الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقة المفقودة واستحالة التقدم

مصطفى الكمري

2009 / 1 / 31
حقوق الانسان


يجمع كل الخبراء والمفكرين، أنه يستحيل بناء دولة على أسس متينة في ظل غياب الثقة الشعبية في المؤسسات والنخب الحاكمة... هذه القاعدة البديهية تجد صداها في الدول المتقدمة والديمقراطيات العريقة، حيث نجد ان مراكز البحوث تخصص استطلاعات دورية لجس نبض الشعوب في مدى ثقتها في السلطة القائمة، وحيث الحكام يسعون لمعرفة رأي الناس في أدائهم ومدى ثقتهم في قراراتهم التي تصنع حاضر بلدانهم وترهن مستقبلهم لسنوات وسنوات.

أما في المغرب، فان صناع القرار فيه لا يعيرون كبير اعتبار لثقة الناس في المؤسسات، حتى وان كان ذلك يعني، عمليا، سرطانا خبيثا ينخر في بنيان الدولة، ويهدد كينونتها وسر وجودها واستمرارها. والحقيقة أنه ليست لدينا استطلاعات ودراسات تعطي بالنسب والأرقام حجم ثقة المغاربة في مؤسساتهم، ولكن كل المؤشرات تقول أنها في الحضيض.

فعندما وقعت أحداث سيدي ايفني، وخرج خالد الناصري، الناطق الرسمي باسم الحكومة، ليقول للرأي العام أنه لم تكن هناك أية حالة وفاة... كذب المغاربة خطاب الدولة، واصطفوا إلى جانب قناة الجزيرة في ادعاءاتها. وعندما خرج تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية إلى الوجود وأكد عدم وجود قتلى في أحداث السبت الأسود، كذب المغاربة البرلمان وقالوا إنهم لا يصدقون سوى اليوتوب. وعندما ضربت الأزمة المالية العالم، وقال صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، أن المغرب بإمكانه امتصاص تداعيات الأزمة واستغلالها لصالحه، كذب المغاربة تصريحات الاقتصادي الأول في المملكة، واصطفوا إلى جانب التحليلات الصحفية المتشائمة. وعندما قالت النيابة العامة أنه تم اعتقال السياسيين الستة لشبهة تورطهم ضمن خلية بليرج في ملفات إرهابية، كذب المغاربة خطاب العدالة الرسمية، واختاروا جانب الجمعيات الحقوقية، وانحازوا إلى الرأي القائل بكون الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تصفية حسابات سياسية.

واليوم والدولة تدافع عن حصيلتها الحقوقية، في سنة الاحتفالات بمرور 60 سنة على الميثاق الأممي لحقوق الإنسان، وتقول للمغاربة أن حقوق الإنسان مضمونة في المغرب بقوة القانون، وأنه لم يعد هناك في المغرب معتقلون سياسيون أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يكذب المغاربة هذا الطرح، ويظلون يعيشون في توجس وقلق دائمين من أي انتهاك قد يطالهم أو يطال أحد أحبائهم.

هذه الهوة الفاصلة بين المغاربة ومؤسساتهم، ترجمت بطريقة عملية يوم 07 شتنبر 2007، حين قاطع 70% من المغاربة الانتخابات التشريعية، وعبروا بطريقة لا تدع أي مجال للشك، عن عدم ثقتهم في العملية الانتخابية وفي الانتقال الديمقراطي. وللأسف فان هذه الهوة تتسع كل يوم، مع التضييق على حرية التعبير من خلال المحاكمات الجائرة، ومع استمرار التحكم في القضاء عن بعد والإصرار على جعله قضاء غير مستقل، تعشش في ردهاته الرشوة وتتلاعب به لوبيات الفساد، ومع استمرار سياسة اللاعقاب وغياب المساءلة في وجه المتلاعبين بالقانون والمختلسين للأموال العامة، رغم وجود التقارير المدينة والأدلة الدامغة وشهود العيان، ومع استمرار نفس الوجوه التي صنعت أزمة الثقة، متحكمة في دواليب صنع القرار على جميع المستويات.

ان هذه الثقة المفقودة بين المغاربة ومؤسساتهم، هي السبب وراء هجرة العقول نحو آفاق جديدة وامتناعهم عن تطوير البلاد من خلال علمهم وتحصيلهم. وهي السبب وراء تهريب الأغنياء لأموالهم نحو البنوك الأوروبية والأمريكية وامتناعهم عن الاستثمار الحقيقي داخل وطنهم، واكتفائهم باقتصاد الريع والامتيازات. وهي السبب وراء امتناع جل المغاربة عن العمل بجد وإخلاص وشرف من أجل الرفع من مردوديتهم وإنتاجيتهم، حتى تخرج البلاد من دائرة التخلف...

عندما اختار الشعب الأمريكي باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، كان أول شيء يقوله للصحافة، أن همه سينصب بالدرجة الأولى نحو إعادة ثقة الأمريكيين المفقودة في البيت الأبيض و في المؤسسات الفيدرالية، ليقينه أنه يستحيل الخروج من الأزمة في ظل انعدام ثقة الشعب الأمريكي في المؤسسات والتي وصلت في عهد بوش إلى أدنى مستوى في تاريخ (و.م.أ)... فمتى سيفهم الماسكون بزمام الأمور في المغرب، أن كثرة الأوراش المفتوحة وضخامتها غير كافية لاحداث التغيير المنشود في البلاد، طالما هناك أزمة ثقة عميقة بين المغاربة ومؤسساتهم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -جبل- من النفايات وسط خيام النازحين في مدينة خان يونس


.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان




.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي


.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن




.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك