الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن خلدون والأزمة الفلسطينية

عياد البطنيجي

2009 / 1 / 30
القضية الفلسطينية


تعلمت من ابن خلدون‏ ( 1332 م- 1406 ) هذا المفكر الفذ الذي يعتبر بحق مؤسس علم الاجتماع‏,‏ أهمية استخدام التفكير العلمي من خلال إعمال العقل بالواقع والظواهر الاجتماعية والسياسية لفهم ما يحيط بنا من ظواهر وأعكف دائما بالرجوع إلى مقولاته والعودة إليه من فترة لآخري أقرؤه وأتعلم منه . وعندما انفجر بركان الصراع الفلسطيني الفلسطيني عدت إلى مقدمته بغية أن أجد ما يفسر هذا الصراع من خلال منطوق مقدمته الشهيرة وذائعة الصيت .
ولفت نظري وبحق أن هناك الكثير من مقولات ابن خلدون-رغم فارق الزمان- لا تزال صالحة لتفسر الكثير من الوقائع والأزمات المتتالية على الساحة العربية. وفي هذا المقال انطلق من منطوقات ابن خلدون لتحليل الأزمة السياسية الفلسطينية . انطلاقة من التساؤل التالي: هل الأزمة الفلسطينية هي تكرار التأزم السياسي للحضارة العربية الإسلامية؟.
لقد ذهب ابن خلدون إلى أن أزمة الحضارة الإسلامية والعربية ترجع إلى غياب عملية التراكم الحضاري التي بدونها لا تقوم ولا تكتمل الحضارات والمؤسسات الإنسانية. ويعزى ذلك بسبب الانقطاع التاريخي والجغرافي للحضارة العربية والإسلامية بسبب موجات التصحر والغزوات البربرية والبدوية فضلا عن الفراغات الصحراوية، وبالتالي ما كانت تتشكل بنية حضارية في التاريخ العربي الإسلامي إلا ويُقضى عليها بفعل تلك الغزوات الآتية من الصحراء والمناطق الجافة والفراغات الجغرافية أو الصحراوية ، مما يشكل انقطاعا تاريخيا وزمنيا بين تكامل البناء الحضاري والتي افتقدت إلى عملية التراكم،. ومن هنا فكل بنية حضارية على مدار التاريخ العربي الإسلامي ما كانت أن تتشكل إلا ويُقضى عليها وتبدأ بنية حضارية جديدة تبدأ من الصفر وتنتهي إليه وهكذا دواليك. والنتيجة غياب التراكمات الحضارية التي بدونها لا تقوم ولا تكتمل الحضارات والمؤسسات الإنسانية وعليه، فقدت الحضارة العربية والإسلامية عمليات التراكم التي بدونها لا تقوم ولا تكتمل الحضارات والمؤسسات الإنسانية، والنتيجة انقطاع تاريخي(زماني) وجغرافي يؤدي إلى غياب التراكمات الحضارية وتقويضها. وبذلك، فكل بنية اجتماعية أو حضارية على مدار التاريخ العربي والإسلامي تجد نفسها تبدأ من الصفر، نظرا لغياب تجارب سابقة عليها، لأنه تم تقويضها، وبالتالي تحتاج لفترات طويلة- بدلا من اختزال الزمن- حتى تتشكل وتتبلور ملامحها. وعندما تكتمل وتُنجز شيئا، يعاد هدمها من جديد للأسباب ذاتها.
وبالتطبيق على الأزمة الفلسطينية ، بل - إن شئنا الدقة- الصراع الفلسطيني الفلسطيني نجد أن تلك المقولات لا تزال تصلح لتفسر واقع الأزمة الفلسطينية ، وذلك من خلال العملية الهادفة إلي القضاء على مرحلة تاريخية بكاملها بهدف البدء بمرحلة جديدة بدلا من عملية تراكم للانجازات وتصويب الأخطاء. وهو ما يعني الدوران في الحلقات السياسية المفرغة وتكرار عملية البناء ثم الهدم والبدء من الصفر، وهو ما يُفقد عملية التراكم، والتي بدونها لا يمكن إحداث طفرة حضارية في كافة المجالات. وذلك أيضاً ما عبر عنه ابن خلدون بمقولته: " في الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها دولة " ، والسبب في ذلك " اختلاف الآراء والمذاهب والأهواء، وأن وراء كل رأي منها هوى وعصبية تمانع دونها فيكثر الانتقاض على الدولة والخروج عليها في كل وقت، لأن كل عصبية ممن تحت يدها تظن في نفسها منعة وقوة ".
بمعنى آخر، عند مجيء السلطة الفلسطينية وتأسيس النظام السياسي الفلسطيني على جزء من ارض الوطن ، سعت بعض القوى السياسية الفلسطينية إلى تفشيل تلك التجربة والقضاء عليها للانقضاض على النظام السياسي القائم بهدف تقويضه تمهيداً لتشكيله وفق برنامجها وأيديولوجيتها، وبالتالي إنهاء التجربة التاريخية، وإسقاط الفلسطينيين في هذا الاختبار التاريخي القاسي، والبدء بتجربة تاريخية جديدة تبدأ من الصفر لا أحد يعلم كيف ستنتهي.
هذا فضلا عن ارتفاع الأصوات في الآونة الأخيرة من قبل بعض النخب السياسية والمثقفة تطالب بحل السلطة الفلسطينية للخروج من المأزق الراهن، والعودة بالصراع مع الاحتلال إلى جذره الأصلي كصراع بين سلطة احتلال وشعب خاضع لها. وقد أخذت هذه الدعوة تجرف إليها أعداداً متزايدة من المناضلين والمثقفين الفلسطينيين. وهناك دعوة أخرى مفاد ها العودة لخيار الدولة ثنائيه القومية (فلسطينية- صهيونية) والتعايش الـمشترك الذي يكفل تذويب مختلف الجوانب الرمزية والحادة في الصراع كـ(اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود). والـمفارقة العجيبة؛ أن حركة التحرر التي تُخفق في تحقيق هدف محدود مؤيد من كثير من العالـم ومدعَّم بأساس قانوني، هذه الحركة تُقحم أو يطرح عليها من قبل نخبها هدف أكثر تعقيداً ، هو "حل الدولة الواحدة ثنائية القومية".
وبالتالي فان النخب السياسية القائمة على العمل السياسي لا تعمل على تحقيق التراكم من خلال تحقيق انجازات حتى لو كانت بسيطة. فبتراكم هذه الانجازات البسيطة، سوف تحقق نقلة نوعية في التطور السياسي والمؤسساتي، بل حتى نحو التحرير والاستقلال وبناء الدولة. بيد أن هذه النخب تسعي لتغيير جذري من خلال نسف كل ما هو سابق وكل ما هو قائم والقضاء عليه وإنهائه وتشكيل وضعا سياسيا واجتماعيا اقتصاديا جديدا لا علاقة له بالسابق.
فضلا عما تقوم به حركة حماس من خلال تكريس نهجها بعد الانقلاب على السلطة والقضاء عليها وطردها من غزة، ورفضها لمنظمة التحرير ومحاولاتها تشكيل نظاما سياسيا يعكس إيديولوجيتها وفلسفتها السياسية والذي يشكل نقيضا مع النظام القائم ، وسعيها لتشكيل إمارة إسلامية بغزة . وحماس بفكرها الثوري الهادف إلى الانقلاب الشامل على الأوضاع القائمة بهدف تغيره تغييراً كلياً وجذرياً وتشكيل وضعا مختلفا جذريا عن الوضع القائم وليس بتصويب الأخطاء وتراكم الانجازات، لا تدرك بان الواقع المحلي الفلسطيني ولا الإقليمي والدولي جاهزا لتقبل ذلك والتعاطي مع تلك الأطروحة الراديكالية. يقول ابن خلدون: " أولئك الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء الذين يعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك. وأحوال الملوك والدول راسخة قوية لا يزحزحها ويهدم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبة القبائل والعشائر" . أو ما في معناها بطبيعة الحال من قوى مجتمعية تعبوية فاعلة بلغة عصرنا. وبالتالي فالواقع اقوي من هدف حماس لا يمكن لحماس تمرير ثوريتها على الواقع الفلسطيني والعربي والدولي، وهي لا تملك القوة والإمكانيات فضلا عن الوسائل والتكنيكات لتحقيق ثورتها، والنتيجة فوضى وصراعات داخلية وضياع المشروع الوطني في متاهات الصراع الداخلي.
نخلص من ذلك إلى أمرين الأول: أن مقولات ابن خلدون لا تزال تصلح لتفسير وفهم الأزمة الفلسطينية الراهنة برغم فارق الزمن، وهو ما يعني أن مقدمة ابن خلدون تكون مدخلا لتأسيس علم سياسة عربي يهتم بواقع المجتمع العربي. والأمر الثاني: انه لا يمكن لأي عاقل أن يتفهم أو أن يغفر بأي شكل من الأشكال، أن تؤدي بنا الأمور إلى ذلك الانقطاع وإلغاء التراكم من خلال الإلغاء الجذري للواقع الحالي بكل ما فيه، ولا يمكننا أن نتفهم بأي شكل من الأشكال أن تؤدي بنا الأمور إلى ما لا تحمد عقباه سواء أكان ذلك على صعيد العمل السياسي، قضية ووجودا، أرضا وشعبا، هوية وثقافة، أم على صعيد الفتن والصراعات السياسية الداخلية غير المنضبطة. وعليه، فمن أجل أن لا ندخل نفق التحولات الانقلابية، ومن أجل أن لا نعود إلى الصفر فنراكم الإحباط واليأس والفشل، ومن أجل فلسطين، ليس هناك من حل غير وحدة القيادة السياسية الفلسطينية، فذلك هو القانون الذي حكم مسيرة الدول المُستعمرة .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التاريخ الجامد
إدريس جنداري ( 2009 / 1 / 29 - 21:12 )
تحية سيدي الفاضل
لا يمكننا إلا أن نتفق معك بخصوص علمية و عقلانية الفكر الخلدوني
إن ما أكدته بخصوص صلاحية هذا الفكر للتعامل مع قضايانا المعاصرة ؛ هو أولا و قبل كل شيء تأكيد على جمود التاريخ العربي ؛ و غياب التطور الذي يمكنه لوحده أن يخلق نظريات جديدة ؛ بناء على وقائع جديدة و فكر جديد
و هذا يؤكد تخلفنا المريع ؛ الذي يجعل فكرنا لا يختلف عن فكر القرون الوسطى ؛ أكثر مما يؤكد على فكر ابن خلدون الاستشرافي ؛ لأنه كان يفكر في إطار مرحلته ؛ التي ما تزال مستمرة إلى الآن؛ و لذلك يمكن فهم أحوالنا على ضوء التحليل الخلدوني للأسف الشديد
مع تحياتي

اخر الافلام

.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟


.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق




.. إيران: كيف تجري عمليات البحث عن مروحية الرئيس وكم يصمد الإنس


.. نبض أوروبا: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا وغزة على حملة الانتخا




.. WSJ: عدد قتلى الرهائن الإسرائيليين لدى حماس أعلى بكثير مما ه