الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأميركيون فرحون بالتغيير، فماذا عن العرب؟!

نبيل علي صالح

2009 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


بالفعل، يستحق الشعب الأميركي كل التهنئة على ما أنجزه من تغيير سياسي وانتقال ديمقراطي هادئ للسلطة، قلّ نظيره حتى في العالم الغربي الذي يتباهى بأبهى صور الديمقراطية والحرية.. ومرةً أخرى أثبت الأميركيون أنهم أمة حرة قادرة على التمييز وحسن الاختيار المسؤول، وذلك بقطع النظر عن لوبيات الضغط الإعلامي والسياسي، ومراكز القوى الاقتصادية والعسكرية، ومؤسسات التمويل والدعم المالي التي سيكثر الحديث عنها في الأيام المقبلة خصوصاً في عالمنا العربي والإسلامي حيث العقل المريض بالأوهام والترهات والأساطير، وحيث الانتشار الواسع لنظرية المؤامرة التي تريحنا عن ممارسة التفكير والتحليل، وتشل العقل عن تقبل التطور والتغير، وحيث الوجود العريض لأساطين التخطيط والتفكير المؤامراتي الاستراتيجي مما لا نجد لهم نظيراً في العالم كله..
أجل لقد قال الأميركيون كلمتهم الهادرة، وصرخوا بأعلى أصواتهم عبر صناديق الاقتراع الخشبية والإلكترونية: إنه زمن التغيير المنشود، تغيير وجه أميركا الداخلي والخارجي.. هذا الوجه الذي تشوهت معالمه وملامحه في السنوات الماضية نتيجة القرارات الخاطئة التي اتخذتها الإدارة الجمهورية البوشية السابقة ذات النزعة الرسولية والمسحة التطهرية، والتي ظنت –في وقت من الأوقات- أن التغيير والإصلاح يمكن أن يحدث في أي مجتمع عن طريق الفرض بالريموت كونترول، أي بمجرد اتخاذ قرار التغيير من القيادات العليا.
طبعاً الكلام سيكثر والتحليلات ستزداد، وسيسيل حبرٌ غزير –من الآن وحتى ما بعد انتقال السلطة للإدارة الجديدة- للحديث عن هذا الانتصار المدوي الذي حققته أمريكا أولاً والسناتور أوباما ثانياً، ولكن "السؤال-الأسئلة" الذي نجد أنفسنا –نحن العرب- ضرورةً ملحةً في طرحه بهذه المناسبة هو:
-أين هو دور وموقع العرب من خارطة التغيير العالمية، وقانون التغير هو الثابت الوحيد في هذا العالم؟!!..
-وما هو موقف شعوب المنطقة العربية من هذا الحدث الكوني، وهم يرون ويتابعون بأم أعينهم مشهد التغيير السلمي الديمقراطي (وليس العسكري أو الديني) الذي حدث هناك تحت ضغط وتأثير وعي وقدرة وإرادة وحيوية المجتمع الأمريكي والناخب الأمريكي وليس بقوة الثورات والهيجانات الانقلابية العاصفة التي حدثت هنا وهناك في غير مكان من منطقتنا والتي دفع سكانها كثيراً من الدماء والدموع ثمناً لها؟!!..
ألا يسأل أبناء عروبتنا أنفسهم، وهم يتحسرون ويتألمون: لماذا نحن لا نساهم في صنع قرار بلداننا ومستقبل أجيالنا، ليكون لنا مسؤولية تطويرها والانتفاع بمواردها وطاقاتها الهائلة؟.. ولماذا لا يكون لنا صوت جرئ واضح وصريح في كل ما يجري عندنا؟!!
ثم هل نحن حالة خاصة من الأمم أو شعب مختلف عن باقي شعوب الأرض؟
أسئلة وإشكاليات كثيرة لا تنتهي تبقى حاضرة في الذهن، ويمكن طرحها باستمرار بعد كل تغيير أو تحول سياسي أو فكري ما يمكن أن يحصل في أي مجتمع من المجتمعات الغربية المتحضرة.
وبالمحصلة يمكنني القول هنا أن النسبة الغالبة من أفراد مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي يغلب عليها التفكير التقليدي والقناعات الدينية الماضوية التي تحدد للفرد المؤمن بها مختلف مسارات العمل والحركة والالتزام الروحي والعملي في الحياة، وتجعله يشعر على الدوام بأنه ليس بحاجة إلا لهذا النوع من الأفكار الغيبية الكفيلة بتحقيق حلمه في الوصول إلى الجنة الموعودة.. أقول: ربما تحسد تلك النسبة الأكبر من أبناء مجتمعاتنا في قرارة نفسها شعوب أمريكا على حيويتها وتجددها وقدرتها الفعالة على إحداث التغيير الذي تنشده تحقيقاً لمصالحها الوطنية العليا. وتلك النسبة ترغب في حدوث مثل هذه التغييرات المفصلية في مجتمعاتنا، ولكن من داخل شريعتها وقوانينها وأعرافها، أوما تسميه نخبتها الفكرية والسياسية (من داخل نسيجنا وسياقنا الحضاري العربي والإسلامي!!).
من هنا جديرٌ بنا أن لا نكتفي نحن في عالمنا العربي بالإعجاب أو الاندهاش عند بداية أي حدث سياسي أو غير سياسي مما يتحرك به الواقع الغربي، بكل تطوراته وتغيراته الدائمة على أكثر من صعيد، بل ينبغي التأكيد على أن الأولوية التي تحظى باهتمامنا جميعاً –حيث أن التغيير السياسي لا بد وأن يسبقه تحول وتجديد ثقافي معرفي بامتياز- هي أن نعمل على تأسيس وبناء ثقافة عربية إسلامية مختلفة تماماً عما نعيشه اليوم من حالة "اهتراء ثقافي ومعرفي" تفتقد فيه الثقافة العربية المعاصرة –كامتداد لثقافة الأمس في اليوم- قيم العقلانية والموضوعية والوعي الجمالي. فنحن بحاجة ماسة للتغيير السياسي والاجتماعي، ولكننا بحاجة أكثر قبل ذلك للبدء الجدي بإحداث تغييرات فكرية مطلوبة في عقول الناس وطريقة وعيها للحياة والفكر والعمل والممارسة.. أي أننا بحاجة لثقافة تبني العقل –عند الفرد والجماعة– على حجج وأسس منطقية إقناعية (إذا صح التعبير)، ثقافة تتمثل (وتستوعب وتمارس) خطاب المحاكمة العقلية والعلمية الذي لا تزال تفصلنا عنه مسافات زمنية هائلة (هل يعقل أن تكون فتوى رجل الدين عندنا أهم وأعلى شأناً من ،ومقدَمة على، رأي علمي قاطع أو حقيقة علمية).
ونحن عندما نستخدم هنا مصطلح العقلانية (الذي لا نعني به الطريقة العقلية التي تقف في مقابل الطريقة التجريبية، بل نعني به حصراً أن تلتقي العقلانية مع التجريبية، لأن العقل يستنطق التجربة ويقتحم عناصرها الداخلية من أجل أن يخرج منها بفكرة أو نظرية عامة)، فإننا نريد به الطريقة الموضوعية في التفكير والوعي الثقافي، التي تعمل على أساس دراسة وتحليل أية قضية أو فكرة (أو أي واقع) من خلال عناصرها الذاتية، وخصائصها الموضوعية في ما يحيط بها من أجواء، وما يتحرك في آفاقها من ظروف. وعلى هذا الأساس تقف العقلانية في مواجهة الانفعالية، أو الحماسية، أو العاطفية التي ترتكز –في مواجهة القضايا القديمة والمستجدة، والتعامل مع الواقع– على العنصر الشعوري الطارئ.
وهذه هي –للأسف- الثقافة السائدة حالياً، أعني بها ثقافة التدين والتشنج والتعصب وثقافة "الانفجار الاجتماعي" التي حكمت كثيراً من مناهج التفكير عند الأقدمين، ولا تزال تهيمن على مساحات واسعة من ذهنيتنا المعاصرة، ومفرداتنا الفكرية والعملية.
إنّ كل ذلك يفرض تجديداً في بنية هذه الثقافة، وبحثاً علمياً عن معالجات وحلول فورية متنوعة من أجل أن تعيش (تلك الثقافة) في داخل عصرها لتفهم أدواته وعلاقاته ومفاتيحه، ولتواكبه بكل أحداثه ومستجداته وتعقيداته وتشابكاته، ولا تكتفي بتبني خيار الهروب إلى الأمام واتخاذ موقف الانغلاق والرفض لمنطق التطور والنقد.
إن المطلوب –في هذا السياق– أن نعمل على تحليل ودراسة قضايا وإشكاليات ثقافتنا وأفكارنا (التي طالها اليباس والخراب وباتت تشكل عبئاً حقيقياً على أصحابها وعلى العالم) بكثير من المسؤولية والوعي والاتزان العلمي والموضوعي، والإيمان بأن الثقافة التاريخية القديمة لا يمكن أن تعيش لتؤثر في هذا العصر وفي العصور اللاحقة. لأن التاريخ الماضي، زمن مضى ولن يعود، وقد كانت له أفكاره ورموزه وشخوصه ومواقعه وأحداثه وتطوراته التي لا يبقى منها إلا الأثر والدرس والعبرة. وإذا أردنا أن نجعل لثقافتنا التاريخية الإسلامية مجالاً معيناً من الحركة والامتداد والتأثير في ساحة الحياة المعاصرة، فيجب علينا أنْ نعرّي تاريخنا من كل ألوان الوهم والدعاية والزهو الفارغ والاستغراق في الخيالات والأحلام الوردية، وضرورة ملاحظته كمادة قابلة للدراسة والتنقيب والنقد بطريقة منهجية علمية واضحة ومحددة وصريحة ليس فيها لف أو دوران. وهو ما يعني أن نقف أمام تاريخنا وجهاً لوجه لنحلله في بنية عناصره ومعطياته وآثاره، وننفذ بعمق إلى داخل جذوره. لأن ذلك يفتح لنا المجال من أجل الوقوف أمام الفكر التاريخي والمشكلة التاريخية كما هي في واقعنا الحالي، على اعتبار أن التاريخ لم يعد –من خلال هذه النظرة– مجرد تسجيل حرفي، وسرد قصصي لأحداث أو قضايا من الماضي، بل من الممكن أن يكون له دور ما للعبرة والتحليل والدرس الموضوعي.
وهذه المحاولة الفكرية المنهجية تعني –فيما تعنيه- أننا نريد من مجتمعاتنا الراهنة أن تملك القدرة على الخروج من دهاليز وأنفاق التاريخ الماضي، وأن تعمل على اجتراح "معجزة" بناء وصياغة تاريخ جديد متطور وفاعل، من خلال مواقع الحاضر بالانخراط في عالم اليوم والمستقبل.. تاريخ العقل والوعي والانفتاح الديني والثقافي.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها