الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسا و السودان : زاد الحساب على الحساب (2-2)

محمد عثمان ابراهيم

2009 / 1 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لم تكن مأساة رواندا خاتمة كوارث السياسة الفرنسية في أفريقيا و العالم ففرنسا ضيف دائم على تقارير إنتهاكات حقوق الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها وحين نقول هذا فإننا نعني تماماً ما نقول دون مواربة، سواء كنا نتحدث عن فرنسا التي في أوروبا أم فرنسا االتي حول العالم.
فرنسا كدولة ليست هي الرقعة الواقعة في أوروبا فقط و إنما هي جماع ذلك مضافاً إلى ما يسمى ب(الأراضي الفرنسية الخارجية) وهو الإسم الحركي للمستعمرات. لفرنسا مستعمرات في مشارق الأرض ومغاربها ممنوع على أهلها التفكير في أدنى قدر من الحكم الذاتي وإلا سيكون مصيرهم مصير سكان كاليدونيا الجديدة، الجزيرة الوادعة في المحيط الهادي والتي تحتضن ربع إمكانيات الأرض من النيكل ويبلغ ناتجها القومي الإجمالي ما يزيد عن الثلاث مليارات دولار في بلد يبلغ عدد سكانه 224 ألفاً ونيف فقط حسب تقرير وكالة المخابرات المركزية ( سي آي إيه) عنها. عانى سكان الجزيرة تقتيلاً فظيعاً لم تشهده الجزيرة من قبل على يد المستعمر ولمصلحته طوال سنوات في عقد الثمانينات من خواتيم القرن الماضي .
الدولة الفرنسية تئن تحت وطأة ملفات فظيعة من إنتهاكات حقوق الإنسان في داخلها وفي مستعمراتها. لم توفر الدولة الفرنسية عنفها ولم تكف يدها حتى عن الأفراد فبعد مرور ما يزيد عن الأربعين عاماً على حادثة الزعيم المغربي المعارض المهدي بن بركة الذي تم إعتراضه بواسطة الشرطة الفرنسية في 29 أكتوبر 1965م، لم تكشف فرنسا حتى الآن عن الدور القذر الذي لعبته شرطتها في تغييب المناضل اللامع. العالم كله يعرف أن بن بركة أخذ في سيارة الشرطة إلى مكان مجهول لم يخرج منه أبداً لكن فرنسا تصم آذانها و أعينها عما يسمع العالم ويرى.
و من المغرب إلى أقصى المشرق لا يعرف أحد على وجه التحديد إلى أي مدى تورطت فرنسا في مقتل السياسي البارز ودارس الإثنولوجيا في السوربون جان-ماري تجيباو الذي لقي حتفه في 4 مايو 1989 م في مدينة ويفا الجميلة على ساحل كاليدونيا الجديدة. لم يكن تجيباو من ذنب سوى أنه أحب بلاده وشعر بهويتها المختلفة واستعاد فضيلة الدفاع عن هوية أجداده الكاناك. ما بين الأعوام 1984-1988 م إقتتل أهل كاليدونيا الجديدة بعنف غير مسبوق : البعض من أجل الإستقلال عن فرنسا الغريبة الوجه واليد واللسان والبعض (جنجويد) من أجل إبقائها ، لكن أحداً لم يحفل بقول كلمة صدق واحدة من أجل أهل كاليدونيا سوى ليبيا ! هذه أمثلة فقط للتأمل لا للحصر.
لماذا تحتفظ فرنسا بجزر بعيدة في أقاصي الدنيا وتحرص على حكمها بأيد فرنسية؟ لا أحد يريد السؤال مثلما لم يعد أحد يسأل عن أين تقوم فرنسا بتجاربها النووية وأين تتخلص من نفاياتها. يا للفظاعة إننا نحتفظ بهذه النفايات القاتلة معنا في نفس هذا العالم (بيتنا) الذي نسكن فيه !
في يوليو من العام الماضي أعلنت منظمة هيومان رايتس ووتش أن محاكمة الأفراد بحجة علاقاتهم ببعض المشتبه بهم بالإرهاب ينتهك حقوق الإنسان. في فرنسا بلد الإخاء و المساواة والحرية يخضع الناس للمحاكمة و التجريم إذا كانوا على علاقة من أي نوع (صداقة مثلاً) بشخص مشتبه في تورطه في نشاط إرهابي.. ليست هناك حاجة للإدانة فالشبهة تكفي لتحريك الإجراءات القضائية في فرنسا. في مواجهة هذه المحاكمات الغريبة وقفت جوديث سوندرلاند الباحثة في المنظمة وقالت إن " محاكمة الناس بسبب معارفهم من الناس أو أفكارهم يضحي بحقوق الإنسان الأساسية و هذا خطأ من حيث المبدأ و خطر من حيث الممارسة" ( بيان منظمة هيومان رايتس ووتش 1/7/2008 م ). إن هذه الممارسة – كما قال البيان وليس أنا- تضع فرنسا في الجانب الخطأ من قانون حقوق الإنسان.
في فرنسا يمكن أن يؤدي إيقافك في الشارع العام من قبل الشرطة للتدقيق في هويتك إلى وفاتك كما حدث مع إثنين من الشباب في 27 /10/2004 م و ذلك في منطقة كليشي-سو-بوا بالقرب من باريس مما أدى إلى إندلاع أعمال عنف واسعة في البلاد.
في العالم المتحضر، الذي لا تتشدق الدولة الفرنسية بالإنتماء إليه فحسب و إنما ريادته، لا يحمل المواطنون بطاقات هوية تدقق فيها الشرطة. لا تحتاج الشرطة إلى النظر في هويات الناس وفقاً للون بشرتهم وإنما قد تحتاج أجهزة تطبيق القانون إلى تحديد هويات الناس فقط في حالة حدوث مكروه لهم أو إرتكابهم لما يعكر صفو الأمن و يخالف القانون. لكن أحمل على نفسك جلداً غير أوروبي و على وجهك سحنة أفريقية أو حتى شمال-أفريقية لتصبح هدفاً لتقصي رجال الشرطة دونما ذنب جنيت.
لم تستمع الدولة الفرنسية أبداً لنداءات منظمات حقوق الإنسان و صراخ منظمة العفو الدولية أن يا "فرنسا : إنتهاكات القانون لا يمكن حلها بمخالفة القانون" ( العفو الدولية نوفمبر 2005 م). ركز ذلك التقرير و تقارير أخرى مشابهة على معاناة الكثير من مواطني فرنسا المتحدرين من أصول غير أوروبية خصوصاً من المتحدرين من أصول من شمال أفريقية أو من الصحراء الأفريقية الكبرى من إساءة المعاملة "بخاصة في سياق عمليات التدقيق في الهوية التي تقوم بها الشرطة أو في حجز الشرطة. وغالباً ما تتحول عمليات التدقيق في الهوية إلى عنف، وفي حالات عديدة، ينتج ذلك عن السلوك العدائي أو المهين للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون".
بالنظر إلى هذا نستطيع أن نفهم السبب وراء رفض فرنسا حتى اليوم التوقيع على البروتوكول الثاني عشر الملحق بالإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان و هو البروتوكول الذي يمنع التمييز بما في ذلك التمييز الذي تمارسه السلطة.
ترفض فرنسا التوقيع على البروتوكول 12 المنوط به حماية مواطنيها أنفسهم داخل دول الإتحاد الأوروبي لأنها لا تنشغل كثيراً بحقوق مواطنيها أبناء الجاليات أو أبناء الحواري كما يسمونهم دونما حياء. لفرنسا أولويات أخرى في حقوق الإنسان ففي مايو من العام الماضي أبلغت وزيرة شئون حقوق الإنسان راما ياد وفداً من جمعيات مثليي و مثليات الجنس أن حكومتها ستدفع باتجاه مبادرة أوروبية تدعو إلى إعلان عالمي لمنع تجريم الشذوذ الجنسي.
فرنسا تعمل وفقاً لمصالحها العليا و بهذه العبارة فقط و دون تفاصيل أخرى لخص الرئيس الفرنسي –الراحل- فرانسوا ميتران سبب قيام بلاده بإطلاق مجموعة من القتلة الذين اغتالوا رئيس الوزراء الإيراني السابق شهبور بختيار في فرنسا وزعيماً سياسياً آخر في جنيف السويسرية (يديعوت أحرونوت 16/8/1994 م – نقلاً عن وزارة الخارجية الإسرائيلية).
من فرنسا تطرد السلطات طالبي اللجوء الذين سامت أجدادهم و آباءهم ذات يوم سوء العذاب حين ساكنتهم قسراً في بلادهم و نهبتها نهباً بقوة السلاح حتى إتهمها الشاعر أحمد مطر مرة بأنها تعيش على خيراتهم "أسفلت الدروبِ، حجارةُ الشرفاتِ ،أوعيةُ المعاصِرْ. النفطُ ،زيتُ العِطرِ، مسحوقُ الغسيلِ ، صفائحُ العَرباتِ ،أصباغُ الأظافرْ .خَشَبُ الأسِرةِ ،زئبقُ المرآةِ ،أقمشةُ الستائِرْ. غازُ المدافئِ ،مَعدنُ الشَفَراتِ ،أضواءُ المتاجرْ. وسِواهُ من خيرٍ يسيلُ بغيرِ آخِرْ. هي كلها أملاكُ جَدكِ في مراكشَ ،أو دمشقَ، أو الجزائِرْ "! و فرنسا لا تهتم حتى بحكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي قررت في 23 أبريل 2008 م أن سياسة الطرد هذه تعرض ضحاياها للخطر. كذلك أدانت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب فرنسا مرتين خلال الثلاثة أعوام الماضية بسبب هذه السياسة وفرنسا لا تسمع ولا تحفل فللدولة الفرنسية أولويات أخرى مثل منع تركيا المسلمة من عضوية الإتحاد الأوروبي رغم حقائق الجغرافيا و التأريخ.
في عام 2006 م أصدرت فرنسا قانوناً يجرم إنكار مذبحة الأرمن في عهد الدولة العثمانية و التي حدثت ما بين 1915-1919 م . بموجب هذا القانون تتم معاقبتك في فرنسا بالغرامة 45 ألف يورو و تسجن لمدة سنة. بالطبع فإن هذا القانون العجيب يحرم على الناس التفكير و إبداء الرأي و يحجر عليهم حرية التعبير لكن مال الدولة الفرنسية و حرية التعبير. فرنسا تطالب دولة أتاتورك بالإعتراف بمذبحة سلاطين الدولة العثمانية المؤسفة و بالتالي تحمل المسئوليات الأخرى المتوجبة عن الإعتذار. هذا بلا شك سيكتب في سجل تركيا العلمانية إدانة لن تمحى وعبئاً تأريخياً منقولاً من الأجداد إلى الأحفاد عن طريق ما يسمى بإنتقال المسئولية عبر الأجيال.
لم تقم تركيا ولم يقم أحد بإقرار قانون يجرم إنكار مجزرة الجزائر ويعاقب منكريها بالسجن و الغرامة لأن العالم كله بلا ذاكرة في عمق الذاكرة الفرنسية التي تتذكر أحداثاً وقعت قبل مائة عام و تنسى أحداثاً أخري منذ أربعين سنة فقط !
منذ شهر فقط هز نشطاء حقوق الإنسان حول العالم رؤوسهم بأسى من حالة المعتقلين في سجن باماندزي بجزيرة مايوت الفرنسية حيث يحتجز 220 شخصاً في معتقل مصمم لستين شخصاً فقط قالت عنه منظمة العفو الدولية إنه يضم رجال و نساء و أطفال ورضع معاً متكومين فوق بعضهم حيث يفتش الأطفال في صناديق النفايات و القمامة دون أدنى علامة على وجود رعاية طبية بالمكان ( أنظر الصورة المرفقة و التي نشرتها منظمة العفو). حين تنظر إلى الصورة و تتأمل في سحنات المعتقلين ستكتشف لماذا إستحق أولئك البؤساء سوء معاملة الدولة الفرنسية.
لم أقرأ تصريحاً واحداً لوزيرة حقوق الإنسان الفرنسية عن السجناء وأحوال المعتقل لأنها مشغولة –ربما- بقضية دارفور. فرنسا مشغولة بإبقاء الناس في معسكرات اللاجئين في دارفور لأن عودتهم لبيوتهم إن بقيت لهم بيوت تعني أن عبد الواحد محمد نور رجل فرنسا الحالي و خليل إبراهيم رجل فرنسا السابق سيصبحون عبئاً على فرنسا الموصدة أبوابها أمام اللاجئين. فرنسا منشغلة بفرانكوفونية دارفور في وقت إتجه فيه العالم كله نحو الأنجلوفونية حتى رواندا و بورندي و الكونغو الديمقراطية و من قبلها مصر و لبنان و نيو أورلينز.
في حوارها الباهت مع صحيفة الرأي العام –وهو حوار لا يقول شيئاً ولا يرقى للنشر في أي صحيفة- والمنشور على موقع السفارة على شبكة الإنترنت قالت السفيرة الفرنسية السابقة كريستين روبيشون إن "فرنسا تتعامل مع الحكومة السودانية من أجل شراكة قوية و تسعى مع السودان كدولة صديقة لبناء سودان موحد ومستقر".
لا بد أن فرنسا تسعى إلى شراكة من نوع شراكتها مع الشيخ حسن الترابي حين تسلمت منه المطلوب لديها كارلوس والذي يقبع الآن في الزنزانة رقم 258187 بسجن لاسونتيه بباريس ثمناً لتلك الشراكة.
لا بد أن فرنسا تريد شراكة تتيح لمنظماتها غير الحكومية مثل أرش دو زوي سرقة الأطفال عبر لصق ضمادات مزيفة على رؤوسهم وتحميلهم بطائرات خاصة. كيف تنظر فرنسا لنفسها وهي ترى مرتكبي مثل هذه الفظائع والأفعال البربرية وهم يجولون أحراراً ويصولون بعد أن حاولوا سرقة أطفال أبرياء بعضهم في الثالثة فقط من عمرهم وإغراءهم بقطع الحلوى والشوكولا.
منظمات مثل هذه قال عنها الرئيس التشادي إدريس دبي أنها تعامل الناس كأنهم حيوانات مضيفاً بغضب " هذه هي الحقيقة حول أوروبا التي تصور نفسها تساعد أفريقيا، أوروبا التي تسعى لإعطاء الدروس لأفريقيا.إنه أمر مفزع . أنا مشمئز. لا يمكن أن أقبل بهذا" (بي بي سي 1/11/2007 م ). ترى هل كان الرئيس دبي يقصد أوروبا العجوز بتعبير وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد ذات غضبة على فرنسا.. ربما.
لن ينته الحديث عن فرنسا ما بعد الثورة الفرنسية لكن خلاصة الأمر إن السودان ليس صديقاً لفرنسا وإن غاية ما يريده منها هو مايريده رجل إيزيدي سمعته مرة يقول إننا لا نعبد الشيطان ولا نحبه إننا نخشاه ونعمل على أن يكف عنا أذاه.
أيا فرنسا: زاد الحساب على الحساب و آن تسديد الحساب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلاقة الفرنسية مع القارةالافربقية
Alamin Seralkhatem ( 2009 / 1 / 29 - 23:03 )
العلاقة الفرنسية مع القارةالافربقية ومستعمراتها فيما وراء البحار علاقة غير شريفة وتنبني علي قاعدة العقلية الاستعمارية التي تجني المصالح انما باستعمار البلاد ونهبها وانمابتنصيب وكلاءلصوص يقبضون حصتهم من المال المسروق مقابل السكوت علي نهب مستقبل شعوبهم واستعصي عليها الامر في السودان فاصبحت تحيك له المؤامرات وال فتن وماتدريب عناصر معينة من المليشيات التي تهاجم أهلنافي دارفور وترتكب جرائم النهب والقتل والسرقةوالاغتصاب وتلفيق هذه الجرائم للجيش السوداني والذي هو بالأساس يتكون من كل ابناء السودان شرقا وغربا وجنوبا وشمالا الا جزءا مكملا للمسرحية التي تحاك لابتلاع اقليم دارفور وضمه الي الأقاليم الفرنسية في أفريقيا والتي تدار بوكلاء اللصوص التابعين لفرنسا في القارة الافريقية اما الانتهاكات الفرنسية لحقوق الانسان في فرنسا الدوليةفهي لاتحصي ولاتعد فبنظرة سريعة لحقوق الانسان في الدول الفرانكفونية الافريقية ستجدكل الجرائم السياسية والانتهاكات اللاانسانية ترتكب بأيدي خبراء أمنين فرنسيين وكل المؤامرات والحروب والانقلابات والتصفيات الاثنية والعرقية والصراعات الدينية كالحالة الجزائريةوحروب منطقة البحيرات العظمي تدار بالاصابع الخفية في جنح ظلام ليل افريقيا المظلم بالتهميش والقهر الاجتماعي فهل عدل

اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة