الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// مفهوم الازمة

بلكميمي محمد

2009 / 1 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بيديه الغليظتين القويتين المتمترستين في جبهات القتال امسك الرجل بعنف عنق المراة التي يحب ، وضغط عليه بكل ما اوتي من قوة فخنقها وقتلها .
ان هذا المشهد يعبر عن قمة البناء الدرامي ، الذي بلغته الحبكة الشكسبيرية في مسرحية عطيل الخالدة .
فاذا كانت مسرحية " هاملث" تمثل النموذج المثال للفرد المتازم في مجال السياسة ، فان مسرحية عطيل ، بالعكس تمثل النموذج المتازم ، للفرد المتازم في مجال الحب .
اين اذن تكمن ازمة عطيل ؟
في التالي : عطيل له قلب كبير ونبيل ، لكن رغم كبره ونبله ، فهو لم يستطع في ان واحد ، الجمع والتاليف بين نقيضين متناحرين : حب مجنون وغيرة مجنونة .. فكان لابد لحسم ذلك التناقض ، ولقد تم حسمه بطريقة تراجيدية لصالح الغيرة ، ادت الى مصرع الحبيبة البريئة .
من خلال ذلك المثال يمكننا ان نتحدث عن وجود ازمة لدى فرد معين ، حينما يحصل انعدام التطابق بين ذات الفرد وبين واقعه ، فهذا الصدام والتنافر بين ميول الذات وميول الواقع ، هو سبب ازمة الفرد . ان الادب العالمي مليء بالامثلة الحية لذلك النوع من الازمة .
هذا اذن عن ازمة الفرد ، فماذا يمكن ان يقال عن ازمة المجتمع ؟ متى يمكن القول موضوعيا ، بان مجتمعا ما يعيش حالة ازمة ؟ .
ان المجتمع كائن حي ، ينمو ويتطور ، وهذا التطور يتم وفق صيرورة تاريخية موضوعية ، لها طابعها الخاص الذي يميزها . لكن العلاقة بين الصيرورة وطابعها المميز ، هي علاقة قائمة على التفاوت ، ومعنى هذا ، ان الطابع المميز ، اذا كان في اللحظة البدائية لانطلاق الصيرورة ، يسمح بحركة وتحرك تلك الصيرورة ، فانه في لحظة لاحقة من النضج التطوري ، يصبح بحكم التراكم الكمي الحاصل ، غير قادر على استيعاب واحتواء حركة الصيرورة . وفي هذه النقطة بالذات ، يحدث التالي : ظهور تناقض بين ميول الصيرورة للتطور ، وهنا يصبح ذلك الطابع عائقا في وجه التطور . وهذا هو ما نسمية بالازمة ، ان الازمة اذن تبرز ، عندما يريد المجتمع مواجهة اشكالاته الجديدة بالاساليب القديمة ، وطالما لم يتوصل المجتمع ، الى احداث تطابق بين الصيرورة وبين طابعها المميز ، عبر نفي والغاء الطابع القديم المتجاوز واستبداله بالطابع الجديد الملائم ، فان الازمة تظل جاثمة على المجتمع . ان حل الازمة يعني اذن ، تحقيق قفزة نوعية .. تحقيق ثورة .. تحقيق الانتقال من طابع الصيرورة القديم الى طابعها النقيض الجديد .
لنعمل الان على توضيح ذلك التصور النظري ، بامثلة واقعية ملموسة .

المثال الاول : الراسمالية الاوربية .

ان الشكل التاريخي الاول الذي ظهرت به الراسمالية الاوربية ، هو الشكل التنافسي ، فالتنافس اذن ، هو الطابع البدائي الذي تميزت به الظاهرة الراسمالية في اوربا .
فكلما ازداد تطور الراسمالية الاوربية التاريخي ، كلما ازداد بالمقابل عدد الراسماليين ، وكلما ازداد ايضا الصراع فيما بينهم ان التنافس اذن ، قد شكل تاريخيا عنصر تقدم بالنسبة للراسمالية الاوربية في مرحلة النشاة .
لكن في لحظة معينة من تطور الراسمالية التنافسية ( الثلث الاخير من القرن التاسع عشر ) ضاق الطابع التنافسي ، ولم يعد قادرا على استيعاب المستوى المتطور ، الذي بلغته الراسمالية الاوربية في تلك المرحلة ، من هنا بروز هذه المفارقة هذا التناقض : التمسك اليائس بالطابع التنافسي القديم ، في الوقت الذي اصبح فيه تطور الراسمالية ، يطرح بالحاح ضرورة تجاوز ذلك الطابع المميز القديم ، نحو الطابع المييز الجديد المطابق وهذا التناقض هو سبب الازمة التي عصفت بالراسمالية الاوربية في تلك المرحلة .
ولذلك فان حل الازمة ، كان يقتضي الانتقال بالراسمالية من طابعها التنافسي القديم ، الى طابعها الاحتكاري الجديد .

المثال االثاني : الراسمالية المغربية .

ان الشكل التاريخي الاول ، الذي ظهرت به الراسمالية المغربية ، هو الشكل الكولونيالي ، وفي لحظة معينة من التطور ( المرحلة التي اعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية ) ، اصبح الراسمال الوطني الصاعد يتناقض مع الشكل الكولونيالي ، فهذا الاخير قد ضاق ، ولم يعد قادرا على احتواء تطلعات الراسمال الوطني نحو التطور ، وهذا التناقض بين الشكل الكولونيالي والشكل الوطني للراسمالية المغربية ، هو السبب الاساسي للازمة التي عاشها المغرب في تلك الفترة . ولذلك فان حل الازمة ، قد اقتضى تاريخيا ، الانتقال بالراسمالية المغربية من طابعها الكولونيالي القديم الى طابعها الوطني الجديد .

المثال الثالث : البريسترويكا .

ماهو سبب الازمة التي عصفت بالمجتمع السوفياتي ، والتي طرحت كحل لها ظاهرة البريسترويكا ؟ .
بتركيز شديد يمكن قول التالي ( ان تحليلا وافيا لتلك الظاهرة قد قام به الراحل عبد السلام المؤذن في مقالة مستقلة يمكن تناولها فيما بعد ) .
ان الشكل التاريخي الاول الذي ظهرت به الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي ، هو اشتراكية الحزب ، فاشتراكية الحزب اذن ، هو الطابع البدائي الذي تميزت به الظاهرة الاشتراكية في روسيا .
وفي مرحلة متقدمة من التطور الاشتراكي ، لم تعد اشتراكية الحزب قادرة على استيعاب الشروط الجديدة لتطور الاشتراكية من عنصر تقدم ، تحولت اذن اشتراكية الحزب الى عنصر عرقلة ، من هنا بروز الازمة . واذا كانت الازمة تعني ، مواجهة الاشكالات الجديدة التي طرحها تطور الاشتراكية باساليب قديمة ( التمسك بالشكل الحزبي للاشتراكية ) ، فان حلها يقتضي بالتالي ، احداث التطابق التاريخي الملائم ، أي الانتقال بالاشتراكية السوفياتية من اشتراكية الحزب الى اشتراكية الطبقة ، وهذا هو جوهر البريسترويكا .
ان التحليل السابق لم يتطرق ، رغم تعدد مظاهره ، سوى الى الشكل البسيط للازمة ، ذلك ان الازمة لاتظهر فقط في اشكال بسيطة ، وانما ايضا في اشكال معقدة ، فما هو بالتالي الشكل المعقد للازمة؟.

ذلك ما سنراه في الركن القادم من اضاءة الفقيد عبد السلام المؤذن .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل