الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة؟

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2009 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


من المعروف أن الزعيم جمال عبد الناصر هو أول من أطلق عبارة "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" خلال مراحل نضاله من أجل القضية الفلسطينية التى تتلاشى ملامحها رويدا رويدا. وقد كانت هذه العبارة أو المقولة حينذاك ذات تأثير بالغ فى تأجيج مشاعر الجماهير العربية التى كانت على قناعة بأن جيوشنا قادرة على تحرير الآراضى المحتلة. لا شك أن القوة التى قصدها عبد الناصر هى القوة العسكرية التى تعتمد على الأسلحة الحديثة والجنود المدربين. لقد اكتسبت كلمة "القوة" الواردة فى القول المأثور معانى جديدة عبر مراحل النضال فى مصر. ومن الواضح أيضا أن بعض الدول العربية باتت اليوم غير قادرة على التخلص من الوسائل غير الفعالة من شعارات وأقوال مأثورة ولى زمانها ولم تسع لترجمة كلمة "القوة" إلى معان جديدة يستردون بها حقوقهم المسلوبة.

الجدير بالذكر أن كلمة "القوة" الواردة فى مقولة عبد الناصر قد اكتسبت معانى جديدة فى كل مرحلة من مراحل النضال المصرى. لقد جاء الرئيس السادات ليؤكد المعنى الناصرى لهذه العبارة حيث استطاع الجيش المصرى فى حرب أكتوبر 1973م أن يحطم الأسطورة التى ظلت إسرائيل ترددها على مسامعنا حتى كدنا نصدقها ومفادها أن جيشها لا يقهر. لقد استطاع الجيش المصرى أن يعبر قناة السويس محطما خط بارليف "المنيع". ولم يتوقف السادات عند هذا الحد بل أضاف معانى جديدة لكلمة "القوة" وهى القوة الدبلوماسية التى لجأ إليها فى معركته الدبلوماسية حين أعلن عن استعداده للسفر إلى إسرائيل حيث ألقى خطابا فى الكنيست الإسرائيلى ثم وقع اتفاقية كامب ديفيد التى استردت لنا ارض سيناء المحتلة. أما فى عهد الرئيس مبارك فقد اكتسبت هذه الكلمة معنى جديدا هو "القوة القانونية" التى استعنا بها لخوض معركة قانونية استرددنا من خلالها على ما تبقى من أرض سيناء وهى منطقة طابا.

اللافت للنظر هو أن مقولة عبد الناصر المأثورة مازالت تلقى الاستحسان لدى الشعوب العربية، هذا رغم أن بعض الدول العربية لم تفعل شيئا لترجمة كلمة "القوة" إلى المعانى التى اكتسبتها فى التجربة المصرية. لقد تقمص الرئيس السورى بشار الأسد شخصية عبد الناصر حين ردد العبارة المأثورة خلال الكلمة التى ألقاها فى قمة غزة الطارئة التى عقدت فى الدوحة يوم الجمعة 16 يناير. الملاحظ هنا أن كلمة "القوة" التى ترد فى المقولة الناصرية مرتين وردت فى عبارة الرئيس الأسد مرة واحدة "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها" حيث استبدلت الكلمة الأخيرة بضمير متصل. وهذا ربما يعكس التردد وعدم الثقة فى القوة التى يمتلكها. والدليل على ذلك أننا لم نر القوة التى يتحدث عنها الرئيس السورى الذى يعلم أن الجولان محتلة منذ عام 1967م. لعل الشعوب العربية مازالت تتوق لسماع أناشيد القوة ولا تعير اهتماما لما يحدث على أرض الواقع. لقد نال الرئيس السورى تصفيقا حادا عندما أعلن عن انتقال المبادرة العربية للسلام من سجل الأحياء إلى سجل الأموات وهى المبادرة التى طرحها الرؤساء العرب فى بيروت فى عام 2002م وقال إنه يوقف كل المباحثات غير المباشرة مع إسرائيل. الغريب أن المبادرة التى يتحدث عنها الرئيس الأسد كانت قد ولدت ميتة حينما رفضتها إسرائيل وبذلك فالمبادرة ليست فى حاجة إلى أن تموت مرة أخرى. كما أن رفض المبادرة ووقف المباحثات معناه أنه يعد العدة لبدء الحرب مع إسرائيل لاسترداد أرضه المحتلة غير أن هذا المعنى لا يتسق مع ما جاء فى حديثه بأن العرب سوف يروون ما فعلته إسرائيل من جرائم لحديثى الولادة من أبنائهم. لعله يقصد أن الجيل الحالى سوف يترك للأجيال القادمة مهمة استخدام القوة واسترداد الحقوق. وفى ظنى فإن الأطفال الذين يتحدث عنهم الرئيس الأسد هم فى الواقع ضحايا القرارات المتهورة التى تتبناها جهات عربية وتشجع عليها. وما يدعو للسخرية أن أصحاب الفخامة والسمو كانوا يتنافسون فى إلقاء الخطب الرنانة فى قمة غزة ويرددون الأقوال المأثورة بينما كانت ليفنى وزيرة خارجية إسرائيل توقع مذكرة تفاهم مع رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، وهى المذكرة التى تعمل على رسم ترتيبات جديدة فى المنطقة، ترتيبات من شأنها إطلاق يد الولايات المتحدة الأمريكية للحد من الأسلحة التى تقدم لرجال المقاومة فى غزة.

والخلاصة: إذا استمرت هذه السياسات العربية التى تفتقد إلى "القوة"ـ بمعانيها المختلفةـ خلال السنوات التالية فإن العرب قد لا يجدون أطفالا يستمعون إلى رواياتهم ولن يجدوا أرضا يسعون لتحريرها. روز اليوسف، عدد 1081، 26 يناير 2009، ص9.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناشطون في كورك الأيرلندية ينظمون فعاليات دعما لفلسطين


.. كاميرا الجزيرة توثق استهداف الاحتلال سيارات الإسعاف في حي تل




.. الجيش الإسرائيلي يدمر منزلاً على ساكنيه في مخيم البريج


.. اليمين المتشدد في صعود لافت في بريطانيا قبل انتخابات يوليو ا




.. مرشح الإصلاحيين في إيران يتعهد بحذر بوقف دوريات الأخلاق