الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإلهيون إذا صرخوا: انتصرنا

سعيد لحدو

2009 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


لو كان للانتصارات أن تتحقق بالصراخ لما احتاج المتفيئون في ظلال قناة الجزيرة لاحتلال الكرة الأرضية برمتها أكثر من الوقت المخصص لبرنامج واحد من برامجها "الهادفة جداً" بعد اقتطاع الفواصل الإعلانية. ولكان حسن نصر الله وهنية ومشعل وإخوانهم من الميليشيات الإلهية المسلحة وقادتها الآخرون يتمخترون ملوحين من على شرفة مجرتنا درب التبانة وهم يتطلعون بصرختهم التالية لأن يتسلقوا أكتاف الفضاء مستظلين بأفياء السماء السابعة ليزفوا أخبار "انتصاراتهم"، عفواً، صرخاتهم التي جلجلت الكون ، للرب الإله المنتظر بفارغ الصبر سماع أخبار جنوده الأوفياء من الجهاديين الذين حققوا، وبمجرد الصراخ، ما عجز هو نفسه عن تحقيقه منذ أوجد الحياة.
المغفور له فيديبيدس اليوناني (وقد لا تحق له المغفرة لأنه مات جاهلياً) حارب الفرس الذين غزوا بلاده عام 490 ق. م. وانتصر عليهم، وبعد أن كتبت له السلامة في المعركة، جرى مسرعاً من موقع الانتصار إلى أثينا ليزف الخبر السعيد لأهلها قبل أن يسقط ميتاً من الإنهاك. لكن أخبار انتصارات الإلهيين تأتينا هذه الأيام بأسرع من لمح البصر وحتى قبل أن تبدأ المعركة، عبر حشود من الميكروفونات ومن شرفات الفيلات المكيفة أو صالات الفنادق الفخمة التي وفر لهم تكاليفها الباهظة بعض من "المتمنعين" رياءً وتكاذباً من بقايا العروبيين والإسلامويين وهواة الصرعات السياسية والترويح والاسترخاء الشخصي على حساب دماء الآلاف من الأبرياء من أبناء جلدتهم، ممن يفتقرون إلى لقمة خبز وقطرة ماء نظيفة، وفضاء من الحرية يتسع ولو لكلمة واحدة يختصرون فيها كل معاناتهم التي سببها لهم أبطال الصراخ خلف الميكروفونات. ولا أدري لماذا يصرخ بأعلى صوته كلما وقف أحد أولئك المتأسلمين بامتياز خلف ميكروفون حتى وهم في استديوهات الجزيرة الفائقة التطور والمستخدمة لأحدث مبتكرات التكنولوجيا إلا إذا كان لهذا السلوك علاقة بالانتصارات التي سيجري الإعلان عنها عند أول احتكاك مع العدو أو حتى بدون أي احتكاك إلا مع تخيلاتهم المتورمة بفعل ضجيج الصراخ الذي لم تسلم منه حتى شعائر الصلاة التي يفترض أن تتسم بالخشوع والسكينة والتضرع الهادئ بالنبرة الخافتة. ولقد كانت لنا تجربة مماثلة سابقة مع الزعيق والصراخ وقعقعة الميكروفونات مع الحركات والأحزاب القومجية وانتصاراتها الإذاعية في العقود الماضية مع العدو الخارجي ذاته كما مع العدو الداخلي الذي اختلف توصيفه بعض الشيء. ولعلنا بغنى عن تعداد تلك الانتصارات وما جرته على شعوبها من كوارث ومخازٍ وويلات.
ليس عبثاً أن يلتقي ماتبقى من شتات تلك الحركات والأحزاب القومجية العروبية وقادتها مع فلول جحافل بن لادن في غزواتهم الجديدة، ولكن هذه المرة على شعوبهم المساقة بالصراخ حيناً وبالسوط أحياناً للانتحار على صخرة "المقاومة والجهاد المقدس" مستندين بقوة إلى حرارة الدولار الإيراني ونكهة القهوة القطرية التي لاترد "مجاهداً" خائباً، فتمر تلك الغزوات سلسة عبر سورية الصامدة أبداً حتى المفاوضات المباشرة وغير المباشرة لتسفر عن قتلٍ وتدميرٍ ومآسٍ مروعة ولكن ليس في صفوف العدو. تلك هي المادة المثيرة التي تنتظرها قناة الجزيرة وأخواتها لتغذي بها برامجها الحية والميتة، مهيِّجة ملايين أخرى لتسوقها إلى المصير ذاته.
ويتداعى العرب من جديد لقمم تثير الفرقة والقرف أكثر مما تلملم الصفوف وتستجلب الأمل. ويبدأ بازار المزايدات العلنية لإعادة الإعمار، وهم الذين لم يصرفوا يوماً درهماً للبدء بإعمار حقيقي يتلخص في بناء الإنسان السوي المتعلم والمدرك والمثقف، وبالتالي القادر على المواجهة وإيجاد الحلول، أياً كانت المشاكل التي تواجهه. في حالة كهذه لن تكون قضية التحرير أصعبها وإنما قضية البناء. بناء الإنسان الحر المتمدن وعلى أسس وطنية وأخلاقية سليمة. ذلك المواطن الذي يشعر بقيمته وأهميته كإنسان أولاً وكمواطنٍ ثانياً، عوضاً عن أن يكون رقماً في قطيع هائج من الثيران التي لاتدرك وجهتها، وما عليها سوى أن تركض.
إن المليارات التي دُفعت في حرب حزب الله في لبنان 2006، والمليارات الجديدة التي وُعدَ بدفعها في حرب حماس في غزة، ناهيك عن الأرواح التي زُهقت أو "استشهدت" كما يرى إخوتنا الإلهيون بعد كل ذلك الخراب والدمار، أقول: لو أن هذه المليارات دُفعت مقدماً وأريد بها الإعمار الحقيقي، كم من المآسي والآلام كان قد تم تلافيها؟ وكم من الأرواح كانت قد حُفظتْ؟ لماذا لا تُستثار الحمية العربية ولا تظهر النخوة والشهامة والكرم إلا بعد التدمير والقتل والخراب وليس قبل ذلك؟ وكيف سيكون حال المواطن البائس والمبتلي بوكلاء الله على الأرض الذين باعوا حقوق استثمار وكالاتهم تلك في بازارات المزايدات الجهادية وغير الجهادية، وباعوا معها قضيتهم وشعبهم، واكتسبوا حصرياً حق الصراخ من وراء الميكروفونات وعلى شاشات القنوات الفضائية إياها. معلنين بكل صفاقة، وبتجرد من أية نوازع إنسانية انتصاراتهم الإلهية الموهومة. تلك الانتصارات التي لا تتطلب منهم سوى قذف بضعة صواريخ كرتونية على العدو الإسرائيلي لتفلت عفاريت غضبه من عقالها فتعبث في الأرض خراباً ودماراً. أما جنود الله الاستشهاديون أولئك من طالبي ثواب الجنة فما عليهم سوى أن يتواروا بين صفوف السكان ليعلنوا بعد انجلاء غبار المعركة أنهم لم يفقدوا سوى 48 جهادياً. وما تبقى من الثلاثين ألفاً فهم زاهدون في الجنة وملذاتها، لأن ملذات الدنيا أقرب إلى نفوسهم باعتبارها في متناول اليد. وبعد ذلك يخرج المفوَّهون منهم ليعلنوا من مخابئهم انتصارهم الإلهي ؟؟؟
هل لنا أن نقول: تباً لأي انتصار بالصراخ على حساب الإنسان وحياته التي هي أثمن مافي الوجود؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدقت
سوري 2 ( 2009 / 1 / 31 - 12:28 )
نعم صدقت يا سيدي، لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.

اخر الافلام

.. خامنئي و الرئيس الإيراني .. من يسيطر فعليا على الدولة؟ | الأ


.. مناظرة بايدن-ترامب .. ما الدروس المستخلصة ؟ • فرانس 24 / FRA




.. #فرنسا...إلى أين؟ | #سوشال_سكاي


.. المناظرة الأولى بين بايدن وترامب.. الديمقراطيون الخاسر الأكب




.. خامنئي يدعو الإيرانيين لمشاركة أكبر بالانتخابات | #غرفة_الأخ