الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات والديموقراطية والعنف في الجزائر 1

رياض الصيداوي

2009 / 1 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تتناول هذه الدراسة تطور الصراع في الجزائر من خلال السلوك الانتخابي منذ أول انتخابات تعددية إلى الانتخابات الرئاسية التى جرت مؤخرا. كما تهدف إلى محاولة تفسير التحولات الى شهدها هذا السلوك وكيف تغيرت موازين القوى لصالح النظام وعلى رأسه المؤسسة العسكرية بعدما كان مهددا بالتفكك والسقوط.
كما تحاول نفس الدراسة الاعتماد على بعض نظريات العلوم السياسية التي يمكنها أن تؤطر الموضوع وتشرح بعض جوانبه. إن المسألة الأولى التي تواجهنا هي الاختيار بين النظرية الانقسامية أو نقيضها النظرية الإجماعية كإطار عام للبحث.

نظرية الانقسام ونقيضها النظرية الاجماعية

الميزة التى يمكن أن توفرها لنا هاتان النظريتان تتمثل في تأكيدهما على المستوى السياسي (الثقافة السياسية) لأي بلد معين ودورها في عمليات التعبئة التي تقوم بها التنظيمات الاجتماعية.

أ‌- نظرية الانقسام (Theory of segmentation)

يميز غوسفيلد Gusfield ، في إطار المجتمعات التعددية، بين نوعين من المجموعات الصغيرة (sous-groupes) حسب طبيعة الهيكل الاجتماعي لكل منها. فالأولى تخص مجتمعات "التعددية المرتبطة" (Linked pluralism) حيث نجد الانتسابات الاجتماعية للأفراد متشابكة. أما الثانية فهي تتعلق بالمجتمعات ذات "التعددية المنقسمة تجمعات" (Superimposed segmentised pluralism) حيث تتلاءم أشكال الانتسابات الاجتماعية فيها، فقط، من أجل مجموعة أفراد. فعندما يحتوي مجتمع معين على مجموعات إثنية، مثلا، يتميز بعضها عن البعض الآخر على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الديني، فهي تنتمي إلى المجموعة الثانية من التعددية. ومن ثمة، يعتقد غوسفيلد أن هذا النوع الأخير من المجتمعات يتعرض أكثر من غيره إلى انعدام الاستقرار السياسي واستعداده لإفراز حركات متطرفة، عكس الأول الذي يتيح من خلال الانتسابات الاجتماعية تهدئة الصراعات وجعلها أكثر اعتدالا.

ب‌- النظرية الإجماعية(Consociationnel Theory)

تعتقد النظرية الإجماعية، على عكس النظرية الانقسامية، بإمكانية ظهور إجماع سياسي يستوعب إمكانيات الصراع. قدمت هذه النظرية بعد دراسة الحياة السياسية في المجتمع الهولندي. ويعد آرند ليجفارArend Lijphart أحد روادها. يرى هذا المنظر أن المجتمع الهولندي يحتوي على بنية اجتماعية شديدة الانقسام، حيث تبلورت هذه الانقسامات في وجود تنظيمات متعددة، مختلفة ومتناقضة، لكنها في المقابل لا تعيش صراعات سياسية حادة، ولا تعيش حالة عدم استقرار سياسي ولا تخترقها موجات عنف اجتماعي مخرب... على العكس من كل ذلك فهذا المجتمع يتميز باستقرار واعتدال مستمرين. يفسر نفس المنظر الاجماع السياسي الحاصل في هولندا من منظور أن النخبة السياسية اتفقت على عدم اتباع آلية تنافسية من أجل الوصول الى السلطة وممارستها: وهي الآلية المتبعة عادة في مجتمعات التعددية. ويعتقد ليجفار أن سبب الاتفاق السلمي على تقاسم السلطة يعود إلى إرادة النخبة السياسية في المحافظة على الاستقرار وإلى خشيتها من خطر الانفجار السياسي. ويبين نفس المفكر أن هذا العقد الاجتماعي الفريد يتميز بتوفر أربعة خصائص، تعد الخاصيتان الأوليتان ضروريتان:
1- ممارسة السلطة جماعيا: وتعبر الحكومة الائتلافية على هذا الاتجاه أحسن تعبير
2- استقلالية المجموعات
3- نظام انتخابي نسبي
4- حق النقض بالنسبة إلى الأقليات.
تعد سويسرا كذلك نموذجا مثاليا من حيث الاستقرار السياسي الذي تنعم به والناتج عن إجماع النخبة السياسية حول عقد اجتماعي يميزه المشاركة الجماعية في السلطة وإدارة الكونفدرالية . لكن سرعان ما تم نقد النظرية الإجماعية وتفسير الإجماع بطريقة أخرى. بالنسبة ألى هولندا نجد شولتن Scholtenوسويسرا نجد كريزي Kriesi، يتفقان على أن غياب التنافس بين النخب السياسية يعود إلى اتفاق النخب المحلية على وجوب محافظتها على سيطرتها التقليدية التى تمارسها على أنصارها وبالتالي فهي تتجنب إمكانيات الانقلاب عليها. أما فيزلار Wisler فيري أن نظرية ليجفار حصرت في مجال عمل محدد وهو تقييم دور المستوى السياسي في الصراعات التقليدية من نوع الصراعات الاثنية أو الثقافية، وبالتالى فقد ندر أو حتى انعدم اهتمامها بالحركات الاجتماعية الجديدة .
من الواضح أن الأحداث التى مرت بها الجزائر منذ انتفاضة أكتوبر/تشرين الثاني 1988 تجعل من النظرية الانقسامية إطارا نظريا ملائما لدراستنا . فالمسلمة الأولى التى ننطلق منها تعبر عن وجود انقسام شديد في هذا المجتمع تمت محاولة ترتيبه ومأسسته من خلال سلسلة من عمليات الانتخابات المتتالية.

أولا: نجاح تعبئة حزيران/يونية 1990

نجحت الجبهة الإسلامية في أول انتخابات تعددية شهدتها الجزائر نجاحا ساحقا بين إلى أي مدى تمكنت من تعبئة الموارد، حشد الطاقات وإحداث مفاجاءة عامة. لقد تمكنت من الفوز في 850 بلدية على عدد جملي بلغ 1500 ، فكانت النتيجة ما يعادل 54%، في حين أن جبهة التحرير الوطني الحاكم في ذلك الوقت لم تحصل إلا على 28% من الأصوات وامتنع 35% من مجموع الناخبين على المشاركة. يلخص هذا النجاح في الجدول التالي:

جدول رقم 1: نتائج انتخابات 1990 البلدية والولائية
الأحزاب عدد الأصوات النسبة المئوية المعبر عنهم
الجبهة الإسلامية للإنقاذ 4 331 472 33,73 54,25
جبهة التحرير الوطني 2 245 798 17,49 28,13
جبهة القوى الاشتراكية - - -
المستقلون 931 278 7,25 11,66
التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية 166 104 1,29 2,08
أحزاب أخرى بما فيها حماس 310 136 2,41 3,88
أحزاب صغيرة - - -

يمكن تفسير هذا الفوز الكبير للجبهة الإسلامية للإنقاذ بوجود عدد كبير من المواطنين قرروا الاحتجاج على النظام القديم وسحب ثقتهم منه وفي نفس الوقت تشجيع الآتي الجديد وإعطائه فرصة للتغيير. كما يمكن فهم هذا النجاح الكبير الذي حققته الجبهة الإسلامية للإنقاذ من خلال نظرية تعبئة الموارد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ولكن ...
مختار ( 2009 / 1 / 30 - 14:45 )
لكن، يا أستاذ، كيف تفسر جنوح الشعب الجزائري في أغلبيته تقريبا إلى الأحزاب التي رفعت شعارات مختلفة حول الهوية الثقافية؟ من قبيل الإسلام بالنسبة للأحزاب الإسلامي. والهوية اللغوية والعرقية بالنسبة للأحزاب الأمازيغية.
صحيح أن الناس ضاقوا ذرعا بالنظام البيروقراطي الذي هيمنت عليه جبهة التحرير منذ الاستقلال بتغطية كلية من الجيش، ولكن لماذا جنح الناس إلى التغيير نحو الأحزاب التي رفعت شعارات الهوية، بدل أن يتوزعوا، كما تفعل الجماهير في أوربا مثلا، على مختلف الأحزاب، بما فيها تلك التي ابتعدت عن شعارات الهوية وعبرت برامجها على توجهات عقلانية وعلمانية؟ ويحولون بالتالي دون هيمنة مطلقة لاتجاه واحد والانزلاق نحو الفاشية.
هل يمكن أن نغفل في تحليلنا مستوى التجربة الديمقراطية ومستوى الناخبين الذين خضعوا دائما لتوجيه لا عقلاني شاركت فيه المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام.
وإلا كيف نفسر نجاح الإسلاميين رغم الشعارات الظلامية التي رفعوها من قبيل -الإسلام هو الحل- أو -لا حزب إلا حزب الله- أو -لا للديمقراطية- وهذا الشعار الأخير حملته في لافتة ضخمة في مقدمة آخر مظاهرة مليونية قامت بها الجبهة الإسلامية؟
وأخيرا هل يجب أن نغفل التركيبة الاجتماعية لمجتمعاتنا المسلمة من حيث طغيان الفئات الشبانية بسبب الا

اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز