الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتدالنا

سعدون محسن ضمد

2009 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كانت جرائم غزَّة فاضحة، ليس لإسرائيل والعرب فقط، بل وللمجتمع الدولي.. للإنسانية وتراكمها الحضاري وقيمها المدنية، للإنسان بالأحرى وتاريخه النضالي من أجل قيم العدالة والمساواة وحقوق الضعفاء من أطفال ونساء وعجزة. كانت جرائم غزَّة الأخيرة فاضحة، بشكل مركز بالنسبة لنا نـحن الذين نرفع لواء الاعتدال ونترفع على من نعتبرهم غارقين بخزي التطرف. ما حدث في فلسطين مؤخراً وضع الإنسان ومدنيته وقيمه، واعتدالنا نـحن، إزاء محك فاضح لأبعد الحدود.
لم يعد الموضوع متعلقاً بحماس، بعصابة ترتدي قلنسوة الدين وتخفي تحتها رأساً أجوف مليئاً بالشعارات البالية. بل بالحقيقة.. حقيقة الاعتدال والتطرف. الحقيقة التي تقول بأننا معتدلون مع قضايا العالم لكنه متطرف مع قضايانا بشكل مخز. وإلا لماذا يسكت إزاء تأريخ كامل من المجازر الوحشية؟ الجواب بالتأكيد يتعلق بحق الدفاع عن النفس، لكن ما هي حدود هذا الحق، ومن يحددها؟ كيف يتسامح العالم مع حماية دولة (ديمقراطية) لرعاياها من خلال إبادة رعايا (دولة أو عصابة أو قوم أو قرية) أخرى! لماذا يقبل الراي العام الدولي (المتمدن والإنساني) من إسرائيل ما لا يقبله من حماس؟!
الجواب الجاهز هو؛ لأن حماس عصابة وإسرائيل دولة، حماس مجموعة إرهابيين لا يتورعون عن استخدام السلاح بأي وقت وضد أي أحد، وإسرائيل دولة حديثة لا تستخدم السلاح إلا لحماية مواطنيها... ممتاز. لكن الواقع أثبت أن إسرائيل أكثر تهوراً من حماس وهي مستعدة لاستخدام حتى الأسلحة المحرمة وفي قصف المدارس والمستشفيات ومراكز الإغاثة وبتحدٍ فاضح للأمم المتحدة. مع ذلك العالم المتحضر المعتدل لم يحرك ساكناً، الأمر الذي أشعرني بالحيرة، قلت: ربما سيتحرك بعد أن تتوقف الحرب وتنكشف المجازر، ربما أن العالم (المتحضر) الذي يشاهد المجازر يضغط بشكل خفي، وهو يمنح إسرائيل آخر فرصها. قلت لنفسي؛ حتى لو سكتت أميركا فأوروبا لن تفعل؛ لأن الشعوب الأوربية معتدلة ومتحضرة ومدنية وإنسانية وووو الخ. لكن الحرب انتهت والغبرة انجلت عن أكثر من ستة آلاف ضحية، ومع ذلك لم يحدث شيء، باستثناء بعض المظاهر المستهلكة.
عندما أصدرت المحكمة الدولية مذكرة اعتقال عمر البشير حكمت يومها على مواقف المعترضين العرب بأنها منحازة، واليوم أعتقد بأننا نـحن المنحازون، صحيح أن البشير قاتل، ولكن حقاً؛ لماذا نكيل للمجرم الضعيف بغير المكيال الذي نكيل به للمجرم القوي؟ ألا يعني هذا بأن (المتطرفين) الذين قالوا بالغايات السياسية للمذكرة كانوا محقين أكثر منّا نـحن الذين كذبناهم؟ أكثر منّا نحن المتخمين بالاعتدال حدَّ أقتناعنا بخرافة (المجتمع المدني الإنساني المتحضر) الذي لا يميز بين أطفال دار فور وأطفال غزَّة.
استخدمت إسرائيل كامل قوتها وبوحشية يندى لها الجبين (المعتدل)، ودول وشعوب العالم (المتحضر) صامتة، وعندما فرغت من القتل وشبعت من الأوصال والدماء حمَّلت العالم ـ هي الدولة القوية ـ مسؤولية حماية حدودها، فلبى العالم ـ الذي لم يفكر حتى بحماية الأطفال من قنابل الفسفور ـ نداءها وهو يباشر الآن رسم الخطط الكفيلة بحماية هذا الأمن.. غريب!! ونحن مع ذلك نبحث عن الحجج التي تجعل هذا الأمر مقبولاً ومندرجاً في ضرورات الاعتدال، ولا نحدِّث أنفسنا باحتمال أن تكون معايير العالم المتحضر تمييزية بشكل فاضح ومتخلف، وهي تكيل (لهم) بغير المكيال الذي تكيل به (لنا).










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مرحباً بك قربي
صائب خليل ( 2009 / 1 / 31 - 09:12 )
مرحباً يا سعدون ، لا اخفيك اني استأنست بوجودك قربي في -قعر العالم- رغم ما في ذلك من أنانية مفضوحة، فاعذرني...
ومرحباً بك ثانية في نادي المحتجين على ما يقدمه الغرب من عروض ومفاهيم، وها نحن معاً نتحدث عن الإعتدال في نفس اليوم صدفة.
تحياتي


2 - انا قربك باستمرار
سعدون محسن ( 2009 / 1 / 31 - 11:15 )
نحن قريبان من بعض يا صائب وان اختلفت آرائنا في بعض الاحيان، اتابع مقالاتك بحرص واهتم بقرائتك للواقع وكما قلت لك سابقا كثيرا من توجعني بعض تلك الآراء لكنها تكون مفيدة باستمرار ومن خلالها ومن خلال اختلافها احاول الحفاظ على اعتدالي معتدلا.
تاخر نشر الموضوع في الحوار المتمدن وهذا ما احزنني، فقد اضطررت لارسالة ثلاث مرات ثم لتغيير عنوانه في الرابعة فعنوان المقال كما نشر في جريدة الصباح يوم الاثنين الماضي هو: بشيرهم وبشيرنا.
تحية لك يا صديقي

اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان