الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الخيال الشعري

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2004 / 3 / 22
الادب والفن


يرى كثيرون أن الفن وخاصة الشعر يجب أن يوظّف في خدمة أخلاق المجتمع و تقييمها و تهذيبها ، فقالوا إن على الفن تقديم المثل العليا للبشر للاقتداء بها وتنويرهم ، و ينبغي أن يكون للشعر معنى واضحا لكي يعود المتلقي مملوء اليدين بعد تلقيه . وهذا الرأي أدى إلى تعريف تلقيناه أيام الدراسة المتوسطة بأن كل كلام موزون مقفى هو الشعر. و أتذكر مدرس اللغة العربية القدير حين أكد على إضافة عبارة " و فيه خيال" . و لكن مهما جرت النقاشات حول ضرورة إثارة الخيال ، يحس المتلقي بأهمية الوزن و القافية . فالكلام العادي و الشعارات الخالية من السجع و الوزن و القوافي ، لا يعمل تأثيرا في المتلفي مثلما يعمل الكلام الموزون المقفى او المسجع.
يؤكد العلامة نصير الطوسي في" أساس الاقتباس " بأن الشعر كلام مخيل ولو لم يكن موزونا وأنه من الخطأ وضع التخيل في درجة أدنى وأن الوزن يكتسب أهميته من مساعدته أو خلقه شيئا من الخيال وإلا ليس من الضرورات التي بدونها لن نلقى شعرا ".
وأرسطو أيضا لا يعتبر الكلام الخالي من الخيال شعرا حتى لو كان منظوما .
و إنني أعتقد أن كل الفنانين هم شعراء ، إذ يتساوى عندهم التكوين الذهني الذي تنبعث منه الحالة المتميزة التي تؤدي إلى الخلق والإبداع ، أو بتعبير آخر يقومون بنفس الوظائف الذهنية التي تؤدي إلى الخيال ؛ لكن الاختلاف يبرز في التعبير عن تلك الحالة و ترجمتها. فالذي يترجم عن طريق الكلام شاعر والذي يترجم بواسطة نوتات موسيقية ؛ هو موسيقي وبالألوان هو رسام. فانعكاسات الواقع الذهنية عند كل فنان هي عبارة عن كلام في البداية وحين تتحرك إلى خارج الذات يمكن ألا تعود كلاما . لذلك فان الرسام و الموسيقي و الشاعر كلهم يتميزون بميزة واحدة فنية. لقد كان جبران خليل جبران رساما أيضا، فلا أرى أي فرق بين كلمات كتبها : " و طلع القمر فانسكبت أشعته على بياض الأعمدة الرخامية المنتصبة كالجبابرة ، تخفر في هدوء الليل مذابح الآلهة ، و تنظر تيها و اعجابا نحو بروج لبنان الجالسة في الوعر على جبهات الروابي البعيدة ." ، وبين لوحة رسمها تعبر عن ليلة لبنانية مقمرة. وكذلك الشاعر الإيراني سهراب سبهري احترف الرسم ؛ وقد سار سهراب الشاعر بموازاة سهراب الرسام ، ولم يسبق أحدهما الأخر، وإنما تبادلا الأفكار والرؤى والصور والألوان.
فالشعر اكثر الأحيان هو رسم بالكلمات . ففي لوحة – قصيدة له يستخدم سهراب الكلمات بدلا من اللون و الفرشاة:
احمرار الغروب انسكب منتشرا على الصخرة
الجبل ساكن والنهر يتدفق
وبيادر بنفسجية هجعت في فناء السهل

إنها قصيدة جميلة ترسم الغروب في الجبل و السهل ، لا تختلف شيئا عما لو كانت لوحة رسم و من غير المتصور أن تكون لوحة الرسم اجمل من قصيدته.
كتابات هرمان هسة شاعرية جدا لأنه بدأ حياته شاعرا وظل شاعرا سواء في رواياته أو قصائده.
الشاعرية تصح كذلك في السينما و يمكن أن نطلق عبارة شعراء السينما على مبدعين من أمثال السينمائي العرفاني الروسي الراحل اندريه تاركوفسكي و المخرج الياباني المعروف كوروسافا ... فحين أشاهد فلم سولاريس ، من صناعة تاركوفسكي أشعر أني أعيش عالما شعريا مليئا بالاستعارات تمس شغاف القلب وكذلك لا يختلف فلم درسواوزالا شيئا عن قصيدة رائعة يكتبها إنسان بدائي يعبر عنها بعيونه .
و يرى أر سطو أن ثمة سببين يكمنان في الطبيعة البشرية يؤديان إلى ظهور الشعر : ألا هما ميزتا التقليد و الإحساس بالوزن .
فالإحساس بالوزن مسألة جمالية تنعكس في المتلقي ؛ تلزمها دراسة متأنية و هذا الإحساس لايمكن فرضه على أحد أو الحكم عليه باعتماد أوزان معينة بل إنها حالة يصلها المتلقي وبتأثيرات من البيئة والتنشئة و حالاته ومعاناته الخ .
و كذلك يرى ابن سينا أن جوهر الشعر يكمن في التخيل و يقول إن التخيل إنما هو انفعال من تعجب أو تعظيم أو تهوين أو تصغير أو غم أو نشاط ، من غير أن يكون الغرض بالمقول إيقاع اعتقاد البتة ... ويضيف أن مسألة الصدق و الكذب ليست واردة ، أي بمعنى آخر أن الشاعر لا يلقي موعظة و لا يملي فكرة على متلقيه . وكذلك يرى ابن سينا أن الوزن يفيد للتأثير و شحذ الخيال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ


.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال




.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ