاوز ما بقي منها . ومثل هكذا شعب يمكنه في فترة قصيرة نسبيا بناء دولة ديمقراطة حضارية متقدمة تكفل حقوق الانسان وتقدم البلد .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أعرفك جيدا لسان سليط للحق
ذياب مهدي محسن ( 2009 / 1 / 28 - 11:51 )
أهنيك من قلبي.... وانت الذي تكتب عن بابل يا محيي المسعودي...واعرفك انك لاتجامل حتى مع نفسك... لكن اشويه أمل كما انت اقفلت موضوعك هكذا...؟مثل هكذا شعب يمكنه في فترة قصيرة نسبيا بناء دولة ديمقراطة حضارية متقدمة تكفل حقوق الانسان وتقدم البلد...هذا الشعب العراقي اشكرك اخيك أبن غلآم ؟

اخر الافلام

.. ماذا يتضمن قانون الجنسية الألماني الجديد؟ | الأخبار


.. موريتانيا: تأهب وتوتر قبل رئاسيات السبت المقبل؟




.. ردّ وزير التجارة الجزائري على اتهامات الاتحاد الأوروبي


.. 7 لحظات لا تُنسى من مناظرات الرئاسة الأمريكية في 6 عقود.. شا




.. غالانت يلوح بإعادة لبنان إلى العصر الحجري|#غرفة_الأخبار