الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيعة والفدرالية

عبد الجبار منديل

2009 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


يمكن ان نتفهم تعلق الاكراد بالفدرالية وحرصهم بعد سقوط النظام على ان يتضمن الدستور العراقي مبدا الفدرالية. فهم قومية مظلومة. جنى عليها التاريخ كما ظلمتها الجغرافيا. فالتاريخ ظلمهم لانه لم يتح لهم دولة قومية توحدهم وتطور ثقافتهم وتقارب ما بين فئاتهم وطوائفهم. وظلمتهم الجغرافيا لانها مزقتهم بين دول متعددة وجعلت ارضهم ارض تضاريس صعبة يصعب التنقل فيها للتواصل وتطوير المشتركات ولا سيما قبل التطور العلمي الحديث. وظلمتهم مرة اخرى لانها جعلت مواقعهم بعيدة عن البحار والعقد الاستراتيجية. بل هي عبارة عن مناطق عازلة بين الدول وعلى حافات الصراعات وعلى طرق النزاعات التي غالبا ما تحتدم سواء بين الدول الكبرى او بين الدول الاقليمية ذات القوة والنفوذ ويطال الاكراد منها ما يطالهم.
ولكن ما يمكن فهمه هو تعلق الشيعة العراقيين او بعض قياداتهم بالفدرالية فذلك امر غريب في بابه فاذا كان التاريخ قد ظلمهم (كما يتصور البعض منهم ) لانه لم تكن لهم دولة منذ اغتيال الامام علي ثم استشهاد الامام الحسين عليهما السلام ,فانهم جزء من ثقافة عربية كبيرة شاءوا ذلك ام ابوا فثقافتهم عربية ولغتهم عربية وتاريخهم عربي بل ومذهبهم عربي بقياداته ومؤسسيه وتاريخه.
اما الجغرافيا فقد خدمتهم بل حابتهم . فهم يشكلون اغلبية في منطقة متقاربة ومتجانسة وفي منطقة موحدة وهم في ارض العراق التي تهفوا لها ابصار وقلوب وعواطف كل الشيعة في العالم بل وكل المسلمين فهي تحتضن اضرحة الائمة من ال البيت والائمة اصحاب المدارس الفقهية الحنفية والحنبلية وغيرها. بل وحتى انبياء اليهود واصحاب الدعوة البابية والبهائية وغيرهم.
كما ان الشيعة العراقيين هم فئة من المجتمع تتقارب فيه المكونات بل وتتجانس برغم ما يبدو من اختلافات شكلية. كما ان بين هذه المكونات من المشتركات ما يفوق كثيرا الاختلافات . والهم المشترك الان هو تاكيد هذه المشتركات عن طريق تعميق الروح الوطنية العراقية التي اصبحت لاول مرة في تاريخ العراق الحديث رغبة عارمة يدعوا لها الجميع وكأنهم يكتشفونها لأول مرة .
كان ممكن ان نتفهم هذه الدعوات للفدرالية قبل سنين وفي ظل الحكم الشمولي الذي همش الشيعة واضطهدهم كما اضطهد الكثير من التيارات السياسية والتوجهات الوطنية ولكن الأن وفي ظل مجتمع مفتوح وزيادة التقارب بين كل الطوائف لا يمكن ان نتفهم هذا الإصرار على الفدرالية او ما يسمى فدرالية الوسط او الجنوب مثلا .
يمكن بالطبع الإحساس بهاجس الشيعة وخشيتهم من عودة الإنقلابات العسكرية التي قد تحصل في ظل المركزية والتي قد تعود بالجميع الى مربع البداية ولكن تلك سنين مرت ولا يمكن ان تتكرر فالجيش غير الجيش ودوره وطبيعته وقياداته وتشكيلاته وعقيدته تغيرت . كما ان العلاقات بين مكونات الشعب العراقي تتحه الى مزيد من التكافؤ .
كما لا يمكن ان نفكر بأنه كان للشيعة حلمهم القديم منذ العهد الأموي في تكوين دولة يكون فيها للائمة من ال البيت دورهم القيادي ولكن الان تغير العالم وتغيرت الظروف وتغير العراق ولا يمكن العودة الى امور تجاوزتها الأحداث اضافة الى ان الائمة هم الأن موضع تقديس كل الشعب العراقي بكل طوائفه وقومياته وفي الحقيقة فإنه لا يمكن لأي مراقب إلا ان يلمس بانه يكمن خلف الدعوة الى فدرالية الوسط والجنوب الحلم القديم بالدولة الشيعية لذلك فإن المجلس الأعلى منذ البداية حرص على ان يتضمن الدستور مبدأ الفدرالية .
ان تمزيق البلد متجانس وتقسيمه الى كيانات بحجة تكوين فدرالية هو ضرب في الأبحار في اتجاهات مجهولة وغامضة وقد تكون لها عواقب وخيمة . ولعل ابرز مثال على ذلك هو ظهور الدعوة الى فدرالية البصرة . وهذه هي البداية فقط اذا ما استمر النهج الفدرالي الذي ينص عليه الدستور . فسوف تكون هناك دعوة الى فدرالية العمارة وفدرالية الموصل وفدرالية ديالى ...الخ بل وظهرت بعض النزعات التي تزعم ان هناك اراض او مقطاعات متنازع عليها بين المحافظات وذلك اول الغيث نحو التمزق والتفتت اذا ما استمر النهج الفدرالي .
ونود ان نؤكد مرة اخرى بأن تمسك الأكراد بالفدرالية هى حقهم الطبيعي بل ان انفصالهم وتكوين دولة مستقلة – اذا ما رغبوا بذلك – هو حقهم الطبيعي ايضا ولكن ان لا تكون تلك البداية لفدرلة البلد ككل وبالتالي تمزيقه .
ان الفدرالية يجب ان تستهدف توحيد المفكك وليس تفكيك الموحد . وقد دعى كاتب هذه السطىر منذ 2001 ( اي قبل سقوط النظام بسنتين ) في احدى مقالاته الى العودة الى صيغة الإدارة المحلية التي دعى لها لفيف من الخبراء الأجانب في زمن العهد الملكي وبدأ ذلك النظام تطبيق جزء منها في عقد الخمسينات.
ان تطبيق مبدأ الإدارات المحلية انما هو تطبيق لمبدأ اللامركزية الإدارية مع عدم الإفتتات على مركزية الدولة ووحدتها .
ان مما له دلالة ان رئيس الوزراء المالكي – نتيجة لعمله اليومي المباشر – بدأ يشعر بالمخاطر التي قد تتأتى من زيادة صلاحيات الأطراف على حساب المركز من تباعد هذه الأطراف عن المركز وكذلك تباعدها عن بعضها وما يؤدي اليه ذلك تدريجيا من تفكك البلد ولا سيما ان العراق عاش القرون السبعة الأخيرة من تاريخه في ظل حكم لا مركزي هو اقرب الى الفوضى منه الى النظام الوطني الموحد لذلك فإنه ليس بغريب عليه وعلى سكانه العودة بسهولة والتحول نحو مثل هذا الطريق الذي تعود عليه طيلة مئات السنين










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل-دكتور هو- يعود بعد ستين عاما في نسخة جديدة مع بطل روان


.. عالم مغربي يكشف الأسباب وراء حرمانه من تتويج مستحق بجائزة نو




.. مقابل وقف اجتياح رفح.. واشنطن تعرض تحديد -موقع قادة حماس-


.. الخروج من شمال غزة.. فلسطينيون يتحدثون عن -رحلة الرعب-




.. فرنسا.. سياسيون وناشطون بمسيرة ليلية تندد باستمرار الحرب على