الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات والديموقراطية والعنف في الجزائر الحلقة الثانية

رياض الصيداوي

2009 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


نظرية تعبئة الموارد[9](Resources Mobilization Theory)

عندما ظهرت نظرية تعبئة الموارد، التى صاغها لأول مرة في شكلها التأليفي الكامل كل من زالد Zald ومكارثي McCarthy[10]، سرعان ما لقيت قبولا واسعا وإجماعا من قبل المجتمع العلمي[11]. بنت هذه النظرية نقدها على أفكار ثلاثة:

1- لا يمكن اعتبار الفاعل الاجتماعي موضوعا للسيكولوجيا، ذلك أنه يعمل عقلانيا،

2- لا تعد واقعية النظرية التقليدية مسألة ملائمة، ذلك أن التحولات الاقتصادية الاجتماعية متجاهلة عند ظهور الفعل الجماعي،

3- تعد التنظيمات، على عكس فرضيات نموذج مجتمع الجماهير، المفتاح الذي نفهم من خلاله عمليات التعبئة.

يكمن الاختلاف الأساسي بين النظرية التقليدية ونظرية تعبئة الموارد في اعتقاد الأولى، على حسب تصور صاحبها كورنهوزر، إن عماد الفعل الجماعي يعود الى غياب التنظيمات الوسيطة، في حين تعتقد الثانية أنه على العكس، أن التنظيمات الوسيطة هي عصب الفعل الجماعي. كما شرح كورنهوزر مسألة أن غياب علاقات التضامن التقليدية تم تعويضه من خلال خلق علاقات تضامن أخرى أكثر تطورا أفرزتها المدينة وأدارتها تنظيمات جديدة. هذه الأخيرة هي السبب الأساسي في ظهور التعبئات الاجتماعية التى تعيشها المجتمعات المعاصرة. انتقدت نظرية التعبئة المقاربة السيكولوجية واهتمت أكثر بالمقاربة الاقتصادية التى أصبحت عماد تحاليلها. فهي تعتقد أن الفاعلين الجماعيين أناس عقلانيون ويتصرفون انطلاقا من حسابات دقيقة[12]. يشبه كل من زالد وماكرثي منظمات الحركات الاجتماعية بمديري المؤسسات، حيث يتصرفون في عدد معين من الموارد مثل العمل، الموظفين، التمويل... لذلك فهم يعتمدون في اختيار إستراتيجيات حركتهم على مفهومي الربح والخسارة.

كما انتقدت نظرية التعبئة، عبر مساهمات زالد وماكرثي، مفهوم وضعية النظرية التقليدية وشككت في وجود علاقة سببية وثيقة تربط بين التحولات الاقتصادية والاجتماعية وظهور الكبت والحرمان الذان يؤديان إلى الفعل الجماعي. فهما لا يعتقدان في هذه الآلية السببية، حيث يتجاوزانها الى تصور آخر ينبني على فكرة أن التنظيمات هي التى تخلق الحاجيات المطلبية والاعتراضات المعبئة. يقولان في هذا المعنى: "الاعتراضات والاستياءات يمكن تحديدها، خلقها والتلاعب بها من قبل المديرين (القادة) Entrepreneurs و التنظيمات"[13]. فالأزمة، على حد اعتفادهم، لا تشكل سببا مباشرا في عمليات التعبئة الاجتماعية، ذلك أنها لاتتجاوز كونها موردا هاما لتنظيمات الحركات الاجتماعية التى تعمل على استغلالها[14].

إذا طبقنا هذه النظرية على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فإننا نستخلص أن نجاحها يعود في الحقيقة إلى عمل كبير قامت به في فترة قصيرة من الزمن. أي أن التنظيم ونشاط التعبئة المنظم أديا إلى تحقيقها نتائج باهرة. رغم أننا لا نتجاهل الأزمة المجتمعية العامة التى ساعدتها على تعبئة الأنصار في زمن سريع. ومن ثمة يجب دراسة عمل الجبهة الميداني الذي تمكنت من خلاله النفاذ إلى الشارع الجزائري الواسع[15].

استغلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ كثيرا من الموارد المتاحة لصالحها ووظفت تكتيكات فعالة من أجل هذه الغاية. يلخصها الباحث الأمريكي غراهام فولر Graham Fuller في "التعليم، استخدام المال، نشر خطاب واضح، الوسائل الإعلامية العصرية، تقنيات الحملة الانتخابية العصرية...استخدام شبكات دعم واسعة من الأنصار، حيث جاء بعضها حتى من جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم آنئذ"[16].

1. التعليم: تأسس تقليد التعليم الإسلامي في الجزائر مع ظهور جمعية العلماء المسلمين في بداية الثلاثينات من هذا القرن. وحينما استقلت الجزائر سنة 1962 حدث صراع عنيف على السلطة نتج عنه سيطرة الجناح العربي الإسلامي على كل من جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني ووصوله إلى الحكم مقصيا الجناح الفرنكفوني الليبرالى أو اليساري. ساهم هذا النجاح في إنجاز مخططات التعريب الواسعة[17] وإدماج تدريس الدين الإسلامي في برامج التربية. ومنذ سنة 1980 انتشرت المجموعات الأولى للداعين الإسلاميين في الكليات والجامعات حيث تحولت المسارح وقاعات الرياضة إلى أماكن للعبادة والصلاة[18]. وجدت أرضية مهيأة لنشاطها تمثلت في تشجيع ضمني من قبل الرئيس الجديد الشاذلى بن جديد لها حتى يحد من حجم تأثير الحركات اليسارية بصفة عامة والتيار الاشتراكي المعارض لسياسته الليبرالية داخل جبهة التحرير الوطني بصفة خاصة[19]. ومن ثم أصبحت عمليات احتلال الفضاءات العامة من قبل الإسلاميين محور صراع شد وجذب بين التيارات المتصارعة داخل جبهة التحرير. والأكثر من ذلك، يتميز هؤلاء الشباب الإسلاميين بميزات جديدة خاصة لم تتوفر في إسلاميي جمعية العلماء التقليديين. كانت لهم الشجاعة والجرأة الكافيتين حتى يفسروا القرآن بأنفسهم دون العودة إلى المشايخ التقليديين. كما تحدوا السلطات الأخرى، بما فيها سلطة الآباء أو سلطة السياسيين أو حتى سلطة علماء الدين. إنهم لا يعترفون إلا بتفسيرهم "الثوري" الخاص للقرآن والإسلام. سيشكل هذا الجيل لاحقا الجبهة الإسلامية للإنقاذ وسيهيمن على هيكلها التنظيمي. نجحت هذه الإستراتيجية وأثبتت فعاليتها في عمليات التعبئة التي استهدفت الأوساط الجامعية والتلمذية. ومكنت الجبهة الإسلامية للإنقاذ من شريحة مجتمعية حية وطموحة ومتبنية لإيديولوجية عمل جديدة خاصة لدى أولئك الشباب الذين لا يمتلكون بدائل اجتماعية[20].

2 . التمويل: يعتقد كثير من الباحثين، بمن فيهم غراهام فولر، في فرضية التمويل السعودي ليس فقط للجبهة الإسلامية للإنقاذ وإنما لجل الحركات الإسلامية السنية في الوطن العربي بشكل خاص أو في العالم الإسلامي بشكل عام. تكثف التمويل السعودي لهذه الحركات منذ بداية سنة 1980 وذلك بهدف مواجهة الثورة الإيرانية الصاعدة. هذه الثورة أرادت أن تكون الممثل الأول أو لنقل المرجع الأساسي للنضالية الإسلامية المعاصرة[21]. من الصعب إثبات مثل هذه التهم للباحثين، لكن من الممكن رصد أن أغلب وسائل الإعلام المرتبطة بالسعودية وخاصة تلك الصادرة في لندن أبدت تعاطفا واضحا مع الحركة الإسلامية الجزائرية ونقدا جليا للنظام. لكن سرعان ما حدث مستجد غير من النظرة السعودية للجبهة الإسلامية للإنقاذ. لقد أحدث غزو العراق للكويت انقساما حاد في صفوف الجبهة. فالقيادة ممثلة في عباسي مدني تعاطفت مع الموقف الخليجي أما القاعدة الشعبية فاندفعت لمساندة العراق. وأمام ضغطها الكبير، اضطرت القيادة إلى اتخاذ مواقف منسجمة مع التطلعات الجماهيرية. ومن ثمة وقع شرخ بين الجبهة والمملكة التى اتجهت إلى دعم محفوظ نحناح وحركته حماس مع محافظتها على علاقات جيدة مع أنصارها الأوفياء داخل الجبهة.

يجب التنبيه إلى أن التمويل الخارجي لا يمثل المصدر الأساسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ. فهي تعتمد بالدرجة الأولى على مواردها الذاتية، حيث نجحت في إنشاء شبكة دعم واسعة تتكون من دوائر محلية ناجعة مكنتها من تحقيق تمويل ذاتي لأنشطتها. يعتقد عمر كارلييه Omar Carlier في هذا المضمار أن شريحة واسعة من السكان قدمت دعمها المالي ويذكر خاصة "الأغنياء الجدد، الطبقات العمالية، التجار، والمؤسسات الصغرى"[22]. إن هذا التنوع في التمويل الذي جاء ، تقريبا، من مختلف الفئات الاجتماعية الجزائرية يعود أساسا إلى نجاح الحركة الإسلامية في الجزائر، كحركة شعبوية، في الوصول إلى كافة الطبقات والتواصل مع فئات اجتماعية متناقضة المواقع اقتصادا، طبقات، وثـقافة[23].









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولكسفاغن على خطى كوداك؟| الأخبار


.. هل ينجح الرئيس الأميركي القادم في إنهاء حروب العالم؟ | #بزنس




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش الخسائر التي تكبدها الجيش خلال الحر


.. نافذة من أمريكا.. أيام قليلة قبل تحديد هوية الساكن الجديد لل




.. مواجهة قوية في قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنكليزية